غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

الشرعية ولقاء القاهرة

د محمد مشتهى.jpg

د. محمد مشتهى

العدو الصهيوني قال: اعترفوا بشرعيتنا على الأرض سنعطيكم دولة، فاعترفت منظمة التحرير بشرعية العدو على الأرض الفلسطينية، في المقابل العدو لم يعترف بشرعية الفلسطينيين على الأرض واعترف بشرعية التسهيلات فقط وقامت سلطة بلا سيادة حقيقية.

في كل المفاوضات التي جرت كان يُطلب من الكيان اتفاقا مكتوبا لكنه كان يرفض ولا يزال يرفض أي اتفاق مكتوب بعد أوسلو، وفي نهاية المطاف تم الطلب من الكيان مرارا وتكرارا بأن يصرح تصريحاً واحداً فقط يشير فيه إلى قبوله بدولة فلسطينية (أي حل الدولتين) لكنه أيضا لا يزال يرفض.... لماذا؟

بادر العرب بتقديم مبادرة بموجبها يتم الاعتراف بالكيان والتطبيع الكامل معه في مقابل دولة فلسطينية تنهي الصراع الفلسطيني لكنه يرفض حتى الآن.... لماذا؟

دائما كانت التنازلات والعروض لا تأتي من طرف العدو الصهيوني، وبعد أن يتم التنازل له تصبح هي السقف الأعلى للفلسطينيين (والسقف الأعلى دوما في تنازل) بينما العدو يجلس وينتظر عروضا أفضل تقدم مزيدا من الأرض تدعيما لشرعيته.

عدة عواصم عربية ذهبت طوعا للتطبيع المجاني مع العدو وهذا ما أراده، وأمام تلك التنازلات المستمرة دوما يقف العدو حائرا لاختيار الأفضل لزيادة شرعيته على الأرض.

العدو الصهيوني في مفاوضاته وفي عقيدته ينظر الى الشرعية من منطلق السيطرة على الأرض، بينما ينظر غيره من منطلق إنهاء الصراع مقابل تسهيلات معيشية، حتى إنه استخف بكافة الحقوق مما جعله أن يعرض دولة فلسطينية بلا حدود ثم دولة في غزة لينتظر ردة الفعل لمزيد من العروض، هكذا ينظر الاحتلال لتصفية الصراع... الأرض مقابل تسهيلات زائفة ومؤقتة وزائلة تكون فيها يده هي العليا، تلك التسهيلات يمنحها ويمنعها وقتما يشاء، لذلك هو يريد من الفلسطينيين أن يعيشوا دوما تحت رحمته.

لقد كانت منظمة التحرير الفلسطينية تعتقد بأن التنازلات عن بعض الحقوق يمكن أن تجلب حقوق أخرى، وأن مجرد الاعتراف بالكيان سيفتح أذرعه مرحّبا بها وسيقدِّم لها الدولة على طبقٍ من ذهب، لذلك اعترفت به ولم تقم الدولة حتى الآن، إذن الاعتراف بالكيان لم يكن هو الوصفة السحرية أو لب الصراع، والدليل أنه تم الاعتراف به من الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني والذي تعترف به غالبية دول العالم، وبذات القياس فإنه لو اعترف كل فرد من الشعب الفلسطيني بهذا الكيان فإن الحال سيبقى على ما هو عليه والعدو لن يعطي الفلسطينيين دولة، فمنذ متى يعطي العدو خصمه دولة بلا مقاومة؟!

حتى عندما يتم الطرح بقبول دولة فلسطينية على حدود 67 مرحلياً دون الاعتراف بالكيان والاحتفاظ بالحق في استعادة باقي فلسطين التاريخية، هو أيضاً طرح غير واقعي، حيث إننا لسنا وحيدين بالميدان، فهل من المعقول أن يقول العدو الصهيوني للشعب الفلسطيني: تعالوا خذوا الدولة ثم جهّزوا أنفسكم جيدا لكي تقاتلوني مستقبلا؟! وهل من المنطق أن يأخذ الشعب المحتل جزءاً من الأرض بالسلام ويأخذ باقي الأرض بالمقاومة أو الحرب؟!

إنَّ هرم التخلص من الاحتلال كما عرفناه في كل تاريخ الدول التي تحررت من احتلالها يبدأ بالمقاومة ثم السلام وليس بالسلام ثم المقاومة، فهل الفلسطيني يريد أن يسير عكس التاريخ؟! وهل العدو الصهيوني ومن يسانده بهذه السذاجة ليسمح بذلك؟!

لذلك فإنه لا يجوز النظر للصراع من بوابة الاعتراف بالكيان الصهيوني حيث إنّ الاعتراف به ليس هو الأساس لحل الصراع، لأن هذا الصراع يعتبر صراع ممتد وطويل وتناحري ضمن معادلة سياسية صفرية، فما يكسبه العدو يخسره الفلسطيني وما يكسبه الفلسطيني يخسره العدو، والنظر إلى أن فلسطين كوحدة واحدة يتطلب الأمر لتحريرها توافقاً فلسطينياً لبناء استراتيجية مقاومة يتبناها الجميع، وهنا تجدر الاشارة بأن المقاومة لا تعني إطلاق الصواريخ "بكبسة زر"، وإنما ممارسة المقاومة بكافة أشكالها الشعبية والسياسية والاقتصادية وتعزيز صمود الشعب في الداخل والخارج وتمتين التحالفات مع الدول الحرة التي تساند الحق الفلسطيني بالتحرر، بالإضافة إلى المقاومة المسلحة، حيث إن هذا الاحتلال لم يأت على أرضنا ليعطينا دولة تنازعه في الأرض، وقطعا هو لن يسمح مستقبلاً بكيان لصيق له يعاديه، فهو يريد فلسطين كل فلسطين، بل أطماعه تتعدى حدود فلسطين، والتاريخ تملأ جنباته كيف تحررت الدول من استعمارها، كانت تقاوم وتخسر تارة وتكسب تارة أخرى حتى وصل بالاستعمار الى عدم مقدرته على تحمل كلفة المقاومة، فقرر أخيراً الخروج ضمن اتفاق سياسي.

نعلم هنا بأن وضعنا الفلسطيني يختلف عما سبقنا من احتلالات، فهو عدو إحلالي إجلائي جاء ليحل مكاننا وليس لنكون شركاء معه في الأرض، لذلك الأرض إما لنا (وهي كذلك بعون الله) أو لنا (بإذنه تعالى).

المشكلة لا تكمن بالمقاومة التي كلما ذُكر اسمها يئس منها البعض، المشكلة فيمن يمارس المقاومة، فلا خطة جامعة ولا توافق حول شكلها ولا زمن لممارستها، فالمقاومة الموسمية غير مجدية بل ربما تكون ضارة، ومطلوب ايجاد ترابط بين المقاومة الشعبية والدبلوماسية والسياسية والعسكرية والاقتصادية، ولا يجوز أن تعمل كل مقاومة لوحدها أو بشكل غير مترابط، وفي حال بقيت بشكلها الحالي فإنه من المستحيل أن نلمس نتائجها. لذلك من المهم إعادة الاعتبار للمقاومة من خلال التوافق على استراتيجياتها ثم الصبر والصبر والصبر على قطاف ثمارها، فكلفة الصبر على المقاومة أقل بكثير من كلفة ضياع كل فلسطين، ويمكن للمصالحة الفلسطينية التي تصل بالشعب الفلسطيني لوحدة وطنية أن تكون مدخلا للتوافق على تلك الاستراتيجية التحررية والتي نسأل الله عز وجل أن يمكّن التنظيمات الفلسطينية من التوافق عليها في اجتماع القاهرة.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".