بقلم/ أحمد زقوت
تُحاولُ أنظِمَةُ الحُكمِ فِي الدّولِ العربيةِ، مُمارسةَ تزييفِ الوعيِ فِي كافةِ المجالاتِ وبشَتَّى الوسائلِ المُتاحةِ، ابتِداءً من المجالِ السّياسيِّ والِاقتِصاديِ، وُصُولًا إِلى المجالِ الثقافي والفنيِ، حتى يتم قبولُ فكرةِ "التطبيعِ " مع الِاحتِلالِ "الإِسرائيليِ" على حسابِ القضيةِ الفلسطينيةِ، بذريعةِ "العيشِ المُشتركِ والتعارُفِ"، لكن لِشُعوبِ تلك الدولِ رأيٌ آخرَ مُغايِرٌ، عُنوانُهُ الثباتُ على حُبِ فلسطينَ ومُساندةِ شعبِها.
ويستمرُّ مُسلسلُ " التطبيعِ " ، وتستمِرُّ المُحاولاتُ التي يرفُضُها الشعبُ المصريُّ ومنها مُؤخرًا ، التِقاطُ المُمثلِ المصريِ " محمد رمضان " صورةٌ تذكاريةٌ مع مُطربٍ " إِسرائيليِ " عُومير آدامٍ ، والمُغرّدِ الإِماراتيِ حمدُ المزروعيِ ، والتي أثارَت رُدودَ غاضِبةً من الشعبِ المصريِ ، ونشرَ روّادُ مواقعِ التواصُلِ صورَ من نوعٍ آخرَ مثلَ الجُنودِ المِصرِيُّونَ أثناءَ الِاشتِباكِ َمع الِاحتلالِ ، وَاضطُرَت أُطُرٌ نِقابيةٌ مُجاراةَ الرأيِ العامِ الرافِضِ لهذا التصرُّفِ في هذه النُّقطةِ ، وأوقفَ الِاتِحادُ العامُّ لِلنِقاباتِ الفنيةِ في مصرَ المُمثلِ " رمضان " مؤقتًا عن العملِ لحين التحقيقِ معهُ جراءَ هذه القضيةِ.
وبالرغمِ من أن مصرَ هي أولُ دولةٍ عربيةٍ أُبرِمت السلامَ مع " إسرائيلَ " ، عن طريقِ الرئيسِ الراحِلِ أنورِ الساداتِ في 1978 م ، إِلا أن أربعِينَ عامًا العلاقاتِ الدِبلوماسيةَ بينَ الدولتينِ لم تُغيِر من رفضِ الشعبِ المصريِ لـ " التطبيعٍ " ، ودفاعِهِ عن القضيةِ الفلسطينيةِ ، هذا كُلُّهُ في جوهرِهِ تُدرِكُهُ الأنظِمَةُ الحاليةُ لِلدُولِ المطبعةِ المُهروِلَةِ نحو " التطبيعِ " مثلَ الإِماراتِ والبحرينِ والسّودانِ ، ولِغايةِ تَغييرِ هذا الواقِعِ ، ولتشجيعِ تلكَ العلاقاتِ بِقصدِ إيجادِ تبريرٍ لِقراراتِها التَطبيعيةِ ، تزجُ بالعدِيدِ من الفنانِينَ والإِعلامِيينَ والمُدَوِنِينَ والمشاهيرِ على مسارحِ التطبيعِ ، كي يحذُوَ المُواطِنُونَ حذوَهُم ، وإِقناعِهِم بتلكَ العلاقاتِ الوهميةِ .
المصريِينَ وشُعوبُ الدولِ العربيةِ في مُجملِهِم ، يُؤكِدُونَ دومًا على عهدِهِم في المُقاطعةِ الشعبيةِ لِلِاحتلالِ ، رغمَ اتِفاقياتِ " التطبيعِ " التي تعقِدُها دوَلُهُم ، وهذا ما يُؤَكِدُهُ تقريرُ وِزارَةِ الشُّؤُونِ الِاستِراتيجيةِ " الإِسرائيليةِ " ، خِلالَ حملَتِها " تغييرُ النظرةِ إِلى الاحتلالِ ، مع التركيزِ على العالمِ العربيِ " ، حيثُ ظهرَ إن 90% من مستخدِمِي وَسائِلِ التواصُلِ الِاجتِماعيِ العربِ ، لديهُم تعليقاتٌ " سلبيةٌ " حولَ ما يُسَمى بِاتِفاقاتِ " التطبيعِ " ، وأوضحَ التقريرُ أن 5% فقط من المُشَارِكِينَ في هذا النِقاشِ كانَ لهُم توجُّهًا " إيجابيًّا " ، واحتوَت مَنشوراتُهُم على كلِمَةِ " سَلامٍ " ، وَاعتبرَ مُعِدُّو التقريرِ أنها " تُعبِرُ عن توجُّهٍ إيجابيٍ" .
أمامَ هذه المُعطَياتِ، يجِدُ الاحتِلالُ صُعوبَةً رغمَ الجُهودِ التي يَبذُلُهَا على مَواقِعِ التواصُلِ الِاجتِماعيِ، من أجلِ تَغييرِ مَوقِفِ الشُّعوبِ العربيةِ الرافِضَةِ لِقضيةِ " التطبيعِ "، وإن كل من يقومُ بذلِكَ يُقابلُ بِاستِهجانٍ واستِنكارٍ ويُلازِمُهُ العارُ، وهُنا لَابُدَّ من الإشارةِ إلى الدورِ الوطنيِ لِلصَّحَفِيِينَ، والمُثَقفِينَ، والكِتابِ، والفَنانِينَ، والنِقابَاتِ المِهنيةِ، الذينَ يُقَاطِعُونَ الاحتلالَ من كلِ مكانٍ.
في الواقِعِ ، لا يَنجو المَجالُ الثقافيُّ والفَنيُّ من العَبَثِ الغيرِ أخْلاقيٌّ ، عندما يتدَخَلُ المَالُ والتنافُسُ والسَّعيُ نحوَ الشُهرَةِ بِشَتَّى الوَسائِلِ ، ما يَجعَلُها هدَفًا لِلفسَادِ ، خاصَّةً إذا كَانَت هذه المُؤَسَّساتُ تابِعةً لِلدُّوَلِ المَطبَعَةِ ، في مُحاولَةٍ لِإظهارِها في موقِعِ الرابِحِ من تِلكَ العلاقاتِ ، بَاتَ اليوم الحَذَرُ ضَرُورِيًّا من هذه الخُطوَةِ وَهذه المَظاهِرُ ، إذن جوهَرُ "التطبيعِ الثقافيِ" هو إعادةُ تَشكيلِ مَنظومَةِ القيَمِ والمفاهِيمِ العربيةِ " إِسرَائِيلِيًّا " ، وهُو ما يتطلبُ ضربَ فِكرةِ الوطنيةِ من جِهةٍ ، وفِكرَةُ العُروبَةِ من جِهةٍ أُخرَى .
فَالمُثقفُ مَسؤولٌ ، لا يَستَطيعُ الِادِعاءَ بِأَنهُ لا يَعرِفُ ، وَمَهمَا كانت ذرائِعُهُ فهُوَ لا يُجهَلُ ، وَمَهمَا كانَ المَوقِفُ الذي سَيتخِذُهُ فهُوَ أَمرٌ يتعلقُ بِالضَمِيرِ ، دائمًا لا عُذرَ لِلمُثقفِ أو الفنانِ ، إنهُ الباحِثُ عن الحَقيقَةِ والمَدافِعُ عنها ، لَولاها لما كان لهُ وُجودٌ في العالمِ ، لِذلِكَ الهَدَفُ من مُقاطعةِ الأنشطةِ الثقافيةِ أو هذه المَظاهِرِ التي تَسعَى لأقناعِ الشُّعوبِ بِـ"التطبيعِ" كما فعلَ " محمد رمضان " أو " حمد المزروعيِ " ، هوَ عدمُ المُشاركةِ في إنهاءِ قضيةٍ عادلةٍ ، ولا تَبيِيضَ سِيَاسَاتِ الاحتلالِ بِمظاهِرَ ثَقافيةٍ .
لَا يُخْفي أَنَّ الحُكّامَ فِي أَغْلَبِ الوَطَنِ العَرَبيِّ لَا يُمَثِّلُونَ شُعوبَهُمْ ، وَنَحْنُ نُعَوِّلُ عَلَى أَلّا يُصْبِحَ مُوَاطِنُو الخَلِيجِ أَوْ مُثَقَّفُو الدّوَلِ العَرَبيَّةِ فِي عُزْلَةٍ ، وَلَا طَوْعَ قَراراتٍ سياسيَّةٍ ، جَميعُنا فِي مَرْكَبٍ واحِدٍ ، عاصَرْنا مَعًا المَأْساةَ الفِلَسْطينيَّةَ ، لَا نَجْهَلُها وَنَعْلَمُ بِهَا ، وَإِذَا لَمْ نُعَوِّل على مُثقفِي هذه الأنظِمَةِ ، سَتَضيعُ أُمَّتُنا وقضيَتنا ، ونَخسرُ الكَثيرَ مِما خَسِرْناهُ ، لِذلِكَ نحنُ نَفخَرُ بِعُقولٍ رافِضَةٍ ومُقاطعةٍ لِهذه السِّيَاسَاتِ .
شُكرًا لِجمِيعِ الشعبِ المِصريِ بِكافةِ أطيافِهِ، ولِكُلٍّ عربيٍّ حَرِيصٍ على قضيةِ الشعبِ الفلسطينيِّ، ويَقِفُ بِجَانِبِهِ حتى يَنالَ كافةَ حُقوقِهِ، شُكرًا لِمن يَرفُضُ " التطبيعَ ".