بقلم/ د. هاني العقاد
فعل الرئيس ابو مازن كل شيء من اجل تنفيذ الانتخابات وتمكين الشعب الفلسطيني من تجديد شرعياته واختيار ممثلية بحرية واستقلال، عدل قانون الانتخابات مادة (1) للعام 2007 رفع كوتة المرأة وازال الشروط السياسية الخاصة بضرورة الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ولم يعد شرط الاعتراف بوثيقة الاستقلال ذات اهمية بقدر ما هو الالتزام والاعتراف بمواد القانون الاساسي الفلسطيني.
هذا التعديل في نظري يعتبر تنازل كبير لتحقيق الهدف الكبير وهو اعادة الحق للشعب ليمارس من خلاله حقه الذي صادرة الانقسام منذ 15عام ويستطيع ان يترشح وينتخب بحرية وشفافية وحيادية ودون تدخل من اي قوي محلية او إقليمية، فتحت هذه التعديلات الطريق امام الفصائل التي لم تنضوي تحت إطار (م ت ف) لتشارك في الانتخابات ببرنامج وطني تبنيه على أساس فلسفتها الوطنية واهداف منظمتها وثوابت حركتها.
ولعل هذه التعديلات اتفق عليها الجميع في اجتماع الامناء العامين بحضور الرئيس ابو مازن وهذا ما ساهم في فتح الباب امام اصدار الرئيس المراسيم الرئاسية المطلوبة لتنفيذ الانتخابات على التوالي في مواعيد محددة بينها فترات متساوية من الزمن.
نسمع اليوم حديثاً خافتاً في الشارع حول بعض الشكوك اتجاه اتمام عملية الانتخابات واكتمال اشكالها الثلاثة وقدرة نتائجها علي تغير الواقع الاليم والمأساوي إضافة الي الجدوى منها مادامت العلاقة بين الشعب والفصائل علاقة متوترة وعلى حالها بسبب الانقسام الذي أضر بالجميع هنا في غزة او حتى هناك في الضفة الغربية. جلسة الحوار الوطني الفلسطيني التي ستعقد في القاهرة قريباً سيتم فيها النقاش حول كل الاجراءات التي من شانها ان تسهل عملية الانتخابات وحمايتها وشفافيتها وحياديتها وضمان القبول بنتائجها بالإضافة لسير المراحل الأخرى للانتخابات، الرئاسة والمجلس الوطني. يبدو ان الفصائل بذلت وتبذل جهد مكثف حول كل تلك المواضيع وتهتم بمصالحها الحزبية وترسم الخطط لكي تضمن فوز قوائمها دون الاكتراث بمدي اعادة الثقة مع المواطن الفلسطيني الذي عاني ما عاني من التهميش والعقاب ومصادرة حقوقه وحرياته وتعرضه للقمع والاعتقال السياسي و التجويع والاستهانة بمعاناته و وصم الاذان عن صوته الذي طالما رفعه لينتهي الانقسام بالإضافة لحقوقه المدنية واولها حقه في الترشح والانتخاب والحق في العمل والمساواة دون تمييز في الوظائف الحكومية وتقلدها ليس علي اساس الانتماء السياسي بالإضافة للسفر والتنقل والضمان الاجتماعي والعلاج المجاني .
كثيرة هي هموم المواطن وكثيرة هي احتياجاته ولا اعتقد ان اي برنامج انتخابي يمكن ان يوفر لهذا المواطن هذه الاحتياجات ويعوضه عن فترة الحرمان التي عاشها خلال مرحلة الانقسام البغيض. ليس سهلا اعادة الثقة للمواطن المدمر والمحبط منذ سنوات واعتقد ان الفترة المتبقية ليوم الاقتراع ليست كافية لتفعل الفصائل التي تنوي النزول بقوائم ذلك لان اهتمامها سيكون منصبا على هذه الانتخابات وكيفية الحصول علي اعلي الاصوات متناسية ان المواطن قد يستغل الانتخابات من اجل تصفية حساباته مع هذه الفصائل، وهنا اقول انه لابد من بحث الفصائل الفلسطينية عن اخطائها التي اوجعت المواطن الفلسطيني من خلالها واثرت على سيكولوجية الانتماء الوطني واوصلت هذا المواطن لان يفقد الثقة في كل سياسيي وقائد ومسؤول. المهمة الكبيرة والتي افترض ان تحتل الاولوية في برنامج عمل الفصائل هي البحث عن تلك الاخطاء القاتلة التي اصابت المواطن الفلسطيني سواء بقصد او بغير قصد والاعتراف بها ومن ثم العمل على تخصيص برامج عاجلة لتصحيحها وازالة كل اثارها السلبية والاعلان عن ذلك دون اللعب على العامل الثوري للمواطنين ودون شراء الاصوات بأدوات في جوهرها استغلال لحاجة المعيشية والاقتصادية للمواطن.
أخشى ما أخشاه ان تختار الفصائل برامج مهينة لتصحيح الاخطاء وبالتالي ارتكاب اخطاء اكبر واكثر قساوة علي كينونة المواطن تزيد التأثيرات السلبية تعقيدا علي سيكولوجيته لان المواطن الفلسطيني لم يعد قاصرا ولا جاهلا ولا فاقداً للذاكرة , هو الان امام فرصة انتظرها طويلا بفارغ الصبر ليحدد العقاب المناسب لمن تسبب في معاناته ومعاناة ابنائه واتمني الا يكون العقاب هو الامتناع عن الادلاء بصوته يوم الاقتراع وخاصة اذا ما رأى بين القوائم اشخاص مكررة ونسخ معدله لمرشحين فقدوا شرعيتهم منذ زمن وقدموا من الكذب والوعودات الفارغة اكوام لا نهاية لها . الخشية الأخرى والتي باتت مخيفة ايضا ان يذهب المواطن للاقتراع فقط ليتفادى اللوم والاحراج ويعطي قوائم ليست ذات كفاءة وطنية ولا قدرة على قيادة المرحلة القادمة والسير قدما نحو اصلاح ما أفسده الدهر والفصائل معاً. لعله مهما ان تتفادي الفصائل اليوم استخدام اساليب كذب وخداع المواطن من جديد تكون مبنية على اجندات تصفية حساباتها مع بعضها البعض ايضاً والتصوير بان كل فصيل يريد اصلاح ما أفسده الفصيل الاخر بالإضافة الي رفع سقف البرنامج السياسي للقوائم بوعودات تدخل المواطن الجنة وتقديم له الشهد والعسل.
لا اريد أن يتم الدفع بالمواطن الي الانتقام والعقاب ويقدم على استغلال هذه الفرصة الوطنية لتصفية الحساب بدلا من توظيف كل مقدرات المرحلة من اجل الهدف الكبير نحو التغير وتحقيق الذات الوطنية خاصة انها فرصة طال انتظارها لتجديد الشرعيات وتحديث التمثيل السياسي والبدء بمرحلة جديدة اساسها الشراكة السياسية الحقيقية التي ستضع المواطن الفلسطيني واحتياجاته في سلم اوليات العمل الوطني المشترك.