قائمة الموقع

عبد الستار قاسم.. " ضمير الشعب الفلسطيني " الذي ترجل

2021-02-02T16:47:00+02:00
عبد الستار قاسم

بقلم/ عادل أبو هاشم

فقد الشعب الفلسطيني والحركة الوطنية الفلسطينية بوفاة الاديب الجسور والمعلم الشجاع والضمير الحي رجل المواقف والمبادئ الدكتور عبد الستار توفيق قاسم يوم الاثنين 1 /2 /2021م فارس من فرسان الاعلام والمقاومة، وأحد أهم رموزه الوطنية في مسيرته النضالية.

وفقد الشعب الفلسطيني نبراساً وثائراً ومناضلاً ومفكراً صاحب كلمة شجاعة وهادئة وعاقلة وثورية في نفس الوقت.

كان الدكتور عبد الستار قاسم يوصف بـ " ضمير الشعب الفلسطيني " لتواضعه وعفته وزهده ودماثة خلقه.

كانت أرض فلسطين ومقدسات فلسطين وشعب فلسطين وحجارة فلسطين هي هاجسه الأول والأخير، فهي الهدف وهي الغاية، وهي الحلم الوردي للفلسطيني، وهي الأمل في الحياة الكريمة لشعبها الأبي.

كان ــ رحمه الله ــ في حركة دائمة وفي نشاط متواصل .. يحلم بفلسطين .. يفكر بفلسطين .. يعيش لفلسطين .. ومات شهيدا – باذن اللهً -من أجل فلسطين.

كانت كل كتاباته تمثل الكتابة الملتزمة بقضايا شعبه، والمعبرة عن تطلعاته في الحرية والكرامة.

كانت الحقيقة بارزة في كلمته، والفكرة واضحة في حديثه، فلا مكان للمجاملات على حساب الشعب والمبادئ، وكم من الناس من غضب لصراحته أو كلمة حق يقولها، فقد كان لا يخشى لومة لائم، ويقيم الدنيا ويقعدها بحجة ثاقبة ورأي حصيف إذا دافع عن قضية أو مسألة.

قضى حياته مدافعا صلبا عن حرية وكرامة وطنه وشعبه وقضيته العادلة، ولم يترك طريقة ولا اسلوبا نضاليا وجهاديا الا تصدى به للعدو الصهيوني، ولرموز الفساد والافساد في اروقة السلطة الفلسطينية التي اودعته السجن اكثر من مرة ، والتهديد باغتياله ، واطلاق الرصاص المباشر عليه وحرق مركبته .. !!

لقد كان في " عبد الستار قاسم " من صدق الثائر وجرأته ما يعجز الواقع عن تحمله ، فيثير فيه بكلماته و أعماله موجات متلاحقة من التأزم فيجعل هذا الواقع قلقا مستنفرا يبحث عن الحقيقة بكل ما فيها من مرارة ، وعن الخلاص بكل ما فيه من تضحيات .

لقد عظم الكلمة في فكرة وعقيدته و نضاله وكفاحه اليومي ، فكان فارسا يجيد السباق في كل ميدان من ميادين العمل والمعرفة الوطنية .

كان صاحب حجة قوية وعقل منظم وذهن وقاد ، تتدافع الأفكار في رأسه كأمواج البحر .. تتلاطم بعنف لتعود مرة أخرى إلى الأعماق في حركة مد وجزر واعية مستمرة لا تنقطع أبداً .

آمن بأن الكتابة الملتزمة ( وهي هوايته وقناعته ومعاناته في آن واحد ) لا معنى ولا أثر لها إذا لم تتجسد بالممارسة والسلوك اليومي ، وأن مقاومة المحتل لا تتحمل المواقف الوسط ، ولا المهادنة ، ولا التأجيل ، ولا الاستراحة ، وأن الكلمة الثائرة لا تعرف المواربة ، ولا الدبلوماسية ، ولا التلفيق ، ولا الاصطناع .

تبنى بقلمه الثائر قضايا الشعب ، وكان صوتا يدافع عن المظلومين ، وسوطا يسلخ جلود الفاسدين والمفسدين والطغاة .

كان قلما ثوريا متحركا يسير على الارض ، وضميرا حيا لا يقبل الضيم ولا الظلم .

لم يأمن من مكر ازلام السلطة ، فكان كثير التحذير من مؤامراتهم ودسائسهم سواء عبر كتاباته ، او عندما تجمعه جلسات مع طلابه وزملائه ، لذلك تعرض لاكثر من محاولة اغتيال واعتقال من ابناء جلدته .. !!

لقد علمنا الدكتور عبد الستار قاسم دروساً كثيرة في الانسجام والصدق والاحتراق من أجل القضية ، وأول ما علمنا إياه هو أن الفلسطيني يفقد ذاته وحضوره الإنساني في العالم والكون إذا كف عن أن يكون فلسطينياً ، و " الفلسطينية " ليست انتماء الوراثة و الهوية والحنين إلى أشياء ضائعة وانتظار الزحف العربي لتحرير فلسطين ، إنما " الفلسطينية " معناها ثورة ، تغيير ، وتفجير ، وإبداع .

كان عبد الستار قاسم درس سياسي وأدبي أخلاقي معاً، لم تذهب لحظة من حياته سدى، فقد كان ملحمتين: ملحمة شعب، وملحمة إبداع.!!

لم يكن في حياته وفي التـزامه مجرد شخص اختار طريق المقاومة والكتابة الثورية الملتزمة بقضايا شعبه، بل كان إلى جانب ذلك نموذجـًا بارزًا لجيل فلسطيني كامل هو جيل مقاومة المحتل، ومن خلال تمثيله لهذا الجيل ومن خلال تعبيره عنه بالكتابة الثورية والكلمة الحرة الأبية اكتسب قيمته كمعلم وكرمز من رموز هذا الجيل.

كل كتابة عن " عبد الستار قاسم" ستكون ناقصة، لأن قضيته هي قضية مسيرة المقاومة ضد المحتل، هي قضية الجيل الذي يكسر قيد المحتل ويصنع الانتصار، وهي قضية لم تكتمل بعد.

حق فلسطين علينا ألا نبكيه ، وحقه علينا أن نغبطه شرف الاستشهاد على الأرض التي أحبها و أحبته .

.ترجل " ضمير الشعب الفلسطيني " عبد الستار قاسم .

ترجل وترك خلفه مدرسة " الضمير الحي " لينهل منها كل صاحب ضمير حي .

ترجل وترك جيلا تخرجوا من مدرسته التي ستبقى شاهدا على ظلم ذوي القربى .

ترجل كما يترجل الفرسان ... أغلى الفرسان ...أصدق الفرسان ... وأندر الفرسان .

مناضلاً عاش ... ومناضلاً مات .

إنما الحقيقة القاسية والبشعة تبقى : لقد خسرنا هذا الرجل بإخلاصه وقدرته وجرأته وتضحياته .

خسرنا هذا الرمز بصوته المشجع ونبرته المحذرة وقلمه الجبار وقلبه الواسع .

وداعا ايها الرمز الفلسطيني ...

وداعا يا من اصبحت سيرته درسا لاجيال واجيال ، ومسيرته مصدر الهام لكل الاحرار ، وتاريخه طريقا يقتدى به .

ولسوف نفتقدك كثيراً.. ولسوف نفتقدك طويلاً.

اخبار ذات صلة