قلم: الإعلامي والكاتب الفلسطيني: حسن سلامة
أصدر الرئيس الفلسطيني محمود عباس. مرسوما حدد فيه مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني على 3 مراحل، لتكون الأولى منذ 15 عاما، ورحبت حركة حماس بالمرسوم..
**
أنا والكثيرون غيري من الفلسطينيين الذين ينتمون فقط لوطنهم. وليس للسلطة وغيرها.. نرى إيجابية كبيرة في هذه الخطوة .. وإن كنت أعتقد بوجوب حل معضلة رئيسية ستكون هي مهماز التفاهمات حول هذه المبادرة الانتخابية (إذا تمت) .. وتتمثل في كيفية التوافق أو حل معضلة الولاءات والتدخلات الإقليمية التي زرعت الفرقة. وكيفية تجسير الفجوة بين السلطة وحماس والمنظور الدولي والعربي لتقييم وتصنيف الجهتين..
ولكن.. ورغم كل التوقعات. يتبادر إلى الأذهان كل تلك السنوات ال 14 المؤلمة التي واجهها عامة الفلسطينيين نتيجة صراع مؤلم وجارح من تقتيل وحصار وتهميش..
.. كنت وما زلت أرى كل شيء يحدث يحتاج إلى ضرورة فهم هذه النتائج على الأرض. وضرورة الإعتذار من الطرفين المسؤولين عن ذلك..
وحين نقفز للنتائج المتوقعة. مهما كانت. فإنها تشكل حلولاً في الأطراف وليس في الجوهر.. فالانتخابات سوف تحدد المحاصصة.. ومن يجلسون على مقعد الرئيس ونائبه.. ومجموعات ممثلي الشعب من تنظيماته المطلوبة.. وقد يرضي ذلك كل من هم فوق سطح الشعب..
كتبت عن ضرورة الاعتذار للشعب قبل اية خطوة نحو مصالحة أو انتخابات.. وإلا سيبقى الحال كما هو محتقناً وأكثر تحفزاً...
هنا أكرر ما كتبت عن المصالحة . مع تعديل رقم سنوات الفرقة..
**
المصالحة الفلسطينية
الاعتذار المطلوب
هل حقا ستتم المصالحة بين الأخوة الأعداء .. بعد صراع على خشبة كرسي دام 14 عاماً ..؟!
صراع . كانت نتيجته آلاف القتلى والجرحى والمعوقين الذين بترت أطرافهم . ومئات آلاف الذين هبطوا بفعل فاعل تحت صفر الحاجة لأدنى مقومات الحياة الطبيعية ..
نعم . أنا شخصياً مع المصالحة وأتوق إليها بحجم الجرح الذي أحدثه الانقسام ..
نعم .. أنا ضد المصالحة قبل أن يعبر المتخاصمون عن رجولتهم ويعلنون اعتذارهم للشعب الفلسطيني كله ..
لا طعم لحلاوة المصالحة مقابل مر القهر الذي حدث
لا قيمة للمصالحة قبل الاعتذار ..
إلا إذا أخذتكم العزة بإثم الجريمة التي تمت . والحصار الذي تم . والخراب الذي تم . فإن حدث هذا . فأين تلك العزة حين تقاتلتم . وحين كان تصويبكم في العمق . وفي المقتل تماماً..!
أنا مع المصالحة رغم كل القهر الذي أحدثتموه للناس البسطاء .. بعد البرطعة على بردعة المسميات والعنتريات ومصطلحات التخوين والمؤامرات والشتم والتحريض والسجون ذات اللونين والوجهين ..
والله . إني قد أكون أسعد منكم حين تكون المصالحة الحقيقية . وطي تلك الصفحة المؤلمة في حاضرنا الرمادي ، إلى غير رجعة..
أقول لكم ما لم يقله أحد من قبل .. وهذا نبض أعرفه بتفاصيله:
لقد ملـّت منكم الأرض . وثخنت منكم جروح القلوب .. وتاهت دروب الناس من دون دليل ومرشد أو معين ..
سنوات عجاف .. ولا أمل في واحدة تسر الناظرين ..!
لا مصالحة حقيقية إلا حين نتجرد من الأحقاد .. والاتهامات .. والمطالبات والشروط المسبقة .. والولاءات والانتماءات والمحاسبات ..
اقلبوا صفحة حتى لا نسأل الله أن يقلب وجوهكم إلى غير منقلب..
نتيجة الصراع صارت غزة دويلة حماس..
ونتيجة الصراع صارت الضفة دويلة فتح ..
ونتيجة الصراع صار الفلسطيني بلا دولة، لأن الدولة الحقيقية لا يمكن أن تقوم على تجميع / وتصنيع/ دويلات..!
أنا مع المصالحة بكل مشاعري وصدق نيتي وعظيم محبتي .. إذا كانت النوايا صافية وإن تأخر هذا المشروع الوطني قليلاً..
أنا مع المصالحة حين تدركون أنكم الحلقة الأضعف في هذا العالم المتكالب .. فلا تغرنكم ابتسامة .. ولا تغرنكم طبطبة على الظهر .. لذلك ، طلقوا الضعف بالثلاث طلاقا بائنا لا رجعة فيه ..
من المعيب أن ترى رجال فلسطين بهذا الهوان وصمت الحاجة ..
من الجارح أن تخدشوا عيون أطفالنا - أطفال الحجارة ذات يوم - بكسرة معونة تخضع لعبقرية إعلام مزيف ..
من القاتل أن تهزموا نساءنا الفلسطينيات الشامخات بحاجة قوت اليوم الرديء..
اعتذروا للناس البسطاء..
لأنكم أخطأتم بدون وجه حق ..
فلا أنتم أوصياء الله على خلقه ..
ولا أنتم أوصياء على دين الله وخلقه ..
الناس البسطاء يسامحون ببساطة .. وهم يقدّرون اعتذار الرجال لأن الاعتذار من شيم الرجال..
.. إلجموا الصغار الذين لا يفعلون إلا الصغائر..
إلجموا النابحين ليصل الأضياف إلى مضيفيهم ..
فكوا قيود الناس يجعل الله لكم مخرجا ..
أظنها مناسبة عظيمة للمصالحة.. وإلا تبوأوا مقاعدكم من فتنة وصراع وقتل وتشرذم وتصعير الخد للآخرين ..
عودوا إلى مخزون شعبكم الحقيقي من صبر ووطنية وإخلاص، مع العلم أنكم ستتعرضون لضغوط شتى ، ومكائد كبيرة ، وحتى لإعادة احتلال بغيض ..
أدعوكم ، وأرجوكم ، وأبوس أياديكم أن تبدأوا الخطوة الشجاعة..
اعتذروا لناسكم تكسبوهم
اللهم إني بلغت ..
اللهم اشهد ..
***
تنويه .. رداً على بعض الأصدقاء
..أريد توضيح الصورة أكثر لبعض الأصدقاء الكرام ..
لا يوجد فلسطيني واحد ولا عربي شريف لا يحب المصالحة ، لأن الله سبحانه أمرنا بالتلاقي والتكاتف ، بخاصة أننا أمام حالة فريدة من الاستعمار المعاصر ومن تكالب وتعاطف الغرب مع إسرائيل ..
الانقسام سرق 14 سنة من عمر شعبنا ..
أنا لست مع الانقسام ورموزه ..
لكنني حتما سأكون مع رجال المصالحة ، سواء في حماس أو في فتح أو أية جهة تدعم المصالحة ، وسوف نذكرهم بالأسماء كما سيذكرهم التاريخ ..
مع حماس ومع فتح وأية جهة تدعم المصالحة التي تحقق بعض طموحات الناس في حدها الأدنى الآن على الاقل..
لكنني أشعر بضرورة الاعتذار للناس ..
لهؤلاء القادرين على المسامحة ونسيان ما حدث
شعبنا الفلسطيني سريع التفاعل والتعاطف ..
وتعلمون أن أعتى المصائب يمكن حلها ببساطة ، بمواقف رجولية ، ونخوة ، وجيرة ، وغض الطرف عن الجروح .. هكذا نفهم شعبنا
الآن أسأل.. ما قيمة الانتخابات إذا لم تغير الواقع المؤلم.