يعيش المواطن المقدسي معاذ صبيح “مضطراً” في بلدة كفر عقب بما يوائم دخله المادي، إذ أن السكن في القدس المحتلة أصبح حلماً لمن استطاع إليه سبيلا، فقد بلغت أسعار الإيجارات تتعدى الـ 1500 دولار أمريكي (5100 شاقل) شهرياً عدا عن الالتزامات المادية الأخرى المترتبة على المقدسيين كضريبة الأرنونا.
ويقول صبيح إن العيش في كفر عقب كبديل أرخص للسكن يحفظ هويته المقدسية وعائلته لأن الاحتلال يسمح للمقدسيين السكن بكفر عقب مع الحفاظ على “الهوية المقدسية” كونها تابعة لبلدية الاحتلال بالقدس.
ورغم أن المقدسيين في كفر عقب يلتزمون بدفع ضرائب الأرنونا والتأمين الوطني وغيرها، تتنصل بلدية الاحتلال من تقديم الخدمات المطلوبة منها تجاههم، إذ أن البنى التحتية المتهالكة وغياب الأمن والأمان وتنظيم المرور والتعديات على الشوارع العامة وعدم وجود أماكن ترفيهية أو حتى التنظيم السكاني في المنطقة التي أصبحت أقرب لعشوائيات في البلدة، يفاقم معاناة المقدسيين الذين اضطروا لترك المدينة المقدسة وفقاً لما يقوله صبيح لـ“القسطل”.
ويضيف صبيح أنه لم يستطع أن يبني بيتاً قرب أهله بالقدس لأن سلطات الاحتلال لا تمنح تراخيص للبناء وتهدم المباني غير المرخصة وأسعار الإجارات مرتفعة جداً، وبالتالي لم يجد بديلاً سوى الانتقال للعيش في كفر عقب، مشيراً إلى أن الكثافة السكانية العالية تزيد من العبء على أحمال الكهرباء وحصص المياه وحتى على شبكة الصرف الصحي.
يبلغ عدد سكان بلدة كفر عقب وفق الإحصائيات الرسمية حوالي 49250 ألف نسمة لكن التعداد السكاني الفعلي يفوق ذلك بكثير وفقاً لـ عماد عوض رئيس بلدية كفر عقب التابعة لوزارة الحكم المحلي الفلسطينية، مع العلم أن ما تبقى من مساحتها حوالي 3000 دونماً بعد اقتطاع الاحتلال حوالي 2000 دونم أخرى تجثم عليها مستوطنة كوخاف يعقوب.
كفر عقب بلدة فيها من التناقضات ما يكفيها أن تكون حلاً وسطاً لحاملي الهويات الزرقاء”القدس” والمتزوجين من حاملي الهويات الخضراء “التابعة للسلطة الفلسطينية” أو العكس، ومن يعيش فيها يحافظ على هويته المقدسية ـ حتى الآن ـ كما قربها من مدينتي القدس ورام الله في آن واحد يعطيها سبباً آخر للسكن فيها.
إن تصنيف كفر عقب ضمن المناطق المصنفة “ج” يجعلها خارج نطاق السيادة الفلسطينية الفعلية، إذ أن حدود صلاحيات بلدية كفر عقب تتلخص في عقد شراكات تطوير مع مقدمي الخدمات للبلدة فقط.
في المقابل هناك تنصل إسرائيلي من استحقاقات سكانها المقدسيين. الكهرباء في البلدة تابعة لشركة كهرباء القدس، والمياه تابعة لسلطة مياه رام الله والبيرة والقدس، أما شبكة الصرف الصحي فقد أُسست على حساب سكانها بحسب عوض، الذي أشار إلى أنه تم تطوير شبكة الصرف الصحي فيما بعد من بعض المانحين، و أن غالبية مشاريع الممولين لتطوير البنية التحتية مشروطة بموافقة وتفوض بلدية الاحتلال وهذا غير مقبول لأن بلدية الاحتلال المقصرة لا يحق لها أن تقبل أو ترفض أي مشروع من شأنه تحسين وضع البلدة.
ويؤكد عوض لـ“القسطل” أن المقدسي مغلوب على أمره ومجبور للعيش بكفر عقب رغم معرفته أنها قد تكون خطوة احتلالية لتفريغ المقدسيين من القدس وسحب هوياتهم.
وفي هذا السياق يوضح فضل طهبوب عضو المجلس الوطني لمنظمة التحرير الفلسطينية لـ“القسطل” أن الاحتلال الاسرائيلي يسعى لرفع نسبة الوجود اليهودي في شرق القدس، وقد وصل عدد اليهود هناك حوالي 300 ألف، وهذا يترافق مع تفريغ الفلسطينيين من القدس حتى لا تتعدى نسبتهم 12 ـ15 ٪ عبر تقديم تسهيلات للسكن في منطقة كفر عقب والتغاضي عن أي تجاوزات فيها، وفي ذات الوقت يهدم منازل المقدسيين ويعيق حصولهم على تراخيص بناء عبر مماطلة زمنية تصل لحوالي 3 سنوات أو رسوم تراخيص قد تصل لمليون شاقل، وهو ما يجبر المقدسيين للبحث عن مكان آخر للسكن بتكلفة أقل بكثير ككفر عقب.
ويشير طهبوب إلى أن كفر عقب تختلف عن بلدات العيساوية وبيت صفافا التي تقع داخل جدار الفصل العنصري والحاجز الأمني الذي يفصلنا عن القدس، وبالتالي فإن خطورة فقدان الهوية المقدسية بأي لحظة وارد ضمن سياسات الاحتلال.
ويضيف طهبوب أن الاحتلال يتّبع سياسة تقديم بعض الخدمات للمقدسيين بكفر عقب كإنشاء بعض المدارس والمراكز الصحية، وفي ذات الوقت يتنصل من خدمات أخرى كالبنية التحتية وعمال النظافة وأماكن ترفيهية، وفي النهاية الهدف هو تهجير قسري لهم.
ويحذر طهبوب من الخطوة الأخطر المتمثلة بسعي الاحتلال لفصل كفر عقب عن القدس ليس عبر حاجز أمني فقط وإنما من خلال إنشاء مستوطنة في منطقة مطار قلنديا لوضع حاجزا ديموغرافياً يفصل القدس عن كفر عقب ورام الله.