شمس نيوز/ وكالات
يحرص عدد من الباحثين في مجال علم النفس الإدراكي على تسليط الضوء بشكل أكبر على الحيل المستخدمة في يوتيوب (YouTube) وغيرها من المواقع لتحقيق نسب أعلى من المشاهدة والتفاعل، ويطالبون بوضع ضوابط أخلاقية أكثر صرامة لعرض تلك المحتويات.
في تقرير نشرته صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، يقول الكاتب جوليان هيرنانديز إن الخوارزميات التي يستخدمها عمالقة الويب تعمل ببراعة على جذبنا نحو محتويات محددة بهدف دفعنا إلى متابعة المزيد.
خوارزمية يوتيوب
ويؤكد الكاتب أن ما يقارب ثلاثة أرباع المحتوى المعروض على يوتيوب هو عبارة عن مقاطع فيديو مقترحة عبر آليات "ميكيافيلية" مصممة لاستغلال الثغرات في الإدراك البشري، ومنها ما يُعرف بـ"النمط المظلم" (Dark patterns).
وتوضح سفيرين إريل أستاذة علم النفس الإدراكي وبيئة العمل في جامعة رين (Rennes) أن "النمط المظلم المستخدم في يوتيوب هو عبارة عن تسلسل لا نهائي من مقاطع فيديو. يتطلب الأمر أن يقوم المستخدم بتعطيل هذه الخوارزمية، وإلا ستظهر مقاطع الفيديو دون توقف".
وحسب رأيها، فإن ما يحدث في ظل تدفق تلك المقاطع هو أن المستخدم ينجذب تلقائيا نحو مشاهدة المزيد، حيث "يتغير تصورنا للوقت والمكافآت، ونرغب باستمرار في البحث عن محتوى أفضل من المحتوى السابق".
المستخدم ينجذب تلقائيا نحو مشاهدة المزيد ويرغب باستمرار في البحث عن محتوى أفضل من المحتوى السابق (رويترز)
وفي محاولة لفهم هذه الخوارزمية التي يستخدمها اليوتيوب بشكل أعمق، شاهدت الباحثة عددا من مقاطع الفيديو المتعلقة بنظرية المؤامرة المعروفة باسم "كيو أنون" (QAnon)، ولاحظت أمرين أساسيين.
الأول أن يوتيوب يميل إلى اقتراح محتوى أطول وأكثر انتشارا بهدف إبقائنا على المنصة لأطول فترة ممكنة. والملاحظة الثانية هي أن مقاطع الفيديو نادرا ما تحمل محتوى نقديا تحليليا، بل هي في الغالب مقاطع ذات محتوى عاطفي لا تدعمه الوقائع والحجج المنطقية.
وتضيف إريل "تدريجيا، جعلتني الخوارزمية أنجرف إلى فقاعة متسلسلة. تضعنا مقاطع الفيديو في حالة يُطلق عليها في علم النفس الإدراكي بحالة التدفق، وهي حالة تؤثر على الوعي وتجعلنا نفقد السيطرة على إدراكنا. إنها تجربة تسمى الاستمتاع الذاتي، وهذا ما يفسر عجزنا عن مواجهة هذا المسار الذي يستحوذ على انتباهنا بالكامل".
ومع ذلك، ترى الباحثة الفرنسية أنه لا يمكن تحميل المسؤولية بالكامل لخوارزمية يوتيوب، لأننا نحن المسؤولون بالأساس عن الدخول إلى الموقع والبحث عن المقاطع التي تنسجم مع أفكارنا ومعتقداتنا، وهو ما يُعرف بـ"الانحياز التأكيدي".
في هذا السياق، يوضح أستاذ علم النفس الاجتماعي في جامعة بروكسل، أوليفييه كلاين، أن الفرضيات التي نسعى للحصول على معلومات بشأنها عادة ما تكون فرضيات وأفكارا منتشرة على نطاق واسع، ومن ثم فإن الخوارزميات تقترح تلك المقالات والمقاطع التي تحظى بعدد كبير من المشاهدات.
حلول خجولة
يوضح الكاتب أن استحالة الفصل بين البشر وانحيازاتهم المعرفية، جعل بعض الباحثين يطالبون بتطوير خوارزميات تراعي الجوانب الأخلاقية. وتشير إريل إلى أن "هناك بعض الحلول الخجولة التي ظهرت مؤخرا. على سبيل المثال، ينصح موقع تويتر مستخدميه بقراءة أي مقال قبل إعادة تغريده. أما على يوتيوب، فسيكون ذلك للأسف أكثر صعوبة لأن المستخدم هو الذي يتحكم في عملية البحث الأولى".
ومن جانبه، يؤكد كلاين أن "المفوضية الأوروبية قدمت بعض المقترحات لجعل الخوارزميات أكثر شفافية، وتوضيح آليات عرض المعلومات".
وحسب رأيه، "يجب أن يكون هناك وعي أكبر بطبيعة هذه الخوارزميات وما نتعرض له من محتويات. لكن ذلك لن يحل مشكلة العرض التي تؤثر على قراراتنا وأحكامنا حتى إن أدركنا أن هذه المعلومات غير موثوقة أو خاطئة".