شمس نيوز/ خاص
كَثُرَ في الآونة الأخيرة الحديث الإسرائيلي عن جهوزية جيش الاحتلال تجاه الجبهة الجنوبية في غزة، إلى جانب خروج شخصية عسكرية فلسطينية (موقوفة عن العمل) للحديث عن توقيتات محددة للمواجهة العسكرية، فهل فعلاً الظروف في دولة الاحتلال مهيأة للذهاب إلى مواجهة مفتوحة مع غزة؟
ومع كل صوت طائرة استطلاع أو دوي صوت تفريغ هواء فوق غزة يُخيل للبعض فكرة "حرب يوم الأحد"، بالرغم من أن تلك الأصوات لا تفارق مسامع سكان القطاع منذ أعوام.
مختصون فلسطينيون أجمعوا على أنَّ قطاع غزة في الوقتِ الراهن لا يشكل أولوية بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، بسبب الملفات المتراكمة على طاولة صناع القرار في إسرائيل.
وذكر المحللون السياسيون والعسكريون أنَّ "اسرائيل" مشغولة داخلياً بمواجهة فيروس كورونا، والصراع بين غانتس ونتنياهو الذي أفضى لانتخابات رابعة، إلى جانب تحديات خارجية منها تخوفهم من الجبهة الشمالية للمقاومة الممتدة من طهران، إلى بغداد، ودمشق، وصولاً إلى بيروت، والتغيرات السياسية الأمريكية بعد خسارة دونالد ترامب.
ومن يعرف موعد الحرب؟
المختص في الأمن المجتمعي أ. محمد أبو هربيد يرى أنَّ الحرب لا يُحدد توقيتها أو شكلها خيال فرد أو شائعة أطلقها، فإعلام العدو يعمل على مدار الوقت لإثارة هذا النوع من الحروب والعمليات النفسية ليُبقي جبهة غزة قلقة ومستنزفة لتقييد فعلها.
وأشار أبو هربيد أنَّ هذه الإستراتيجية (الإشغال والإرباك) أقل كُلفة وأفضل وسيلة لدى العدو لتجنب خطر الدخول في مواجهة عسكرية في ظل تفشي جائحة كورونا، وتفاقم تداعيات الصراعات الداخلية للإحتلال، بالإضافة للوضع الأمريكي الانتقالي بعد فوز بايدن.
واستبعد أبو هربيد أن تشن قوات الاحتلال على المدى المنظور حرباً على قطاع غزة، إذ قال: "من المستبعد الدخول في مواجهة واسعة مع الاحتلال لعدم وجود أهداف تستحق أن يذهب إليها الطرفان، والانتقال إلى مرحلة جديدة يفرض فيها أحد الجانبين شروطه على الآخر".
الردع عبر التهديد
المختص في الشأن الأمني رامي أبو زبيدة يرى انَّ الكيان الإسرائيلي يحاول الضغط على قطاع غزة للتخلي عن المقاومة وسلاحها بطرقٍ عدة، منها استخدامه استراتيجية الردع عبر التهديد الدائم من اجل منع استقرار المقاومة، وبهدف خلخلة الجبهة الداخلية الفلسطينية عبر استراتيجيات التهديد بالردع وتوجيه ضربات قاسية وشاملة، ومن خلال التلويح المستمر بإحداثِ أضرار فادحة في البيئة المدنية..الخ.
وأوضح زبيدة أنَّ قطاع غزة ومقاومته الموحدة في الميدان باتت تشكل هاجساً أمنياً وعسكرياً واستخباراتيا للكيان الإسرائيلي، مشيراً إلى انَّ الاحتلال الإسرائيلي خَبِرَ المقاومة الفلسطينية جيداً عبر ثلاث حروب، وتطور المقاومة من حربٍ إلى حربٍ، وقدرتها على استخلاص الدروس والعبر المستفادة لتلافي نقاط الضعف وتقوية نقاط القوة.
وذكر زبيدة أن الاحتلال يعي جيداً الفارق في قوة المقاومة منذ عام 2014 وحتى عام 2021، لافتاً إلى أنَّ المقاومة نمت بشكلٍ كبير بوحداتها النخبوية، وقدراتها الصاروخية، والكوماندوز البحري، وهو ما يشكل عامل قلقٍ للاحتلال الإسرائيلي.
وأوضح أنَّ الاحتلال يرى أمام عينه أنَّ هناك قوة تتعاظم في قطاع غزة، لا يمكن السيطرة عليها لا عسكرياً ولا أمنيًا ولا استخبارياً، مشيراً إلى أنَّ تلك القوة الموجودة في غزة باتت تؤثر على الاحتلال والوعي العام لدى المجتمع الإسرائيلي.
ولفت إلى أنَّ المستوى السياسي والعسكري والأمني الإسرائيلي، قبل أن يفكر بشن عدوانٍ واسعٍ على قطاع غزة، سيقف ويسأل نفسه أسئلة عديدة، منها، هل الوضع الراهن الدولي والداخلي يخدم شن الاحتلال حرباً على غزة؟، ما هي كلفة الحرب على غزة؟، هل نتائج تلك الحرب أو العملية هل سينهي معضلة غزة وتنهي المقاومة فيها؟، هل هناك بدائل يمكن التعامل فيها مع قطاع غزة يمكن ان تكون بديلاً عن الحرب؟، هل هناك تكلفة الواقع الراهن في غزة اقل من ثمن الحرب ام العكس؟، وهل الكيان الصهيوني قادر على دفع الفاتورة في ظل الحالة الداخلية المتشظية في ظل ازمة كورونا والبدء بانتخابات إسرائيلية رابعة؟، مشدداً على أنَّ تلك الأسئلة مصيرية بالنسبة للكيان، والدخول في حرب ليس مجرد مزحة بالنسبة لهم، وهل يستطيع الكيان الإسرائيلي مواجهة غزة في ظل التحديات الأمنية في الشمال التي تتمثل في الوضع الأمني في سوريا واليمن والعراق وإيران.
وذكر زبيدة أن الكيان الإسرائيلي يعتمد استراتيجية (جز العشب) التي تقوم على فكرة استنزاف المقاومة من خلال توجيه ضربات لا تؤدي إلى مواجهة شاملة، مشيراً إلى انها سياسة معتمدة للكيان في سوريا، تمثلت في ضرب القوات الإيرانية فيها، لافتاً إلى أنَّ قوات الاحتلال تستغل بعض خروج بعض المجموعات في قطاع غزة عن الوحدة الميدانية ووحدة القرار لاستنزاف المقاومة، إذ يستغل الاحتلال إطلاق صواريخ منفردة من قطاع غزة لضرب اهداف تابعة للمقاومة.
وأشار إلى أنَّ التقدير الاستراتيجي الإسرائيلي 2021، يتحدث عن استمرار الحروب واستنزاف المقاومة، مع خشيته من انزلاق الأوضاع إلى مواجهة مفتوحة، مشيراً إلى أنَّ المؤسسة العسكرية غير جاهزة لهكذا ضربة بسبب تنامي المقاومة، إلى جانب أنَّ رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي يواجه أزمة حقيقة تتعلق في الاستمرار بـ"خطة تنوفا"، وهو ما قد يعرقل أي قرارٍ تجاه حربٍ مفتوحة مع المقاومة في غزة.
تساؤلات الحرب
ويرى المختص في الشأن الإسرائيلي أ. حسن لافي أنَّ قرار الحرب في "إسرائيل" دوماً يتخذ على ضوء الإجابات على عدة أسئلة، أهمها أولاً، هل الوضع الراهن مريح؟ يخدم المصلحة الإسرائيلية؟ يمكن التعايش معه؟ أم أنه سيء ولا يمكن تحمله؟ ثانياً، ما هو الوضع المرجو إنتاجه مستقبلياً من جراء الحرب؟ وهل إنتاجه ممكن من خلال الحرب؟ ثالثاً، هل هناك بدائل أخرى سياسية أمنية اقتصادية لتغيير الوضع الراهن بدون اللجوء إلى الحرب؟ رابعاً، هل كلفة تغيير الوضع الراهن أقل من ثمن الحرب، أم العكس؟ وهل فعلاً "إسرائيل" قادرة على دفع ذلك الثمن؟
وذكر لافي أن التساؤلات زادت خلال الايام الماضية بشأن إمكانية وقوع مواجهة مع غزة بعد فيديوهات الاخ الطيار، مشيراً إلى أنَّ الكيان غير مضطر في الوقت الحالي لفتح أي حربٍ مع أي جبهة من الجبهات، وفقا لما ورد حرفيا في تقديرات معهد الامن القومي الاسرائيلي لعام ٢٠٢١.