بقلم/ د. سلامه أبو زعيتر
أي عمل جماهيري يرتبط بخدمة المجتمع وأفراده، يستمد قوته وقدرته في التأثير من مبررات وجوده وفلسفة عمله للحفاظ على استمراريته وديمومته لتحقيق الأهداف التي انطلق منها، وفي هذا الإطار سنتحدث بإيجاز عن أهداف العمل النقابي والمبررات الحقيقية لوجوده، وكيف يمكن الاتساق بها؟؟!! لتعزيز دوره ووظيفته بالنضال المطلبي لحماية مصالح العمال وحقهم بالعمل اللائق والكريم، وتأمين الحماية الاجتماعية لهم في مواجهة المخاطر والتهديدات والتحديات وتحويلها لفرص لتحقيق مصالحهم واستقرارهم بالعمل.
يقوم العمل النقابي على تحقيق جملة من الأهداف والبرامج والأنشطة، التي تتطور كاستجابة طبيعية للمستجدات والمتغيرات والنمو في أي مجتمع، والتكيف والتعايش مع الظروف والضغوطات المحيطة في بيئة العمل والميادين المرتبطه به، بما لا يوقع الضرر على الحركة العمالية ويحمي المصالح، وذلك من خلال تحقيق الأهداف التي يقوم عليها العمل النقابي وتشكيلاته ومستوياته النقابية وهي: (اللجان العمالية في مكان العمل او النقابة بالمحافظة او النقابة العامة في المحافظات الجنوبية او الشمالية والنقابات الوطنية أو الاتحاد العام للنقابات العمالية)، فجميع المستويات تسعى لتحقيق أهدافها من خلال خطط واليات تنفيذية وبرامج عمل وأنشطة وهياكل وموارد بشرية وإمكانيات مالية وتمويل لمشاريع نقابية تستهدف العمال وتنمية قدراتهم ووعيهم وتعزيز قوتهم، وحقهم بالعمل المناسب والعادل وتتركز الأهداف النقابية لخدمة الحركة العمالية وتحقيق مصالحها ومنها التالي:
يهدف العمل النقابي إلى حماية مصالح العمال والدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية، وتحسين ظروف وشروط العمل، والارتقاء بأوضاعهم المعيشية بكرامة وانسانية، ولهذا تتشكل وتنشأ النقابة العمالية، فهي تنظيم نقابي دائم ومستقل، يقوم على مبادئ الديمقراطية، ويدار وفق معايير الحوكمة، يتكون من العمال وينخرطون فيه بشكل طوعي، ويقودونه بأنفسهم وفق اللوائح والنظم التي يقرونها في مؤتمراتهم من أجل الدفاع عن مصالحهم بالطرق والوسائل النضالية المشروعة والسلمية التي يحددونها بشكل جماعي على قاعدة الشراكة والعمل الجمعي والإدارة الجماعية للعمل وفق خطة واستراتيجية تقوم على الإدارة بالنتائج، لتحقيق إنجازات وتدخلات ناجحة، ونستند لهذا التعريف للنقابة العمالية من أجل التركيز على بعض الأهداف الفرعية للعمل على تحقيقها، وصولا لاستراتيجية العمل النقابي في فلسطين والارتقاء بالواقع العمالي والنقابي، بتأصيل الفكرة والايدلوجيا، والعمل عليها، وتبني المفاهيم المناسبة والقيم الإيجابية لبناء قواعد نقابية منظمة وقادرة على تحقيق امالها وتطلعاتها وصون حقوقها من خلال تجسير وظائفها ومهامها ارتباطا بالأهداف والاستراتيجية العامة على مرحلتين وهي:
أولا/ الأهداف المباشرة والتي يتم العمل عليها بشكل يومي ودائم حيث يهدف العمل النقابي للعديد من التدخلات لصالح العمال في ميادين العمل في كافة المستويات ومنها التالي:
الحفاظ على فرصة العمل واستمراريتها وتوفيرها لكل قادر عليها.
تعزيز الاستقرار في علاقات العمل، والحفاظ على التوازن في بيئة العمل بين العمال والمشغل واحترام كرامتهم.
العمل على تحسين مستويات الأجور، وتطبيق الحد الأدنى للأجور وتحسينه، لحماية الفئات الهشة والضعيفة وغير المنظمة في سوق العمل.
توفير الحماية الاجتماعية من المخاطر، وضمان التعويضات المناسبة كالتأمينات من المرض والبطالة والشيخوخة والعجز والوفاة...الخ، والضمان الاجتماعي...
العمل على تحسين شروط وظروف العمل منها:
1تخفيض ساعات العمل اليومية والاسبوعية، وتحسين قيمة الساعات الإضافية.
2تحسين فترات الاجازات وفرص الراحة البرامج الترويحية والترفيهية.
3توفير سبل الوقاية والسلامة الصحية في بيئة العمل، والحماية من المخاطر والحوادث والامراض المهنية.
العمل على تعزيز الحريات والحقوق النقابية ومنها:
حرية العمل النقابي وتشكيل النقابات واللجان العمالية، وادارتها بدون تدخلات خارجية، والانخراط بها بدون قيود.
تعزيز الحوار الاجتماعي والمفاوضات الجماعية وتحقيق المطالب النقابية والعمالية.
تسهيل مهمات النضالية المطلبية، ومزاولة الأنشطة النقابية والنضالات النقابية وممارسة الحق بالإضراب وفق النظام والقانون بحرية.
وتحقيق هذه الأهداف النقابية يحتاج لقيادات نقابية قادرة على إدارة العمل بمهنية، وأيضا يحتاج لتطوير التشريعات والقوانين الاجتماعية العمالية المناسبة للعمال، وتحسين السياسات الاجتماعية والاقتصادية على الصعيد الوطني، بالإضافة لتمويل لكافة الأنشطة والبرامج، وزيادة الانتساب والعضوية والانتشار النقابي على مستوى القطاعات العمالية والمحافظات وأماكن تواجد العمال.
ثانيا / يسعى العمل النقابي لتحقيق استراتيجية العمل اللائق والكريم للعمال من خلال محاربة كل مظاهر الاستغلال وأساليب قهر العمال ومساومتهم بلقمة العيش:
حيث تشكل ظاهرة الاستغلال للعمال والعاملات في بيئة العمل جوهر النضال المطلبي النقابي، وهو المبرر الرئيسي لتشكيل العمال النقابات وتنظيمهم النقابي، للتوحد في مواجهة الظلم ورفع الجور الواقع عليهم في العمل، ووقف كافة الانتهاكات لحقوقهم التي انعكست على مجرى حياتهم، وتسببت في العديد من المشاكل الاجتماعية، فمجتمع الاستغلال القائم على تعاظم منافعه على حساب الفئات الضعيفة والهشه من العمال، هو مجتمع رأسمالي مستبد، وإن كانت معالمه مخفيه تحت عناوين مظلله لخصوصية مجتمعنا الفلسطيني، ولكن ما لا يمكن انكاره هو ما يتعرض له العاملين في بيئة العمل، وهذا يحتاج لاستراتيجية للقضاء على الاستغلال.
لقد كشفت أزمة وتداعيات كورونا حقيقة واقع العمل في فلسطين ونماذج الاستغلال، والتي ضربت بعرض الحائط حجم المشكلة، وضروريات التكافل والتضامن والتعاون في مواجهة التداعيات والمخاطر لفايروس كورونا ومستجداته، وهذا ما لمسناه واقعيا، فقد اختلط المستغلين ما بين مستغل لم يتضرر من المستجدات والمتغيرات، واخر قد تضرر بتفاوت في نسب الضرر والأرباح، وبدأ ينظر كيف يحقق مزيد من المنافع والتعويضات؟؟!!، وتغطية العجز من أجور العمال، او توفيرهم بالطرد من العمل أو إعادة هيكلة المؤسسة واغلاق أقسام عمل أو دمجها للتحايل على القانون، وإن لم يكن مبرر لذلك، وهذا كله يدعو العمل النقابي الى وقفه جادة وتطوير برامجه واستراتيجيته في مواجهة الاستغلال، والحفاظ على المكتسبات التي يتم تحقيقها في ظل استقرار علاقات العمل وموازين القوى الإيجابية، والتي اثبتت التجربة بأنه يتم التراجع عنها أمام أي تحدي أو مخاطر يتعرض لها المجتمع في فترة الأزمات والكوارث والاوبئة، والتي مست بالعديد من الحقوق الأساسية بما في ذلك الحق في العمل والحماية الاجتماعية.
إن العمل النقابي لا يجوز حصره بأهداف قصيرة المدى، وبعمل تقليدي وثابت، وانما يحتاج دائما للإبداع والابتكار والتفكير خارج الصندوق، والتنوع في البرامج والأنشطة وفق المستجدات والمتغيرات، وتبني أفكار وأهداف واستراتيجية بعيدة المدى حتى لا ينحصر ويتقيد ويبقى عملا ضيق الأفق، عاجز امام الواقع والتحديات لان سينعكس سلبا على العمال ومصالحهم ويضعف موقفهم، لذا فإن العمل النقابي بالمفهوم الريادي يجب أن يربط ما بين أهدافه المباشرة واستراتيجيته، وأبعادها النضالية والوطنية التي تسعى للارتقاء والنهوض بالمجتمع، وبناء مؤسساته وفق معايير الحوكمة والقضاء على كل أشكال الاستغلال والتمييز والعنف...، فحلم الحركة النقابية وتطلعاتها دائما لمجتمع خال من الاستغلال وعمل كريم ولائق وعلاقات عمل مستقرة لتحقيق التنمية والاستقرار الاقتصادي والنهوض بالإنسان العامل باعتباره أغلى ما نملك في مجتمعنا الفلسطيني، والواجب حمايته وصون كرامته وتنمية قدراته ومهاراته لأنه مركز التنمية وأداتها وهدفها.