بقلم/ أحمد زقوت:
على مدار العُقود الماضية، وبطريقةٍ صامتةٍ -ودون اعترافٍ مباشرٍ-، تواصل "إسرائيل" مهامها التجسّسية والعملياتية السرية على الأرضِ الإيرانية، من أجل عرقلة البرنامج النووي، ووضع عقبات أمام تطوير البرنامج الصاروخي، لإثبات قُدراتها الفائقة على اختراق الدولة الإيرانية"، والقول لهم وللعالَم بطريقة تمزجُ بين التحذير والمُفاخرة "أننا ننتصرُ في حرب العُقولِ أيضاً".
ومساء الجمعة، أعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، اغتيالُ العالِمِ النووي البارز محسن فخري زادة، بعد وقت وجيز من استهدافه في منطقة آبسرد دماوند في شرق طهران، مُشيرًا أن زادة كان رئيس مركز الأبحاث العلمية في الوزارة، كما أنه يوصف بـ "رأس البرنامج النووي"، هذا الرجُلُ الذي حذّر رئيس الوزراء "الإسرائيلي" بنيامين نتنياهو مُسبقًا منهُ، باعتبارهِ "أب" البرنامج النووي الإيراني، قائلاً عام 2018م "تذكروا هذا الاسم جيدًا"، هذا التصريحُ جاء عندما كشف عن حُصولِ "إسرائيل" على 100 ألف ملف من أرشيف النووي السري في إيران.
ثمة أسئلةٌ تدورُ حول هذه الحادثة، من الجهةِ المُنفذة؟ وكيف آلية الرد؟ وهل سيُؤثرُ اغتيالُ زادة على مساعي إيران للحُصُولِ على قُدُراتٍ نوويةٍ؟
الجهةُ المنفذةُ لم تعرف لحتى الآن، إلا أن بصمات التنفيذ وشخصية المُستهدفِ، توجهُ بوصلة الاتهام إلى جهاز المُوساد "الإسرائيلي"، الذي يصفي الكثير من العُلماء العرب بكواتم الصوت وحرقا، وبقنابل لاصقة وتفجيرات عن بُعدٍ، وحوادث سيارات غامضة، والذي رصد لتلك العمليات أجهزة ومعدات ومتخصصين وأموالًا، لإدراكه أنُه جُزءٌ من الحرب الدائمة والمفتوحة في استراتيجيتها المُعلنة والمُستترة ضد العرب، للمحافظة على تفُوقها العملي والعسكري لبقاء كيانها، ولعلها هي الوحيدةُ التي أضفت على الاغتيالات الطابع المُؤسسي، فقد استحدثت جهازا خاصا بعمليات الاغتيال، وألحقت به وحدة مختصة بالاغتيالات من جهاز الموساد.
"إسرائيلُ" تعيشُ حالة رُعب حقيقية من تلك العُقولِ التي يعني بقاؤُها زوال كيانها المُحتلِ، ولذلك فإنه يسعى إلى القضاء على هذه العقول والأدمغة التي كانت سبباً في تطوير بُلدانها في المجالات العلمية والفكرية وتطوير قوة الردع، لذلك يحرصُ الاحتلالُ على اغتيالِ العُقول والأدمغة العربية لتوطيد تقدّمه العسكري ومنع الدول العربية والإسلامية من التطوّرُ العسكري.
أما الردُ على هذا الاغتيالِ فالخياراتُ المتاحةُ وأتوقعُ أن يكون عبر مجموعاتٍ مؤيدةٍ له في المنطقة، سواءُ في سُوريا والعراق أو حتى اليمن أو، لاستهداف المصالح "الإسرائيلية" أو الأمريكية القريبة من هذه المناطق، وسنشهدُ في الأيام القليلة المُقبلة هجمات ضد سُفُنٍ ذات أصُولٍ غير واضحةٍ، وعُنفًا على نطاقٍ محدودٍ في مناطقَ مُعينةٍ، وستُعدٌ إيران مسؤُولة عن ذلك، ورُبما تقعُ أيضا هجماتٌ سيبرانيةٌ، وسوف يتمثلُ جزءٌ مهمٌ من الاستراتيجيةِ الإيرانيةِ في الحرص على أن تكون تصرُفاتُها على مستُوى مُنخفض بدرجة كافية لتجنُب أي تصعيدٍ نحو نُشوب حربٍ واسعة النطاق، فالعالمُ سوف يحتاجُ إلى أن يكون على درجةٍ عاليةٍ من اليقظة لفترةٍ ما.
وحول وقف مساعي إيران للحُصُولِ على قُدُراتٍ نوويةٍ، إن عمليات تصفية عُلماء الذرة الإيرانيين ليست مُجدية ولا تُفيدُ في وقف المشروع الإيراني، لأن مثل هذا المشروع ليس فرديٌ، بل يعملُ بمُشاركة آلاف العُلماء ولا يُمكنُ تصفية العلماء الإيرانيين بصُورةٍ انتقائيةٍ لوقف المشروع أو تعطيل سيره، وهذه العمليات توفرُ لإيران سلاحا في دعايتها ضد مُنفذي هذه العمليات باعتبارها اعتداءً وجرائم ضد مُواطنين إيرانيين، ولا يمكن لهذه العمليات أن تكون فعالةً أو ناجعةً في وقف هذا المشروع.
فالعالمُ الإيرانيُ فخري زادة ليس الأولَ في قائمة العُلماء الإيرانيين الذين اغتيلوا في السنوات الأخيرة، فقد اغتيل أربعةٌ من العُلماء النوويين الإيرانيين وهم مسعود محمدي، مجيد شهرياري، داريوش رضائي نجاد، ومصطفى أحمدي روشن، في طهران خلال عامي 2010م-2012م، باستخدام القنابل المغناطيسية في اغتيال ثلاثةٍ منهُم، وأطلقَ الرصاصَ على أحدهم أمامَ منزلهِ.
إذن نحن أمام فترةٍ مُتوترةٍ، ولكل فعلٍ ردُ فعلٍ، وسيشهدُ الشرقُ الأوسطُ مزيدًا من التوتُرِ جراء هذا الاغتيال، الأيامَ قادمةً تحملُ في جُعبتها الكثير من الخفايا والأحداث، خاصة بعد بتوعدِ حسين دهقاني، المُستشارُ العسكريُ لخامنئي، بـ "استهداف" قتلة زادة، قائلا "سنضربُ مثل البرق قتلة هذا الشهيد، وسنجعلهُم يندمُون على فعلتهم".