عماد عفانة
لم يعد هناك من "غموض" فيما كان يرمي إليه دهاقنة السياسة الغربية من إدخال حماس إلى اللعبة السياسية 2006م، رغم اتهامها بالإرهاب، وما أنتجه ذلك من صراع على السلطة مع من ظنوا يوما أنها حكرا عليهم.
ثم ما تبع هذا الصراع من انقسام سياسي ما زال قائما حتى اللحظة، الأمر الذي أضعف الموقف الفلسطيني في مختلف المحافل السياسية، إضافة لما نتج عنه من إمعان العدو في التنكر للمسيرة السياسية التي اعتمدتها منظمة التحرير، فاصطدمت بالحائط.
فتنكر للعدو للاتفاقات، وأعاد احتلال الأرض، وحول السلطة إلى وكيل أمني لخدمة مصالحة، ثم ها هو يشن حملة تطبيع بل غزو سياسي عسكري واقتصادي لمختلف عواصم العرب والمسلمين.
فإذا كانت مرامي السياسة الغربية هي زرع بذور الانقسام في الساحة الفلسطينية عام 2006م، فان مراميه من دعم العملية الانتخابية وفقا لمراسيم محمود عباس مجددا في 2021، هي إدامة هذا الانقسام، بل تعميقه ونقله إلى مستوى الانفصال التام بين غزة والضفة المحتلة، لتسهيل استفراد العدو بها، وتنفيذ سياسة التهجير القسري لأهلها، وسط صمت بل وربما تشجيع من عواصم العرب والمسلمين المنبطحة.
هذا المشهد القاتم لما يخطط للشعب الفلسطيني، ربما قرأته حماس وغيرها من فصائل المقاومة، فآثرت مجاراة محمود عباس في قراراته ومراسيمه، مع العمل على التخفيف من أضرارها وتداعيتها على نزاهة العملية الانتخابية في حوارات القاهرة المرتقبة، ضمانا ربما لعدم اقتصار الانتخابات على المرحلة الأولى التي تختص بالمجلس التشريعي.
ما زالت حركة فتح، تؤكد انها ستحترم الترابط بين الانتخابات الثلاث، تشريعية ورئاسية ومجلس وطني، رغم أننا لا نلمس حتى اللحظة أي جهد باتجاه إجراء انتخابات المجلس الوطني، والتي تحتاج إلى بذل جهود كبيرة مع الدول التي يتواجد شعبنا في المهجر على أرضيها، ما كان يستدعي البدء بهذه الاجراءات والجهود منذ زمن، ما يلقي ظلالا من الشك على نوايا فتح التي تملك سلطتها مفاتيح الدبلوماسية الخارجية الكفيلة بتسهيل أو تعطيل اجراء هذه الانتخابات.
حركة حماس من جانبها اختارت شن حملة إعلامية استباقية لشجيع وفد فتح، على وضع شخصية توافقية لانتخابات الرئاسة، خاصة بعد تسريبات عن عدم نية عباس ترشيح نفسه لها مجددا لأسباب صحية ربما.
أما فيما يتعلق بانتخاب المجلس الوطني، فقد اختارت حماس أن تعنون حملتها الانتخابية التحضيرية تحت شعار (المرحلة الأولى لانتخابات المجلس الوطني) وهي رسالة حمساوية واضحة، ان الهدف الرئيسي لها، أو المحطة المركزية هي التوافق الفلسطيني الجامع لشعبنا في الداخل والخارج على ترميم وإعادة بناء منظمة التحرير، كمظلة وطنية جامعة، وليس "السلطة" التي تعد أحد افرازات أوسلو، وأحد عناوين الانقسام.
تكتيك حماس بالتركيز على المحطة الأخيرة وتحديدها، يأتي تقديرا موضوعيا لأن الانتخابات التشريعية ربما تكون بوابة لإدامة الصراع وتوسيعه، فاختارت حماس اعتبار حدوث توافق وطني، هو الفوز الحقيقي، وليس الحصول على أغلبية برلمانية، وبالتالي لم يعد تشكيل حكومة من أولوياتها، مع اعتماد مبدأ "الشراكة" مع فتح ومع مختلف الفصائل الأخرى في حكومة وطنية، لإدارة الشأن الداخلي لشعبنا في الداخل، للتفرغ لانعاش الساحة الأوسع لشعبنا الذي يبلغ أكثر من سبعة ملايين في الخارج، والاهتمام باحتياجاتهم، وتأمين عودتهم لأخذ دورهم في جهد التحرير، بعدما أخرجتهم وحرمتهم أوسلو وأخواتها من هذا الشرف.
خلافا لكل التقديرات التي يتم ترويجها، فإن الرابح الأول من الانتخابات القادمة، لو حدثت بلا أي مطبات مفاجئة، ستكون حركة حماس ذاتها، ومن معها من فصائل المقاومة.
فلم تعد حماس تبحث عن مكتسبات الحكم، حتى لو حصلت على المركز الأول في ترتيب الكتل الفائزة، لأنها اعتمدت مبدأ التحالف مع فتح ومع مختلف الفصائل الأخرى، بشرط تحقيق المصالح العليا لشعبنا، وليس مصالح حزبية أو فئوية ضيقة.
تبدوا فرص حماس كبيرة في المشاركة بالحكومة مع فتح وعباس، كما في المجلس الوطني، إذا صدقت النوايا لجهة إخراج قضيتنا من المأزق التاريخي الذي صنعه الولوج في نفق أوسلو، كي نملك قرارنا، ولا تبقى قضيتنا على هامش مصالح الأخرين.
نأمل أن تكون الانتخابات بداية نهاية لمحطة الانقسام الأسود، والشروع بمحطة جديدة، أساسها القبول بنتائجها.
حماس قبل غيرها الرابح الأكبر حتى لو خسرت الترتيب الأول، لأن فوزها الحقيقي هو ضمان وحدة شعبنا، والاتفاق على برنامج سياسي يعيد قضيتنا إلى سكتها من جديد.