بقلم/ د. أحمد المدلل
لا يزال فيروس covid 19 هو الشغل الشاغل والهمّ الكبير الذى يغطى فضاء الكون بغمامته السوداء الطى تحوم بين ارواح البشر ومعها ملك الموت الذى لا يستثنى أحداً كبيراً أو صغيراً، غنياً او فقيراً، طبيباً أو مريضاً، عالماً او جاهلاً، قوياً أو ضعيفاً، ذكراً أو انثى، لقد أمسى خيالاً مزعجاً، أربك أحلام الخبراء والأطباء والمتخصصين، حاولت أن أفتش عن طرف بحث يعطى دليلاً قاطعاً عن مساره وميكانيزماته وطفراته وتحوراته وبشكل دقيق إلا أنني لم أجد، لا تزال الابحاث يوميًا تنتج شيئاً جديدا.
حتى الأعراض التي يسببها قد تختلف في كثير من الأحيان من شخص لآخر في مناطق الاصابة من الجسم غير الجهاز التنفسي مثل القلب أو الجهاز الهضمي أو الهيكل العظمى وإمّا في حدتها وقد فُسّر ذلك ضمن سببين إما التعرض لجرعة كبيرة من الفيروس أو ضعف المناعة لدى المصاب وللتأكد من السبب هذا يحتاج إلى فحوصات فيروس وفحوصات مناعة تعتمد على الكميّة ، وقد ظهر الارباك واضحاً أيضاً عندما قدمت وزارة الصحة في السودان في شهر مارس الماضي تقريرا حول ضرر استخدام أجهزة التنفس على المرضى المصابين بفيروس كورونا الذين وصلوا إلى ال Advanced Stage وزيادة نسبة الخطورة عليهم وثارت حفيظة منظمة الصحة العالمية حينها رافضة للتقرير مما دفع وزارة الصحة السودانية حينها الى نفى التقرير وإخفاءه لأن هذا سيوقع ضرراً على الشركات التي ربحت عشرات المليارات من وراء صناعته وبعد ذلك بأسابيع خرجت تقارير من مستشفيات أمريكية وبريطانية تؤكد الضرر الذى تُحدِثه أجهزة التنفس على مريض كورونا ووفقا لصحيفة "ديلي ميل" البريطانية، فإن ثلثي المصابين بالفيروس الذين وضعوا على أجهزة التنفس الاصطناعي في بريطانيا، انتهى بهم الأمر إلى الوفاة. وكذلك ما أوردته وكالة اسوشيتدبرس عن مستشفيات في مدينة نيويورك عن وفاة 80 بالمئة من المصابين الذين وضعوا على جهاز التنفس الاصطناعي مما حدا بالعالم كله في هذه المرحلة باستبعاد أجهزة التنفس الVentilator واستخدام التنفس الاكسجيني الخارجي .
وفى بداية انتشار الفيروس خرجت أبحاث تقول ان الفيروس ينتقل عن طريق الاسطح الصلبة الملوثة ويبقى تأثيره على هذه الاسطح فترات متفاوتة من الوقت وقد يصل تأثيره إلى أسبوع أو أكثر حسب نوع السطح وبعدها بأشهر خرجت ابحاث تقول بأن الحديث عن انتقال الفيروس عن طريق لمس الاسطح الملوثة مبالغ فيه وهذا ما اكده ايمانويل غولدمان استاذ الاحياء الدقيقة فى كلية الطب بجامعة نيو جيرسى ونقلته مجلة لانسيت العلمية وأشار غولدمان إلى أن الأدلة على العدوى عن طريق الاسطح استندت الى تجارب معملية غير واقعية ، وخرجت ابحاث بأن له تأثير على الاطفال وكبار السن ثم خرجت اخرى بأنه لا يؤثر فى الاطفال الصغار ووجدنا ان الكثير من الشباب الذى أصيبوا بالفيروس ظهرت عليهم الأعراض بشكل مؤذى جدا وبعضهم قد مات بسببه ، وتحدث بعض العلماء عن عدم دقة فحص جهاز الPCR الذى أكده علماء بريطانيون بجامعة اكسفورد من خلال دراسة أثبتوا فيها عيوب فحص ال PCR بالنسبة لكشف مرضى فيروس كورونا المستجد، وخرجوا بمؤتمرات صحفية يؤكدون ذلك مع ان الكثير من العاملين فى المختبرات الطبية يؤكدون دقة عمل الجهاز ونتائجه ، وأكدت معظم الابحاث أنه ينتقل من خلال الالتصاق الاجتماعي والتقارب وفى نفس الوقت قرأنا عن سفن عابرة المحيطات مثل الأمريكية روزفلت والفرنسية شارل ديغول قد أصيب فيها مئات الجنود وهم يمكثون أشهر طويلة فيها لا يدخل عليها أحد ولا يخرج منها أحد ، كيف انتقل اليهم؟ ومما يزيد من دهشتنا أن الأطقم الطبية المصابة قد ازدادت أعدادهم والكثير منهم ماتوا بسبب الفيروس مع أنهم يأخذون كل أسباب الوقاية وبدون أدنى درجة من الاستهتار . لا يمكن ان يُكتشف له علاج لأنه فيروس وليس كائناً حياً مثل البكتيريا وهنا نتحدث عن اجراءات الوقاية وقد أسهبت وزارات الصحة والمتخصصون بالحديث عنها ، ولكن الحديث عن اللقاحات لها شأن آخر فى حين تتسابق شركات الأدوية العالمية الامريكية والفرنسية والروسية والصينية والبريطانية وغيرها وتحاول أن تحظى بسبق الاختراع لان عشرات مليارات الدولارات تجنيها هذه الشركات من أرباح اللقاحات إلا ان تقارير كثيرة تخرج إلينا تشكك في نجاعة هذه اللقاحات وتأثيراتها الجانبية ، وللعلم ان منظمة الصحة العالمية لم تُعط رأيها القاطع فى هذه اللقاحات والتي اصبحت بمتناول الدول جميعها بالرغم من أن منظمة الصحة العالمية لم تصدق على انتاج هذه اللقاحات إلى هذه اللحظة ، وما تحدثنا عنه يؤكد مدى التخبط الذى يعيشه العالم فى مواجهة فيروس كوفيد١٩ الذى يزيد انتشاره بشكل غير متوقع وليس هناك آفاق للقضاء عليه مما يوحى أن أمامنا وقتاً طويلاً للحديث عن أمل الخلاص .
أمّا نحن فى قطاع غزة لسنا بمنأى عما يحدث في هذا العالم من الإرباك والتخبط والتخوف خصوصاً فى ظل حصار ووضع سياسي واقتصادي واجتماعي لم يمر أسوأ منه على شعبنا منذ النكبة عام ١٩٤٨م ، قد يكون الإغلاق جزءاً من الحل مع أننا نلاحظ بعد الإغلاق زيادة في نسبة الأشخاص المصابين الى عدد الذين أجروا فحوصات (مسحات) وهذه أيضاً مُعضلة ، قدراتنا وامكانياتنا محدودة وننتظر العالم المنشغل فى نفسه جرّاء فيروس كورونا أن ينظر إلى غزة لتقديم المساعدة والعدو الصهيوني يعمل على كسر إرادتنا وابتزاز شعبنا ومقاومته من أجل انقاذ القطاع والسماح بإدخال ما يحتاجه من مستلزمات طبية وعلاجية وفحوصات .
وقد استخدمت الوزارات والمؤسسات الرسمية وغير الرسمية كل ما في جعبتها من أدوات واحتياطات وأساليب واجراءات ولم يدخروا جهدا للحد من انتشار هذا الفيروس او (تثبيطه) على حد قول وكيل وزارة الصحة فى غزة الدكتور يوسف ابو الريش والمتوقع تزايد الاصابات بشكل دراماتيكي وكذلك حالات الوفاة وعدم كفاية ما هو موجود فى الايام القادمة ، ما العمل؟ .
إنها المسؤولية الوطنية فى لحظة تاريخية حرجة تمر علينا والتي نتوجه فيها إلى كل من يمتلك ضميراً حياً وإلى كل وطني حرٍّ وشريف بقيت عنده ذرة انتماءٍ لفلسطين ، إنها لحظة الحقيقة والتمايز ، أن يتقدم من أجل الشعب والوطن الجريح من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه وتخفيف المعاناة والآلام وإزالة الضرر الذى قد يصيبنا جميعا وليس هناك أحد بمنأى عن خطر فيروس كورونا ، والأمر بيد الله وحده ، حينها لا ينفع الندم وكلنا موقوفون بين يدى الله للسؤال عن الطفل الذى يبحث والداه له عن قطرة حليب وعن المعيل الذى لا يجد قوت أبناءه وعن المريض الذى يموت لانقطاع سبل العلاج وعن الشاب الذى مات فى الغربة يبحث عن مستقبله الذى ضاع وعن ...وعن.. وعن.. فهل أعددنا الجواب لذلك السؤال ( وقفوهم إنهم مسؤولون) ... أما الدور الأساسي لمواجهة فيروس كورونا هي مسؤولية الشعب نفسه حتى لا يصنَّف قطاع غزة فى الأيام القادمة (منطقة منكوبة صحياً) لم يبق إلا ورقة صغيرة يحملها كل فرد فينا يُكتب عليها بخط واضح شعار (حافظ على نفسك بنفسك من فيروس كورونا) .