شمس نيوز/ خاص
لا تتوقف الحُروب الاستخباراتية بين الأجهزة الأمنية التابعة للمقاومة في قطاع غزة وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية، فعلى الرغم من الهدوء الظاهري في أرض الميدان، إلا أن ناراً تشتغلُ تحتَ الرماد، شعارها مَنْ يخترق مَنْ على صعيد المعلومات والتعقب والمتابعة، وسلاح تلك المعركة الأول والأخير هو "الدماغ" في حرب تسمى "حرب الأدمغة".
وتواصل الأجهزة الأمنية والاستخبارية الإسرائيلية عملها ضدَ المقاومة الفلسطينية، وفي الوقت الذي تُتابع فيه مخابرات العدو تجنيد عملاء جدد مُستغلّةً الأوضاع الاقتصادية الصعبة في القطاع، تُعزّز الأجهزة الأمنية للمقاومة جهودها على المستويين الأمني والتقني، وفقاً لحديث مصادر في المقاومة لصحيفة «الأخبار» اللبنانية.
حربٌ من نوعٍ آخر
وكشفت المصادر الأمنية للصحيفة اللبنانية أن أجهزة أمن المقاومة التي لا تتوقف لحظةً عن المتابعة والتعقب أحبطت قبل مدّة محاولة إسرائيلية جديدة لتعطيل جزء من شبكة اتصالاتها في غزة، وقد تمكّنت من اعتقال شخصين على علاقة بتلك الحادثة.
الكاتب والباحث بالشأن العسكري والأمني رامي أبو زبيدة يشير إلى انَّ حرب الأدمغة بين الأجهزة الأمنية التابعة للمقاومة في قطاع غزة وأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية لا تتوقف مطلقاً، مع إشارته إلى أنَّ المقاومة سددتْ خلال السنوات الماضية ضرباتٍ مهمة في مرمى العدو الإسرائيلي.
ويذكر أبو زبيدة في حديثٍ مع "شمس نيوز" أنَّ الهدوء الظاهري للميدان يخفي حرباً حقيقة من الناحية الأمنية تدور رحاها بين المقاومة وإسرائيل، مشيراً إلى أنَّ تلك الحروب الأمنية لا تنتهي إلا بزوال أحد الأطراف، بمعنى أنَّ تلك الحروب ستطول وستشهد إنجازات وإخفاقات لكلا الطرفين.
شبكة الاتصالات
ولا تتوقف محاولات أجهزة الأمن الإسرائيلية من اختراق شبكات الاتصالات التابعة للمقاومة، كونها -وفقاً لأبو زبيدة- عنصر ارتكازٍ مهم في عمل المقاومة، قائلاً: "محاولة العدو استهداف اتصالات المقاومة لم تكن الأولى، كون تلك الشبكات محور أساسي في عمل المقاومة، ومن البديهي أن تستهدف، كون السيطرة على تلك الشبكة تفقد قيادة المقاومة عامل السيطرة بالتحكم في الميدان، ويفقدها القدرة على التنسيق، وهو ما تتنبه له المقاومة جيداً، وتحاول أن تسبق الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الماكرة خطوة إلى الأمام، للمحافظة على مقدراتها".
وذكر أنَّ محاولات الاحتلال لاختراق شبكات الاتصالات التابعة للمقاومة لم تتوقف منذ العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2014، والتي يهدف الاحتلال من وراء الاحتلال كشف خطط وأسلوب واستراتيجيات وتكتيكات وامكانيات وتموضع عناصر ووحدات المقاومة، مشيراً إلى انَّ فشل الأجهزة الأمنية باختراقها شكل هاجساً لها على المستوى الأمني والعسكري الإسرائيلي.
وتُبيّن المصادر نفسها أنه مع تطوّر القدرات التقنية والأمنية لدى أجهزة أمن المقاومة، بات العمل الأمني للاحتلال أكثر صعوبة داخل القطاع، لكن الوحدات التقنية كشفت تطويراً إسرائيلياً جديداً في وسائل التواصل؛ إذ لجأ العدو إلى أساليب مبتكرة للتواصل مع عملائه عبر تطبيقات مزيّفة تحمل واجهات تُشبه تطبيقات شهيرة مثل «يوتيوب» تُنصَّب على الهواتف الحديثة وتوفّر خاصية اتّصال مشفّر بين ضباط المخابرات وعملاء الاحتلال.
ويشير زبيدة في السياق، إلى أنَّ محاولات العدو لاختراق شبكات الاتصالات التي أعلنت عنها المقاومة، سواء المتعلقة بحد السيف، ومحاولة اختراق قبلها في الزوايدة دليل على حرب الأدمغة الدائرة، موضحاً أنَّ المقاومة باتت تمتلك من القدرات والامكانيات والخبرات ما يؤهلها لمواجهة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، ويجعلها تحرز مزيداً من الضربات في جبهة العدو.
تسديد ضربات موجعة
وأشار إلى أن أجهزة المقاومة العسكرية والأمنية ومعها الأجهزة الحكومية الأمنية خلقتْ بيئة صلبة وآمنة للعمل المقاوم، وأنها استطاعت أن تحد من قدرة أجهزة الأمن الإسرائيلية على مواجهة اختراق فصائل المقاومة، بل وباتت ترد الصاع صاعين للاحتلال على المستوى الأمني، مستشهداً بكشف تفاصيل حادثتي خانيونس وقبلها الزوايدة، المتعلقة بمحاولة الاحتلال اختراق اتصالات المقاومة.
ويعود آخر كشف للمقاومة عن عملية أمنية إلى مطلع آب/ أغسطس الماضي، حين تمكّن الجهاز الأمني لـ«سرايا القدس»، الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي»، من تنفيذ عملية معقّدة تَمثّلت في أكبر وأطول اختراق لأجهزة أمن الاحتلال على مدار أربع سنوات متتالية، تَمكّنت خلالها من توثيق مراحل اتصال ضّباط إسرائيليين ومجنّدين فلسطينيين مزدوجين، وقد حَقّق ذلك فائدة كبيرة في تحديد الثغرات في تجنيد العملاء. وقبلها بشهر، أعلنت وزارة الداخلية «اعتقال خلية تخريبية مُوجّهة من الاحتلال خلال قيامها بعمل ضدّ المقاومة»، فيما نقلت مصادر آنذاك كشف الأجهزة الأمنية «مخطّطاً خطيراً لمخابرات الاحتلال تحت غطاء خلايا تتبع لداعش يهدف إلى توجيه ضربات أمنية خطيرة إلى المنظومتين الحكومية والعسكرية في غزة».
البحث عن صيدٍ ثمين
وتتحسّب المقاومة لنية العدو تنفيذ أعمال أمنية في غزة تهدف إلى الإضرار بقدرات المقاومة وقادتها ومهندسيها، كتلك التي حدثت في 2019 وجرى خلالها كشف قوة عسكرية دخلت متخفّية ومهاجمتها. تأتي هذه الاستعدادات والتنبيهات بعد ورود إشارات أمنية إلى إمكانية تنفيذ عمل أمني جرّاء عجز التحرّكات العسكرية المحدودة، وذلك كي يحقّق المستوى السياسي صورة الانتصار من دون أن يجلب ردّاً واسعاً من المقاومة. هذه التقديرات تَعزّزت بعد تمكّن أجهزة أمن المقاومة من كشف وإحباط محاولات لزرع أجهزة تجسّس على عدد من قادة المقاومة، إضافة إلى شخصيات عاملة في تطوير قدراتها العسكرية والفنية، وهي محاولات استغلّت أجهزة العدو الانشغال بمتابعة الحالة الوبائية بفعل فيروس كورونا المستجدّ لتنفيذها.
وتوقع أبو زبيدة أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية قد تقدم على عمل أمني ضد عناصر بارزة من المقاومة الفلسطينية، حال توفرت القدرة والإمكانية لتلك الأجهزة، غير أنه أشار أنَّ ذلك السيناريو أو الهدف سيجعل إسرائيل تحسب ألف حساب، لاسيما بعد عملية فشلها في عملية "حد السيف" التي كشفت خلالها المقاومة عن المخطط الإسرائيلي الخبيث، والذي شكل ضربة متقدمة للأمن الإسرائيلي.
ومع الحرص الذي تبديه المقاومة في عملها ويقظتها وجهوزيتها الدائمة ووعيها العميق واستشرافها العميق لنوايا الاحتلال الخبيثة تجاه غزة، إلا أنه أبو زبيدة دعا المقاومة لأن تكون على أهبة الاستعداد لأي طارئ أمني قد يحصل، لاسيما أن العدو الإسرائيلي يحاول دائماً خلط الأوراق وتسجيل نقاط لصالحه في الميدان، ما يعزز ذلك السيناريو محاولة الاحتلال تحقيق أي إنجاز أمني في الوقت الراهن بعد الضربات الأمنية التي تلقاها على أيدي أجهزة أمن المقاومة.