بقلم المستشار/ أسامة سعد
ليست المرة الأولى التي تدعو فيها القاهرة الفصائل الفلسطينية للحوار، فمنذ العام 2005م والقاهرة في حالة تواصل شبه دائمة مع كافة مكونات الشعب الفلسطيني من فصائل وقوى وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني، حتى رجال الأعمال سبق أن دعتهم القاهرة اليها محاولةً ترتيب أوراق البيت الفلسطيني، التي زاد تبعثرها تماماً مع تعثر عملية السلام منذ فشل مفاوضات كامب ديفيد في العام 2000م، وأصبحت عملية السلام عبارة عن جولات مفاوضات لا تفضي الى شيء الا التنسيق الأمني، الذي يُبقى على السلطة الفلسطينية في الصفة الغربية كهيكلٍ متهالك لا حول له ولا قوة.
دعوات الحوار تلك التي كانت تدعو لها القاهرة، ربما كانت تلقى اهتماماً كبيراً من المواطن الفلسطيني، الذي كان يؤمل منها أن تخلص الى نتائجٍ تجمع الفصائل الفلسطينية على كلمة سواء، ومع تكرار الدعوات دون تحقيق نتائج ذات قيمة تراجع اهتمام المواطن الفلسطيني بهذه الحوارات، وأصبح ينظر اليها كنوع من الهذر السياسي الذي لا رجاء فيه، ومع مرور الوقت أصبحت مثار تندر وفكاهة ساخرة معروفة النتائج سلفا.
اذاً فما الذي يجعل حوار القاهرة هذا مختلفاً عن سابقاته؟ ولماذا يجد الشعب الفلسطيني نفسه مهتماً بهذا الحوار، رغم أنه قد جرب الكثير من الحوارات الفاشلة التي لم يحصد منها سوى خيبة الامل؟ أظن الإجابة على هذا التساؤل تكمن في أن الشعب الفلسطيني مدرك تماماً هذه المرة أن الفصائل الفلسطينية مجبرة على التوافق، بفعل الظرف الراهن الذي تمر به القضبة الفلسطينية، والذي لم يترك مجالاً لايٍ من الفصائل لتمارس ترف المناورة السياسية خوفاً من تحمل عبء الوزر التاريخي لأي منزلق قد تهوى اليه القضية الوطنية الفلسطينية، في ظل حالة من التراجع العربي لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً، فضلاً عن محاولات الإدارة الامريكية السابقة ( وربما الحالية) لتصفية القضية تماماً بتواطؤ عربي ولا مبالاة دولية ، وفي حالة انقسام فلسطيني شائن، تسبب في ضرر استراتيجي للقضية الفلسطينية يصعب جبره وقد يكون مستحيلا.
وطالما أن الوضع الفلسطيني برمته أصبح على حافة الهاوية، ولم يعد هناك مجال أمام قيادات الفصائل الفلسطينية إلا أن تتوافق فيما بينها، لتلافي حدوث ضرر أكبر من الضرر الذي تسبب فيه الانقسام حتى الان، قد يودي بالقضية والفصائل والشعب الفلسطيني بالجملة إلى المجهول، فلابد لهذا الحوار أن يحقق الهدف المرجو منه وإلا فان الكارثة ستحل بالجميع.
الحديث الآن يدور عن الانتخابات وضرورة توافر شروط نزاهتها ونجاحها، وهذا أمر قد بلغ فيه النقاش كل مبلغ، وقد أدرك الجميع ما يجب فعله لإنجاح العملية الديمقراطية، ولا داعى لتكرار ما كُتب من قضايا سياسية وقانونية، ولكنني أزعم أن الأهم من الاتفاق على شروط نزاهة ونجاح العملية الانتخابية هو الاتفاق على برنامج سياسي وطني متوافق عليه، يكون المسار الذي يحكم عمل الحكومة التي ستمثل الشعب الفلسطيني بعد الانتخابات، والتي يجب أن تكون حكومة الكل الفلسطيني وليست حكومة فصيل أو حزب معين ( الحالة التي عشناها منذ قدوم السلطة الوطنية لأرض الوطن حتى الان) ولذلك إن الوصول الي حكومة تمثل الشعب الفلسطيني لا يمكن أن يتحقق إلا من خلال برنامج سياسي توافقي بين الفصائل، ينهي حالة الانشقاق الرأسي بين مكونات النسيج الوطني الفلسطيني، وأظن الأمور قد أصبحت في المتناول واقتربنا كثيراً من الوصول لهذا الهدف بعد الوثيقة السياسية لحركة حماس التي صدرت في العام 2017م.
أهمية التوافق على البرنامج السياسي تكمن في أنه البيئة الحاضنة التي لا يمكن لأي حكومة أن تعمل بمعزل عنه، وعدم وجوده يعني فقدان الإطار الناظم والموجه للأداء السياسي والدبلوماسي وإدارة ملف العلاقات الدولية، ما يعني بقاء حالة الانقسام السياسي رغم وجود حكومة واحدة، الامر الذي يجعل من هذه الحكومة نسخة عن الحكومات السابقة التي فشلت في أن تكون حكومة الشعب الفلسطيني كله تحظى بثقته واحترامه.
لا يقصد بما سبق أننا ندعو لإلغاء الاختلاف الطبيعي بين مكونات العمل السياسي الفلسطيني، فوجود الاختلاف هو ظاهرة صحية وانكاره فيه نوع من الخيال، ولكن ما يطلبه الشعب الفلسطيني هو الاتفاق على البرنامج السياسي الوطني العام، الذي يحقق الأهداف الوطنية الكبرى التي يقبلها الكل الفلسطيني، دونما انكار للاختلاف على تفاصيل العمل والوسائل والأدوات السياسية التي يقتنع بها كل حزب أو فصيل، وهذه قضية معمول بها في أغلب دول العالم المستقرة، التي تتعدد فيها الأحزاب والحركات السياسية، فالاتفاق على البرنامج السياسي العام للدولة هو الذي يؤدي لاستقرارها وعدم وجود هذا الاتفاق يؤدي -لا شك- لتحول أي دولة الي دولة فاشلة ثم الى تفككها.
نحن الشعب الفلسطيني بحاجة ماسة لبرنامج سياسي وطني واحد نجتمع عليه ونخاطب به العالم، وبهذه الطريقة فقط يمكن أن ينتهي الانقسام، وما الانتخابات إلا تتويج لهذا التوافق الوطني وليست منشئة له، وأظن أن إجراء الانتخابات دون وجود أرضية سياسية ثابتة، سيجعل من أي حكومة مثل فرس عرجاء تجري على أرض موحلة في يوم ماطر، ولن يكتب لها النجاح وستدور الحلقة المفرغة من جديد.
غزة في 3/2/2021م