قلم: أ. محمد حميد
يعلم كلّ مؤمنٍ علم اليقين أن الله لا يخذل فئةً خرجت جهاداً في سبيله نصرةً ودفاعاً عن دينه، فتجده –جل وعلا-ييسر لهذه الفئة والفكرة أناساً يحبيهم من الإيمان ما يمكّنهم من حمل راية الجهاد، فلم تزل راية المسلمين بمؤتة يرفعها الفارس تلو الفارس بمعية الله وحفظِ منه، ولم تزل تلك سنةً كونيةً يحفظ الله بها الأمة ويبعث فيها من يبقيها على قيد الحياة رغم قسوة الضربات.
ففي الأيام الأولى للانتفاضة الفلسطينية الأولى انطلقت مجموعةٌ من المجاهدين يحملون أفكار الجهاد الإسلامي من زنازين سجن غزة المركزي، لتقوم بعمليةٍ نوعيةٍ أو ما بات يعرف بالهروب الكبير الذي مثّل انطلاقةً جديدة لحركة فلسطينية مجاهدة آمنت بالجهاد والمقاومة سبيلاً وطريقاً، لينجح هؤلاء الستة في كسر قواعد المنطق والهروب بطريقة إعجازية من سجون الاحتلال، ليستمر الأخير بملاحقتهم مدة شهور حتى انتهى بهم المطاف شهداءً في معركة أسطورية على تخوم حي الشجاعية بعزة بعد أن أثخنوا الاحتلال الصهيوني وجنوده وأردوا عدداً منهم قتلى، وقد أعقب هذا الاشتباك الكبير اعتقال عشراتٍ من قيادات حركة الجهاد الإسلامي السياسية والعسكرية، وإبعاد عددٍ منهم إلى خارج القطاع، وأعقب ذلك حملة اعتقالات سياسية أخرى لعدد كبيرٍ ممن تبقى من قيادات وكوادر الجهاد الإسلامي عام 1989م حيث شملت الاعتقالات كوادر الحركة في مختلف مناطقة قطاع غزة.
وأمام هذه الضربة المؤلمة التي تلقاها الجسم التنظيمي للحركة، أوشكت ساحة قطاع غزة على أن تخلو من الكوادر السياسية والعسكرية للحركة، إلا من إشراقة الشهيد القائد/ عمر الغولة وثلة قليلة مرابطة من الشبان آمنت بطريق الجهاد والمقاومة في وقتٍ كانت تشهد فيه الظروف الإدارية والتنظيمية حالةً من الترهل، فلم يشكل ذلك عائقاً أمام الشهيد القائد/ عمر الغولة وإخوانه، بل سابقوا الزمن نحو العمل المقاوم رغم قلة المال والعتاد، ولم يقعدهم شح الموازنات الحركية، ولم تثبط عزائمهم ندرة السلاح في القطاع في تلك الفترة، فباشر الشهيد القائد جمع التبرعات الداخلية بمبادرةٍ شخصيةٍ منه لشراء السلاح وإعداد العدّة لاستئناف مسيرة الدم والشهادة التي اتخذتها هذه الحركة وسيلةً نحو التحرير ودفع العدوان، وعزم على تقوية النفوس وبث العزيمة في صفوف من تبقى من عناصر الحركة، وإعادة لملمة الجراح بعد تلقي الضربات، وما هي إلا أيامٌ وكان لدى الجهاد الإسلامي نخبةٌ استشهاديةٌ وجهاديةٌ واعدة وصاعدة، أعادت بثّ الفكرة بعد اعتقاد الاحتلال قدرته على تحجيمها. وقد نجحت هذه المجموعات في شن عديد العمليات بحق دوريات الاحتلال التي تسير في عموم القطاع وكذلك ملاحقة عدد من عملاء الاحتلال، وشكلت هذه المجموعات هاجساً أعاد للاحتلال كابوس الهروب الكبير الذي سطّره أبناءُ الجهاد الإسلامي.
لقد أيقن قادة الاحتلال الصهيوني الخطر الذي شكّله الشهيد القائد/ عمر الغولة، فاتخذوا القرار بتصفيته واغتياله، وأثناء إقدامه رفقة مجموعة من المجاهدين على تنفيذ أحد الكمائن بدورية تابعة للاحتلال، دخل الشهيد ومجموعته في اشتباكٍ شديد مع هذه الدورية التي تمكنت من حصاره لاحقاً في أحد مناطق قطاع غزة، واغتياله ليلقى الله شهيداً وذلك في نهاية يناير 1993م. رحلة جهادٍ ومقاومةٍ طويلةٌ توجت بالشهادة هي رحلة الشهيد القائد/ أبو عبيدة الذي قاسى فيها الاعتقال أكثر من مرةٍ، وكابد فيها مرارة الملاحقة والمطاردة، ليختمها بالشهادة وهو أهلٌ لها.
ولقد تابع إخوان الشهيد القائد/ عمر الغولة مشواره الجهادي وواصلت العمل المقاوم من بعده حتى تسلم الراية منهم القائد الكبير الشهيد/ محمود الخواجا الذي تمكن من مواصلة الطريق الجهادي الذي سبقه إليه الشهيد القائد/ عمر الغولة والذي خطط له الشهيد القائد/ د. فتحي الشقاقي الأمين العام الأول والمؤسس لحركة الجهاد الإسلامي.
في ذكرى ارتقاء الشهيد القائد/ عمر الغولة نتوجه بالتحية إلى جميع شهداء شعبنا الفلسطيني المظلوم والمرابط على هذه الأرض المباركة والذين واجهوا الكف بالمخرز وساروا على درب الجهاد والمقاومة رغم علمهم بطول الطريق ووحشة سالكيه وكثرة أشواكه وشح موارده وإمكانياته، واختاروه طواعيةً لأنهم آمنوا بأنّه الطريق الذي حُفّتْ به الجنة وحُفَّ به الحق والصواب. فهنيئاً لمن سار على هذا الطريق، وعضّ عليه بالنواجذ في وقتٍ لم يكن فيه إعلامٌ أو فضائيات أو وسائل تواصلٍ حديثة، فهاجروا إلى الله بصدقٍ فوقع أجرُهم على الله، رحم الله الشهيد القائد/ عمر الغول أبو عبيدة ورحم الله الشهداء وأسكنهم فسيح جناته.