بقلم/ د. هاني العقاد
بعد صدور مرسوم الرئيس الخاص بتوفير مناخات مناسبة من خلال حماية الحريات العامة السياسية والاعلامية وضمان ممارستها وفق القانون الاساسي وقانون الانتخابات في كافة الاراضي الفلسطينية، وبعد ان انهت اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية المرحلة الاولي من مراحل العملية الانتخابية وهو تحديث السجل الانتخابي والذي انتهي الاسبوع الماضي ايذانا ببدء المرحلة الثانية بعد ايام وهي مرحلة الترشح وبناء القوائم. بلا شك اصبحت المرحلة مرحلة المواطن الان وسوف يصبح هذا المواطن فجأة مركز ومحور الاهتمام الفصائلي من الان وحتي نهاية يوم الاقتراع..!! . الملفت للنظر انه بعد 15 عام من التجاهل والانكار والتهميش للمواطن الفلسطيني، الجميع الان مشغول بإرضاء هذا المواطن بالطريقة التي يستطع من خلالها الحصول على صوته الانتخابي ليس لانه مواطن صبر وتألم وناضل من اجل البقاء والصمود في وجه الانقسام الاسود والاحتلال لكن من اجل ورقته الانتخابية ليس أكثر.
دون المواطن لن تكون هناك انتخابات، ودون ان يسارع المواطن لحشد قدراته وقوته ورأيه وصوته من اجل تصحيح كارثة كان سببها الانقسام تجاوزت كل المستويات السياسية فان الحالة الفلسطينية لن تتغير، ودون ان تعطي الحرية الكاملة للمواطن لاختار ممثليه السياسيين دون اللعب بلقمة عيشة واستغلال فقره وحاجاته فان اختياره لن يكون صحيحا ولن يصحح المسار الخاطئ الذي آلمه وقضي علي مستقبل أبنائه، ليس هذا فقط بل انه يكون قد اجبر لان يعود للماضي ويكرس مزيد من التشتت في الحالة الفلسطينية، وقد يكون ذلك سببا في ان يدوم الانقسام ويعيش فترة اخري من الزمن . المواطن اليوم يعرض في سوق النخاسة التي هي سوق الانتخابات يبيع فيه من يبيع ويشتري فيه من يشتري، الكل يتبارى لان يحدد ثمنه وقيمته المادية ,منهم من يقول ان ثمنه دولار ومنهم من يقول انه يساوي عشرة دنانير، ومنهم من يقول ان ثمنه اكثر بكثير فثمنه كابونة تعينه علي فقر الدنيا وضنكها ليس انقلابا في المفاهيم الوطنية والانسانية ولا تغيرات اصابت العقيدة الحزبية جعلت المواطن في المقام الاول من الاهتمام السياسي والانساني والمادي، الحقيقة ان السادة اصحاب الرؤي السياسية والساسة واصحاب الاحزاب والحركات التي سترشح قوائم لها اتبعت هذه الاستراتيجية المهينة لإرضاء المواطن واستغلال فقرة لأجل الورقة الانتخابية الخاصة به في صندوق الاقتراع وبعدها لن يحصل هذا المواطن علي شيء وسيعود للفقر والجوع والحرمان وان اشتكي لاحد او تأوه علي الملاء او عبر عن ذلك في مواقع التواصل الاجتماعي اصبح في وجهة نظر هؤلاء الاحزاب خائن وعميل وهذا اقل اتهام ممكن ان يوجه اليه.
مسكين هذا المواطن لن تتاح له الفرصة لحياة كريمة حقيقية سوي بضعة ايام اي بالتزامن مع الانتخابات وقبل يوم الاقتراع فقط وقد يكون مقابل هذا وقع تعهدات ومبايعات والتزامات بإعطاء صوته لمن دفع ومن اعطاه المال او المونة او كسوة الشتاء، ان لم يفعل ذلك فانه قد يدفع أكثر مما اخذ او يرجم كالشيطان ان لم يكن الجلد بسوط منقوع في ملح. سوق الانتخابات تعج اليوم بالسلوكيات الغير مقبولة ولا يمكن باي شكل من الاشكال ان يقبلها الا فاقد للإنسانية والغير قابل لان يصنع المستقبل ومن يكتفي بالحياة الان فقط. قليلون من بقيت عزة أنفسهم على حالها بعد هذا الخراب الكبير في حياة المواطن السياسية والاجتماعية والمعيشية، قليلون من يعتبروا الثمن الذي يدفع الان وقبل هذا التاريخ اهانة للإنسانية والآدمية. على م يبيعوا اصواتهم ان يذكروا أنفسهم بمراحل الانكار لوجودهم ووجود ابنائهم ويعترفوا ان من اشتراهم اليوم بعشرة دنانير يبيعهم غدا اي بعد نتيجة الانتخابات بالمجان، عليهم ان يعترفوا لأنفسهم انهم عاشوا الحرمان بسبب التميز السياسي لان الحاكم لا يعطي الا ابنائه وزبانيته واقربائه السبعة عشر. عليه ان يقول لنفسه ان الزمن الماضي كان مرحلة تركت علامات خطيرة في نفسيته لكنها كافية لان يقف بثقة امام الفرصة التاريخية الحالية ليكون مفتاح التغير الاساسي من اجل ان يعيش هو وابنائه بكرامة ومساواة وعزة نفس.
المواطن يا سادة ليس سلعة للشراء وقتما تريدون، المواطن له حقوق متساوية مع جميع ابناء الوطن لا تخضع لأي معاير سياسية ولا انتماءات ولا عصبية ولا فصائلية ولا قبلية، المواطن يعرف ان ثمنه اليوم يرتفع لكن لن يقبل ان يهان بعد اليوم، حقوقه الاساسية كفلها القانون ولا تقبل الالتفاف عليها، حقه في حياة كريمة وعيش شريف وعزة نفس يحميها القانون ودم محرم علي أحد اخذه باي شكل كان وعلى القانون حمايته بالقوة. المواطن الان يا سادة يعرف الحقيقة بكل تفاصيلها ولم ينسي ولم يفقد الذاكرة لم يتوه عن الدفاتر القديمة التي سطر فيها الالم والوجع صفحات كتبت بدموع أبنائه الجوعى والمحرومين من كانوا يذهبون للمدرسة دون مصروف ودون نعال جديدة كباقي ابناء اصحاب السلطة وابناء الاحزاب وابناء تجار الحروب وابناء الالسنة والمزودين ومن يتشدقوا ليل نهار بحب الوطن ويحلفوا بشرفهم وشرف المواطن كذبا لان وعدهم ببناء هذه الامة كان كذبا ,يعرف من باعوا الوهم للمواطن ورأي بام عينية انهم لم يبنوا سوي قلاع لأبنائهم ومصانع لأحفادهم ويشتروا سيارات الفارهة لتنقل افراد اسرهم الي الملاهي والحانات والشاليهات وبعد ساعة تعج مواقع التواصل بالصور وكل اشكال البرجوازية . المواطن يعرف يا سادة ان الوطن لم يعد مشروع استثماري، وبات علي امل ان القادم للفقراء والمحتاجين امثاله وهم من سيدافعون عن الجميع دون استثناء وهم من سيحملون رغيف العيش لكل من يحتاج دون ان يتسول.