قائمة الموقع

قدرة العرب الهائلة على صناعة الآلهة

2021-02-13T10:59:00+02:00
وليد حلس ابو يحيى مسؤول اللجنة الدعوية لحركة الجهاد الاسلامي

بقلم/ وليد حلس

خاطب الله - عز وجل - الملائكة والأنبياء والمرسلين بأسمائهم ، والشواهد في القرآن الكريم كثيرة وأقوامهم كذلك الأمر ، فقال الله -تعالى- مخاطبا النبي - صلى الله عليه وسلم -: "يا أيها النبي" ، وقال - عز وجل - : " محمد رسول الله " ، ومن آمن به خاطبه :" يا نبي الله ، ويا رسول الله " ، ومن لم يؤمن قال: " يا محمد " ، حتى وصل الحال بخير أمة اخرجت للناس ان تخاطب من هو أدنى منه مكانا وقدرا ، وأقل شأنا من الحكام والملوك ب( سيدي ، وجلالة ملك الملوك المعظم والمفدى حفظه الله ورعاه وادام الله ظل عرشه وسلطانه على الارض ) ، مع انه كان في صدر الاسلام يكنى بأمير المؤمنين وخليفة المسلمين فقط .

والنبي -صلى الله عليه وسلم -كان يخاطب أصحابه بأسمائهم، بلا تكليف ولا تكلف، ليس تقليلا من شأنهم، وهو القائل: ثلاث يصفِّين لك الود من أخيك ومنها: " أن تناديه بأحب الأسماء إليه ".

ومع تطور العصر كثرت الألقاب والمسميات ، وأصبح يقال : ( زعيم الأمة الأوحد ، وحامي الديار ، وسيادة صاحب المعالي - مع حضرة جنابه لا يملك سيادة على بيته - ، وعطوفة صاحب السعادة - وهو في الحقيقة سبب رئيس في شقاء وتعاسة البلاد والعباد - ، وصاحب النيافة فضيلة وسماحة الشيخ الدكتور العلامة وحبر الأمة الفهّامة ، ...... إلخ ) ، وإن لم تنعته بهذه الألقاب والصفات اشتاط وتمعر وجهه غضبا ليس لانتهاك حرمة من حرمات الدين والوطن ؛ بل لنفسه التي لم يحسن تربيتها وتزكيتها حتى يفلح في الدارين ، وكلما زادت الالقاب والتزلف كلما قرب وأجزل بالعطايا والهدايا .

إن كثرة التبجيل بالإطراء في المدح للقادة والمسؤولين ليس من أبواب الاحترام والتقدير لهم؛ بل هي مضرة وإساءة تجرنا نحو بداية الطامة الكبرى على طريق التأليه والتعظيم لمخلوق لا يملك ضرا ولا نفعا إلا بمشيئة الخالق، وهي مدخل لجنون العظمة، ومذلة وإهانة للمتسلقين والمتزلفين، قال تعالى: " إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ" ورحم الله الشاعر العربي المقهور على حال المسلمين بعد سقوط الأندلس حينما وصف الحال هناك، قائلا:

مما يزهدني في أرض أندلس * أسماء معتمد فيها ومعتضد

ألقاب مملكة في غير موضعها * كالهر يحكي انتفاخا صولة الأسد

لم تجد هذه الألقاب والكنيات إلا في قواميسنا العربية فقط

لأنه على ما يبدو أن جنون العظمة والتأله وإطراء الذات ، والأنا ، وحب الجاه والسلطان متأصلة ومتجذرة في العقل والوجدان العربي وجيناته الوراثية ، بحكم بيئته وحياته البدائية ؛ حيث كانت صناعة الآلهة والأصنام وعبادتها في الجاهلية مصدر مهم من مصادر التجارة والارتزاق ، فكان أحدهم يصنع الآلهة من عجوة ، فإذا جاع آكلها واذا رأى ثعلبا يبول على صنمه يخاطبه فيقول : " بئس ربٌّ يبول الثعلبان عليه لو كنتَ ربا لمنعتَه من نفسك " ، وهو مدرك حقيقه ذلك ، حتى جاء الاسلام بكلمة التوحيد :" وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون " ، ليحرره من عبادة الأصنام والعباد الى عبادة رب العباد ، ومن جور الاديان إلى عدل الإسلام ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، هكذا اختصرها العربي البسيط ربعي بن عامر ؛ الذي دخل الإيمان قلبه وبكل ثقة وشموخ قالها لملك ثاني أكبر قوة في العالم آنذاك رستم ملك الفرس .

ولقد حارب الإسلام أيضا عبودية الأشخاص لبعضهم البعض بعد تحريرهم من عبادة الاصنام، حيث قال عمر -رضي الله عنه -: " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، ولقد أعزنا الله بالإسلام بعد ذل " وكان رضي الله عنه -يضرب بالدرة من يلحق بأُبي بن كعب وهو من كتاب الوحي ويقول لهم: " أنتم فتنه للمتبوع ومذلة للتابع "، إلا أن هذا العقل لا زال إلى يومنا هذا مصرا على بقائه أسيرا لشهواته ورغباته، ويرفض كل قوانين التحرر والخلاص من براثن العبودية والاستعباد!

كما قال الشهيد سيد قطب: " العربي يحب ويعشق حياة العبودية والاستعباد، فإذا سقط السياط من يد جلاده، أمسك بالسياط فبحث عن جلاد آخر!

يحكى أن أحد الملوك استدعى الشعراء إلى قصره، فصادفهم شاعر فقير بيده جرة فارغة كان متوجهاً بها إلى النهر ليملأها، فرافق الشعراء إلى القصر لعلمه إكرام الملك للشعراء والإغداف عليهم، فلما رأى الملك الرجل وعلى كتفه الجرة وثيابه رثه، سأله: من أنت؟ وما حاجتك؟

فأنشد الفقير:

لما رأيتُ القوم شدوا رحالهم … إلى بحرك الطَّامي أتيتُ بجرتي

فقال الملك: املؤوا جرته ذهباً وفضةً .. هذا موروثنا، وفي ذلك من القصص الكثير الكثير، قد يكون أشهرها عطايا بعض حكام الدولة الأموية والعباسية للمادحين لا للكادحين، حتى كان يُعطى للأصمعي وابن أبي حفص (بكل بيت شعر مدح عشرة آلاف درهم).

لقد أوصلنا هذا الحال إلى أن يتزلف ويتسلق المحكومون للحكام بجعلهم آلهة متجبرة ومتسلطة على شعوبها، بدلا من أن نكون بطانة خير نعينهم على أعباء الحكم ونساعدهم في تقويم الاعوجاج.

يقول أحد الكتاب: ذهبت لبلد أوروبي لحضور مؤتمر، وأثناء جلوسنا في إحدى المقاهي، إذا برجل يلهو ويلعب بصخب، فقلت من هذا؟ وما به؟ وما يعرفه إلا القليل من الناس، قالوا: هذا الرئيس السابق، انتهت ولايته وأصبح يمارس حياته الاعتيادية كمواطن، فقلت:" سبحان الله !! عندنا الزعيم السابق إما في السجن، أو في المنفي أو تحت الأرض!! بعد أكثر من نصف قرن من تأليهه بوضع صورة في كل بيت وحارة وشارع، وعلى المفترقات وفي مكاتب ومؤسسات الدولة والوزارات والمدارس والجامعات، وتُصنع له التماثيل والمجسمات في الميادين حتى يصبح إلها يعبد من دون الله، وتخرج الجماهير الساذجة المغفلة وتبح حناجرها وتهتف بأعلى أصواتها بحيات الزعيم الأوحد والقائد الملهم، حتى يصبح طاغية ودكتاتور بجهلنا !! وقد يكون ليس كذلك، كم منا يعرف من الناس البسطاء والفقراء حالفهم النصيب وصنعتهم الظروف فأصبحوا من علية القوم ومن ولاة الأمر، كيف تغير حالهم بتزلف ونفاق المحكومين والمرؤوسين لهم!

هناك فرق كبير بين الاحترام والتقدير، وبين التقديس والتأليه، وهذا يتم بممارسة التربية السليمة في نظم وضبط العلاقة بين الحاكم ورعيته، الذي جاء بالأصل لخدمتهم والسهر على راحتهم لا بالعكس. أيلي أمرنا ويغفل عنا ؟!!

لقد تفنّنّا نحن العرب منذ أن حكمنا الملك العضوض في صناعة الحاكم أو القائد الإله، وإن كان تراثنا الحقيقي ومنابع علمنا تشير إلى خلاف ذلك، فهذا يقول لأبي بكر -رضي الله عنه-:( والله لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا)، وهذه تقول لعمر -رضي الله عنه -: (قال تعالى:" ولو آتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ") فقال أصابت امرأة وأخطأ عمر.

وبهذا الفهم أصبحنا سادة الأمم وقامت حضارة الإسلام من طنجة غربا، إلى جاكرتا شرقا، ومن غانا جنوبا إلى فرغانا شمالا، حتى أضعنا هذا المجد التليد بالنعرات الكاذبة والصراعات الطائفية والعرقية الطاحنة، وبالركض وراء الشهوات وهوى النفوس الطافحة بالشر والأمراض.

يقول الكاتب جعفر الوردي:

(تبدأ مرحلة الإقناع والتضليل لمجيء الرجل المنقذ المراد صنعه إلها، فيظهر الشبح المصنوع إلها، وهو مثقل من هذا العبء ، ويطلب منهم أن يتكرموا بإعفائه لأنها مسؤولية كبيرة ، إلا أن الجماهير تأبى بكل قدرتها وقوتها إلا أنت إلا أنت ..، فيأتي لاعقو أحذية الآلهة الكاذبة الخاطئة من أدعياء العلم والدين ، فيجيشون كل الأحاديث والآيات والمنامات، ويلوون أعناقها لتنطبق على هدية السماء الخالدة ، كـعبارات :( الحاكم ظل الله في الأرض ، والخروج عليه كبيرة من الكبائر ولو أخذ مالك وجلد ظهرك )!! وطبعا حفظا للقوانين والأعراف الدولية لن يتقدم للألوهية بدون انتخاب وديمقراطية، فالآلهة لا تحب الظلم، ولا تقترفه، فيرشح نفسه ، والكل جازم بأنه هو الناجح والفائز ......) . انتهى.

وهكذا يستمر مسلسل الاستغباء والاستحمار بتسويق الأوهام، وبممارسة الكذب والخداع لدغدغة عواطف الشعوب البسيطة، وتضليل الجماهير المغلوبة على أمرها.

أرأيتم كيف نحن من نصنع هذه الآلهة الطاغوتية والزعامات الكرتونية والحكام والقادة والمسؤولين الفاسدين من اللصوص والمرتزقة، وتزهق أرواحنا للدفاع عنهم وحمايتهم وحماية عروشهم وكروشهم من السقوط ؟؟!! وبعد ذلك نأتي ونقول فلتسقط أنظمة الحكم الظالمة والفاسدة؛ والتي صنعناها او شاركنا في صناعتها بأيدينا ومن بين ظهرانينا من أبناء جلدتنا عبر الجهل تارة والحماقة والتخلف تارة أخرى.

اخبار ذات صلة