يترقبُ كثيرون في المنطقة العربية وفي أنحاءٍ عديدة من العالم، الطريقة التي قد ترد بها الجمهورية الإيرانية على اغتيال عالمها النووي محسن فخري زاده، الذي اعتبرته "إسرائيل"، وهيئات استخباراتية أمريكية، أباً للمشروع النووي الإيراني.
واتهم الرئيس الإيراني حسن روحاني الموساد الإسرائيلي باغتيال زادة، في حين دعا المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران، علي خامنئي، إلى "عقاب محتوم" للآمرين والمنفذين لعملية الاغتيال، كما ووجه وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، في تغريدة له عبر تويتر، أصابع الاتهام إلى إسرائيل، متحدثا عن "مؤشرات جدية" لدور لها في الاغتيال.
مدير مركز التحليل الاستراتيجي والسياسي في روسيا دينيس كوركودينوف يرى أن طهران سترد على اغتيال عالمها النووي الإيراني بطريقة أو بأخرى، مشيراً إلى أنَّ هناك خلاف في طهران بين من يطالب برد فوري ومن يصرُ على الانتقام لدماء الشهيد زادة على الطريقة "الفارسية"، التي تتميز بالدهاء والحكمة والصبر وتتحين الظروف المناسبة للرد، وهو ما يشبهه مراقبون بـ(صناع السجاد) وهي شخصية إيرانية موروثة نموذجية تحاكي كل النمط الثقافي الإيراني في المستويات كافة، ثقافية واقتصادية وسياسية وعسكرية، وصانع السجاد يتقن مزج الألوان، وحبك القطبة المخفيّة، ودقة اتباع الخطوط والمنحنيّات، ويحيك أكثر من سجادة معاً، ويملك حسّ السيطرة على الزمن فالصبر عنده أسلوب حياة.
وتوقع كوركودينوف في حديثٍ مع "شمس نيوز" أنْ يستمع المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي إلى أنصار المعسكر الثاني، وهي الرد بطريقة ذكية وحكيمة، دون الانجرار إلى مربعٍ تريده "اسرائيل".
وذكر أن طهران تعرف جيداً خطورة القيام بمغامرة عسكرية غير مستعدة لها ضد "إسرائيل"، لاسيما في ظل عدم قدرة طهران على التنبؤ بردة الفعل الأمريكية الجديدة برئاسة جو بايدن، مرجحاً أن ترد طهران بطريقة لا تتوقعها تل أبيب على صعيد التوقيت والمكان والحيثيات.
وقال: "على الرغم من أن القيادة الإيرانية مقتنعة تمامًا بتورط الأجهزة الإسرائيلية الخاصة في مقتل محسن فخري زادة، إلا أن هناك خلاف في طهران بشأن تحديد الوقت والمكان وطريقة الضربة الانتقامية"، لاسيما أن ما يعرقل الرد بشكل واضح وسريع هو عدم معرفة القيادة الإيرانية للنوايا الأمريكية، فيما يتعلق بتجديد الاتفاق النووي"، مضيفاً: "إن طهران ليست مستعدة لاستفزاز البيت الأبيض في ظل عدم معرفتها بنوايا الإدارة الأمريكية الجديدة تجاه الاتفاق النووي الإيراني".
وذكر الخبير الروسي أن هناك سيناريوهات عديدة للرد وهي: تمثل السيناريو الأول شن هجوم صاروخي فوري على أهداف استراتيجية تقع في إسرائيل، ويعتقد المدافعون عن وجهة النظر هذه أن أي تأخير يمكن أن يخلق شعوراً بالإفلات من العقاب في القيادة الإسرائيلية، مما سيؤدي إلى جرائم جديدة ضد طهران، علاوة على ذلك، يمكن لرد الفعل المتأخر أن يخلق الأساس لتدخل حلفاء إسرائيل - المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة- اللتين يخططان بدرجة عالية من الاحتمال لمهاجمة أهداف إيرانية، خاصة في سوريا والعراق ولبنان".
وأضاف: في سياق الحديث عن السيناريو الأول يعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني من أنصار سياسة ضبط النفس، وهذا الموقف هو السائد حاليًا في المؤسسة الإيرانية، التي لا يرفض ممثلوها الانتقام، لكنهم يصرون على انتظار اللحظة المناسبة التي ستكون فيها إسرائيل وحلفاؤها أكثر عرضة للخطر".
وأشار كوردينوف إلى أنه بالتماشي مع سياسة ضبط النفس فإن تل أبيب والرياض وإدارة دونالد ترامب مصممة الآن على صد أي هجوم إيراني، وبالتالي إثارة صراع إقليمي كبير، بمعنى أن الرد الفوري كان سيستدرج طهران إلى فخٍ يريد أعدائها ايقاعها فيه، قائلاً: لتجنب ذلك حث حسن روحاني أنصاره على التفرغ للانتقام عندما لا يتوقع أحد الضربة، وأشار في هذا الصدد إلى أن "الحرب والمواجهة العسكرية المباشرة ستكون الخيار الأخير الذي يمكن للجمهورية الإسلامية أن تلجأ إليه خلال الأشهر المقبلة، ولكن بعد معرفة نوايا الإدارة الأمريكية الجديدة".
وأشار كورودينوف في السيناريو الثاني أنَّ رد طهران يمكن أن يكون على يد حزب الله اللبناني، أو من خلال تفعيل جبهة المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، مشيراً إلى أنَّ التسرع في اتخاذ القرار لن يساهم في انتصار إيران.
وقال: "إن استخدام طهران لحلفائها في الرد على اغتيال زادة يحتاج لتطوير خطة عملية عسكرية بعناية، وتحديد استراتيجية متقدمة، لأن النصر السريع في لبنان أو قطاع غزة قد يؤدي إلى هزيمة سريعة لطهران في العراق واليمن، بسبب النفوذ الإسرائيلي والسعودي والأمريكي في تلك المناطق الرخوة بالنسبة لإيران، وهو ما سيعرض تلك الجبهات إلى خسائر فادحة وهزيمة محققة".
في السياق، قال هناك حاليًا عدداً من الظروف الداخلية في إيران تمنع رد فعل فوري ضد إسرائيل وحلفائها، يتمثل بنشاط كبير لميلشيات مجاهدي خلق، الذين يمكن لأتباعه العمل لصالح تل أبيب".
وأوضح أنَّ طهران قادرة على توجيه ضربة ساحقة للإرهابيين واتهامهم بالخيانة العظمى والحكم عليهم بالإعدام، لكن إلى جانب "منظمة مجاهدي الشعب الإيراني" هناك مجموعات معارضة داخلية أخرى تشكل مشكلة للنظام في إيران، إذ أنَّ هناك عرب الأهواز وأتراك تبريز الذين قد يعرقلوا تحرك إيران ضد إسرائيل ويضعفوا الجبهة الداخلية، مشدداً على انَّ طهران بحاجة إلى الرد ليس فقط على خصومها الإقليميين، ولكن أيضًا على الأعداء الداخليين الذين يمكن أن تستخدمهم إسرائيل لأغراض إجرامية.