بقلم/د. هاني العقاد
انتهي حوار القاهرة بالحد الأدنى من الاتفاق لكنه لم يخلوا من الايجابيات التي حددت خطوات اجرائية مهمة في سبيل تهيئة المناخات بالضفة وغزة للانتخابات العامة , البيان الختامي لم يتطرق الي كل القضايا التي من شانها تهيئة المناخات العامة وركز علي تنفيذ الانتخابات بأشكالها الثلاثة و وضع بعض الاسس التي يمكن ان تشيع مناخ ايجابي من اجل العمل السياسي بحرية ودون ملاحقة او مضايقة سلطوية سواء في غزة او الضفة , كما ان البيان تضمن بنود هامة حول اطلاق الحريات العامة واشاعة الحرية السياسية واطلاق سراح المعتقلين السياسيين والذي من شانه ان يوفر ارضية خصبة لإعادة الثقة للمواطن بجدية الفصائل بالتوجه للانتخابات لكنه لم يكن كاف حسب تقديري فقد خلا البيان من بنود تلزم الجميع بوفق الحملات الاعلامية ضد الاخر والتزام المستويات القيادية بالدفع اتجاه خلق مناخات اكثر ايجابية وعدم التعرض لمناكفات سياسية تزيد من حالة الاحباط بالشارع الفلسطيني وتزيد من الشكوك لدي المواطن بان الانتخابات يصعب اجرائها في الوقت الحالي, بالرغم من الايجابيات التي تطرح من قيادات وازنة في الحركتين وبدء عمل لجنة الانتخابات المركزية علي الارض وفتح بعض المقرات الانتخابية لتحديث التسجيل وتثبيته الا ان الشكوك لم تتلاشي بعد.
القارئ لتصريحات الاخ صالح العاروري لفضائية القدس يستبشر خيرا ويدرك ان المرحلة هي مرحلة مغادرة مربع الانقسام بالكامل دون الالتفات للوراء ويدرك ان لدي حماس حالة مؤكدة من الرغبة في التغير وممارسة الديموقراطية من جديد مهما كانت النتائج ويعرف حقيقة الاتجاه الاستراتيجي للحركة نحو الوحدة الوطنية الفلسطينية واستحقاقاتها على الارض. الرجل قاد وفد حماس الي حوارات القاهرة ووضع بصمات مهمة على طريق تمهيد الاجواء كافة لهذه الانتخابات واوجد علاقات ايجابية مع فتح تؤكد جدية الحركة وكافة اطرها ومؤسساتها للانتخابات العامة. العاروري وصف حوارات القاهرة "بانها من انجح محطات الحوار التي اجريت في مصر خلال الفترة السابقة وان هذا هو وقت المسؤولية وليس وقت تسجيل المواقف، واعتبر أن الآراء النقدية والسلبية أمام هذه المحاولة التي تهدف إلى إنقاذ شعبنا هي عمل غير مسؤول"، واعترف السيد العاروري ان الواقع الفلسطيني سلبي بدءاً من الخيارات الوطنية الكبرى وانتهاء بالحقوق الفردية واوضح ان الآراء السلبية ليست حلا لهذا الواقع.
واكد ان "الفلسطينيين الان بمن فيهم حركة حماس يشقوا مساراً مهما لاختيار من يحكمهم ومن يقرر مصيرهم ولأجل هذا فان الجميع ذاهب للانتخابات التي هي أكثر الخيارات واقعية وأكثرها سلمية ".
اليوم التالي لتصريحات السيد صالح العاروري جاءت تصريحات السيد موسي ابو مرزوق والتي اعطت مؤشرات سلبية ان هناك بعض التردد في داخل حركة حماس نحو الذهاب للانتخابات وهناك خشية حقيقية بان لا يعترف المجتمع الدولي بنتائج الانتخابات اذا فازت حماس بأغلبية والسماح لها بتشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة، وابدي السيد ابو مرزوق تخوفه من وجود مجلس تشريعي مشوه او مزور وهذا يعني ان حماس في حال استدركت هذا فأنها لن تذهب للانتخابات ولم يقتصر الامر علي السيد ابو مرزوق بل ان بعض القيادات الوازنة في الحركة بدأت تطرح مثل هكذا افتراض وهذا يدلل انه مازال افتراض في عقلية حماس ان المرحلة القادمة لها وانها تريد ان تذهب للانتخابات في حال اعترف المجتمع الدولي بفوزها وهذا يعد من المعيقات الافتراضية الغير مبررة في الوقت الحالي .
فتح من طرفها ارسلت العديد من المؤشرات الإيجابية دون خشية لا من نتائج ولا من اي عوائق للعملية الانتخابية وهذا ما صرح به السيد جبريل الرجوب علي أكثر من منصة اعلامية وقال "اننا غادرنا مربع الانقسام والان ندخل مربع الوحدة الوطنية والانتخابات تعني الطي العملي للانقسام وتعني حكومة وحدة وطنية ووحدة مؤسسات الدولة واجهزة الدولة ورعاية الدولية في كل تجليات ومناحي النظام السياسي الفلسطيني". لقد بات مهما الان بعد هذه التصريحات التي هي في جوهرها تعبر عن خشية حماس من قبول نتائج الانتخابات دوليا واقليميا ان يغادر الجميع مربع الانا ويتسابقوا لأجل المواطن لان هذا سابق لأوانه ولا يحبذ التطرق اليه حتى لا يشكل مؤشر يفهمه الشارع بان حماس مترددة في الذهاب للعملية الانتخابية. مسؤولية تهيئة المناخات الجماهيرية والسياسية والامنية وكل ما يلزم علمية الانتخابات في غزة يقع على عاتق الجميع لكن فتح وحماس بالدرجة الاولي، لعل المطلوب منهم خلال المرحلة الحالية الحفاظ العمل بأقصى درجات الحرص ومع الجميع لتذليل الشكوك الكاملة لدي المواطنين وخلق مناخ يعطي مؤشرات قوية ان الجميع ذاهب للانتخابات مهما كانت النتائج وعلي فتح وحماس الايمان بان لا أحد منهم يستطيع ان يحسم الانتخابات لصالحه او التأكد من الفوز فالمرحلة مازالت شائكة والشارع مازال غاضب من سلوك تراكمي على مدار 15 عام.
خلال مرحلة تهيئة المناخات التي من شانها ان تنجح العملية الديمقراطية يتوجب علي المستويات السياسية المختلفة خاصة لدي حماس وفتح وبعض فصائل اليسار عدم التطرف في التصريحات التي من شانها ان تزيد درجة الشكوك لدي الشارع وتدمر ما تبقي من فرص تمكنه من التغير ولا يتوجب الاستهانة بهذا المواطن لان 15 عامًا من التهميش والقمع والتجاهل ومصادرة الارادة والحقوق السياسية علمته ان يكون قارئ جيد لكل التصريحات والعبارات وحتي لغة الوجه لقادة الفصائل وبدلا من ذلك يتوجب الان التقرب من المواطن وبناء شراكة معه عبر سلوكيات تثبت انه عنصر التغير والمفتاح الاساس لهذا التغير وهو من يرسم الطريق عبر العملية الديموقراطية للوصول الي الوحدة الوطنية الشاملة .