غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

انتفاضة الحجارة نقطة تحول تاريخي ونموذج للمقاومة الشعبية ضد الاحتلال

الكاتب أحمد زقوت.jpg

قلم/ أحمد زقوت

رائحة الانتفاضة الأولى للشعب الفلسطيني عام 1987م أو ما تعرف بـ "انتفاضة الحجارة" ضد الاحتلال "الإسرائيلي"، ما زالت تفوح في كل مكان، وتدور في كل بيت، وعائلة، وقلم، ومنبر، وجدار، وشارع، وحارة، وحي، ومدينة، ومخيم، وقرية في الضفة، وغزة، والقدس المحتلة، وأراضي عام 1948م، كما تقول الأغنية الثورية: "طالعلك يا عدوي طالع من كل بيت وحارة وشارع".

ست سنوات لم يبرد لهيب الانتفاضة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي استمرت بروح الثورة والمقاومة، انتفض الشعب الفلسطيني وخياره الوحيد أن يكون حرًا رافضًا لظلم الاحتلال، متمسك بمقولة "من يعيش في خوف لن يكون حراً أبداً"، هذا هو عنوان ومطلب الشعب الفلسطيني في مواجهة المحتل، أن يرحل الغاصب عن أرضه، وأن يكون حُرًا.

ثلاثة وثلاثون عامًا، تمر أطول انتفاضة شعبية فلسطينية، والشرارة التي تسببت باندلاعها، بدأت مع دهس سائق شاحنة "إسرائيلي" مجموعة من العمّال الفلسطينيين، ما أدى لاستشهاد أربعة منهم، على حاجز بيت حانون "إيرز"، شمالي قطاع غزة، في 8 ديسمبر 1987م، وأطلق عليها اسم انتفاضة "الحجارة" كون الحجارة كانت الأداة الرئيسية فيها، واعتبارها شكلًا من أشكال الاحتجاج العفوي الشعبي الفلسطيني على ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وثم انتقلت إلى كل المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.

هذه الانتفاضة كانت نقطة تحول مهمة في تاريخ القضية الفلسطينية، وشكلت مرحلة فارقة في تاريخ الصراع مع الاحتلال، ذلك أنها جاءت بوعي الجماهير وضرورة مقاومته، واستخدام أساليب لم تكن في حسبان الاحتلال ولم يتعوّد عليها، وتغيرت صورة الفلسطيني الضعيف، إلى القوي الذي يتحداهم ولا يطيع أوامرهم العسكرية ويرفض كل قرارات الاحتلال، وكسر حاجز الرعب والخوف في مجابهته.

لذلك ظهر الإبداع الفلسطيني في مقاومته والذي كان واضح في الانتفاضة، ولا يختلف اثنان على التغييرات الكبيرة في تطور أداء وأدوات المقاومة الشعبية التي استخدامها الثائرون في مواجهة الاحتلال، وفي كل مرحلة يتفاجأ الاحتلال من قوة تأثير هذه الأدوات عليه، بدءًا من إلقاء الحجارة والزجاجات الفارغة وقنابل المولوتوف على جنود الاحتلال، إلى مرحلة السكاكين وتنفيذ عمليات طعن، ثم انتقالها إلى المقاومة المسلحة بجميع أشكالها بعد انتفاضة "الحجارة"، وحتى اللحظة، وفي كل مرحلة يتم التصدي لعمليات اقتحام المدن والقرى الفلسطينية سواء في الضفة أو قطاع غزة.

ولم يكن الرشق بالحجارة أو أي أسلوب آخر سهلًا أو متعة، بل هو تحدي للاحتلال، على الرغم من ممارساته وإجراءاته، المتمثلة بسياسة تكسير العظام وإطلاق الرصاص الحي والمطاطي والغاز المسيل للدموع على المتظاهرين، واقتحام المباني والتنكيل بالأهالي، واعتقال آلاف الشبان، إلا أن الانتفاضة فضحت "الإرهاب الإسرائيلي" ضد الفلسطينيين، وكشفت الوجه القبيح والحقيقي له، وكسر أكذوبة "الجيش الذي لا يقهر" لخشيتهم من التعرض لهجوم من الثائرين، وسلطت الأضواء على المطالب الفلسطينية الداعية إلى إنهاء الاحتلال.

ست سنوات من الانتفاضة التي صنعت تاريخًا جديدًا من مراحل النضال الفلسطيني، وبرز معها أسماء العديد من الشهداء الأبطال، بل شكلت نموذجًا للرجولة والصمود، ومثلًا يمكن يحتذي به ويتكرر، وذلك بما تركته في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني، وشهدنا ذلك النموذج في انتفاضة الأقصى عام 2000م لكن بأساليب مسلحة جديدة وبدائية.

ست سنوات من الزخم والعطاء من أبناء الانتفاضة، وأيضًا من عجز الاحتلال على وقف الروح الثورية والبطولية لديهم، وفشلهم الكبير في قمعها وإخمادها، والذي تم خلالها تحقيق نوًعا من ردع الاحتلال، وتعرية صورته أمام الرأي العام العربي والعالمي، سنوات من الرعب والخوف في نفوس المستوطنين من العمليات المختلفة ضدهم في الأراضي المحتلة، والذي لأول مرة تظهر لديهم استعداد مغادرة الأرضي الفلسطينية والهجرة إلى دول أخرى للحافظ على أرواحهم وأنفسهم.

زادت انتفاضة "الحجارة" وحدة الشعب الفلسطيني سياسيًا وعسكريًا وشعبيًا، وأظهرت تمسك البقعة الجغرافية والتي امتدت إلى جميع الوطن، عبر عن الشعور الوطني والوحدوي والشعبي والفصائلي ليكون خيارهم ضد الاحتلال في كل أماكن تواجدهم، أظهر أن لكل احتلال كلفة وثمن يدفعه وأن الدم الفلسطيني ممنوع الاقتراب منه وغير مستباح لأنه يوجد من يدافع عنه وهم عنوان في المواجهة والصمود.

لم تتحقق رؤية "إسحاق رابين" رئيس وزراء الاحتلال، قبل سنوات طويلة الذي قال " أتمنى أن أصحو يومًا من النوم وأجد غزة قد ابتلعها البحر"، وأيضًا "إن الكوابيس تطبق عليَّ كل ليلة بسبب غزة"، لكن رابين هلك وبقيت غزة تعاند أعداءها بقوة حقها وجبروت صمودها وبطولتها.

جذوة الثائر الفلسطيني لا تنطفئ، وما زال يقبض على الجمر حتى يومنا هذا، لذلك لا بد من أن نستخلص من الانتفاضة دروس مهمة، وأولها استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام، ويجب إعادة الروح الثائرة في جميع أنحاء الوطن من أجل مقارعة الاحتلال، واستعادة مسيرة شعبنا نحو الحرية والاستقلال لتحقيق سيادته الكاملة على أرضه.

 

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".