غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

كيف ستتعامل إدارة بايدن مع طموحات إيران النووية؟

محمد جنيد

كشفت أزمة البرنامج النووي الإيراني منذ بدايتها عن مدى الازدواجية الواضحة في تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع ملف انتشار الأسلحة النووية حول العالم وخصوصا في منطقة الشرق الأوسط. وكذلك تبنت موقفا رافضا للبرنامج النووي الإيراني وقد مثل هذا امتدادا لموقفها المعادي الذي تبنته تجاه إيران منذ قيام الثورة الإيرانية عام 1979، حيث يقوم الموقف الأمريكي على أن البرنامج النووي الإيراني يتبنى أهدافا عسكرية ويهدف إلى إنتاج الأسلحة النووية ويعتبر هذا الأمر المشكلة الأكبر في المجال النووي على الساحة الدولية.

وفي حال أصرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على ربط الاتفاق النووي الإيراني بالبرنامج الصاروخي والنفوذ الإيراني المتزايد في منطقة الشرق الأوسط، فستجد نفسها أسيرة لسياسات الرئيس السابق دونالد ترامب: الاستمرار في فرض العقوبات الاقتصادية القصوى على إيران وتعميقها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.

في حال أصرت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن على ربط الاتفاق النووي الإيراني بالبرنامج الصاروخي والنفوذ الإيراني المتزايد في منطقة الشرق الأوسط، فستجد نفسها أسيرة لسياسات الرئيس السابق دونالد ترامب

هذا الخيار يفترض أن تعميق الأزمة الاقتصادية في إيران سيتسبب في رفض الإيرانيين لنظامهم السياسي وسيدفعهم للتظاهر في الشوارع وسيؤدي في نهاية المطاف إلى تغير النظام في إيران.

إن العقوبات القصوى التي فرضتها إدارة ترامب أوصلت أميركا وإيران إلى حافة الحرب لم تدفع إيران للتراجع في أي من الملفات التي تريدها أميركا.

وخلال فترة ترامب، زادت إيران عدد أجهزة الطرد المركزي ونسبة تخصيب اليورانيوم في برنامجها النووي، وبعد عدة أيام ستحرم المفتشين الدوليين من مراقبة أنشطتها النووية، كما أرسلت إيران قمراً تجسس إلى الفضاء خلال هذه الفترة، وعززت نفوذها في اليمن والعراق ولبنان وسورية وأفغانستان.

الخروج الأميركي من الاتفاق النووي أيضاً زاد من شعبية الجناح المتشدد في إيران وجعله يقترب من استلام السلطة فيها في انتخابات حزيران القادمة، لأن جناح الرئيس الحالي حسن روحاني فشل في رفع العقوبات الاقتصادية رغم قبوله بالقيود على البرنامج النووي.

البعض في إدارة الرئيس بايدن يراهن على أن العقوبات الاقتصادية إذا ما تم تنسيقها مع الأوروبيين فإنها ستكون فعالة أكثر. لكن الإيرانيين يقولون إن أوروبا لم تتمكن من الوفاء بالتزاماتها تجاه إيران بسبب التهديد الأميركي بفرض العقوبات على الشركات الأوروبية التي قد تتعامل مع إيران.

هذا يعني أن أوروبا كانت مشاركة في الحصار الاقتصادي على إيران رغما عنها، وبالتالي فإن مشاركتها الرسمية في هذه العقوبات إذا اختارت إدارة بايدن هذا الطريق لا تعني المزيد من العقوبات ولكن استمرار ما هو قائم.

المشكلة في استمرار العقوبات الاقتصادية أن أميركا ستجد نفسها قريباً أمام دولة تمتلك السلاح النووي.

إيران تمتلك المعرفة والتكنولوجيا، والتقارير الأميركية الاستخبارية (وقد يكون مبالغاً فيها لأسباب سياسية) تقول إن إيران يمكنها تفجير قنبلتها النووية خلال أربعة أشهر إذا ما أرادت ذلك.

امتلاك إيران للسلاح النووي سيعزز من ثقتها بأن بإمكانها أن تفعل ما تشاء في الإقليم دون أن يتمكن أحد من ردعها. هذا يعني أن نشاطها العسكري ونشاط حلفائها في المنطقة سيزداد من اليمن وحتى لبنان.

الهجمات على المواقع العسكرية الأميركية في العراق وسورية وأفغانستان ستزداد، أيضا الهجمات على بواخر النفط في الخليج العربي ستزداد، وقصف منشآت نفطية في الخليج العربي قد يتكرر.

في وضع كهذا ستجد أميركا نفسها مكرهة على المواجهة العسكرية مع إيران.

المواجهة العسكرية تعني عودة أميركا للشرق الأوسط بكل ثقلها، وهي مسألة لا تريدها أميركا لما تسببه لها من استنزاف لمصادرها المالية والعسكرية التي تحتاجها لمواجهة الصين وروسيا.

إذا أضفنا لذلك أن هذا قد يحدث في فترة تراجع الاقتصاد الأميركي وخسارتها لخمسة في المائة من ناتجها القومي خلال جائحة «كورونا»، فإن أي تورط جديد في منطقة الشرق الأوسط قد يفضي إلى تراجع في النفوذ الأميركي العالمي لحساب خصومها: الصين وروسيا.

هذا الخيار هو الأسوأ لإدارة بايدن، وهو ما سعى الرئيس أوباما سابقاً إلى تجنبه بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران.

هنالك بالتأكيد بديل لهذا الخيار.

أميركا بإمكانها أن تعلن عودتها للاتفاق النووي وأن ترفع العقوبات الاقتصادية عن إيران منسجمة بذلك مع ما تعهدت به عندما وقعت الاتفاق النووي للعام ٢٠١٥. وبإمكانها في نفس الوقت وبالتوازي مع إعلان عودتها إلى الاتفاق النووي أن تطرح مبادرات سلام تهدئ العديد من الصراعات الإقليمية في المنطقة.

إنهاء الحروب في اليمن وسورية وأفغانستان وفلسطين سيؤدي بلا أدنى شك إلى تقليص النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط.

يجب ألا يكون هنالك شك بأن إيران لن تتخلى عن حلفائها في منطقة الشرق الأوسط لأنهم يشكلون لها قوة ردع لحماية نفسها ومصالحها، لكن حلفاءها سيجدون أفقا آخر لتعزيز مصالحهم غير التحالف مع إيران، أو على أقل تقدير، لن تكون إيران بالنسبة لهم الحليف الوحيد الذي يساعدهم على حماية مصالحهم.

الخبر الجيد هنا أن أميركا بقيادة الحزب الديمقراطي لا تتفق مع السياسات الإسرائيلية كما هو حال الإدارة التي سبقتها. لكن الخبر السيئ هو أن هذه الإدارة كما كل الإدارات الأميركية الديمقراطية لا تريد أن تمارس الضغوط على إسرائيل لإنهاء احتلالها وهذا يساهم في استمرار النفوذ الإيراني في لبنان وإلى حد ما في فلسطين.

يجب ألا يكون هنالك وهم «عربي» بأن أميركا وحلفاءها سينجحون في منع إيران من امتلاك قدرة صاروخية لأن هذه مسألة حياة أو موت لإيران بسبب تجربتها السابقة في الحرب مع العراق ولأن كل دولة قومية لا تتخلى عن وسائل الدفاع عن نفسها.

يجب ألا يكون هنالك وهم «عربي» بأن أميركا وحلفاءها سينجحون في منع إيران من امتلاك قدرة صاروخية لأن هذه مسألة حياة أو موت لإيران بسبب تجربتها السابقة في الحرب مع العراق ولأن كل دولة قومية لا تتخلى عن وسائل الدفاع عن نفسها.

الحل هنا هو أن تقوم الدول العربية وتحديداً الخليجية بتطوير برامجها الصاروخية لتصبح أفضل مما تمتلكه إيران وهي تمتلك الإمكانيات إذا ما أرادت القيام بذلك.

وقد مارست إدارة ترامب عددا من الإجراءات العقابية ضد إيران حتى قبل الانسحاب من الاتفاق النووي، ومنها مثلا توقيع عقوبات على الإدارة الإيرانية والحجز على عقارات مملوكة للحكومة. وذلك على خلفية برنامجها الصاروخي الباليستية وسياستها في المنطقة والتي اعتبرتها إدارة ترامب تهديدا للأمن الإقليمي والعالمي.، وقد أعلن الرئيس الأمريكي في شهر مايو 2018 انسحاب بلاده الفعلي من الاتفاق النووي الذي أبرم بين إيران والسداسية الدولية (مجموعة 5+1) ، وصولا إلى فرض العقوبات الاقتصادية عليها وكان أبرزها في شقها الأول بتاريخ أغسطس 2018 وشقها الثاني في نوفمبر 2018، ثم عقوبات متعاقبة ابتداء من أبريل 2019، وذلك رغم معارضة حلفاء الولايات المتحدة من الأوروبيين والعديد من مسؤولي الإدارة الأمريكية، ونواب الكونجرس من الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

وتصاعدت حدة العقوبات حينما وضعت إدارة ترامب الحرس الثوري الإيراني وفيلق القدس على لائحة التنظيمات الإرهابية. ما دفع إيران الرد بالمثل من خلال إعلانها الجيش الأميركي منظمة إرهابية. هذه الحدة لم تقف عند هذه الحدود إذ استهدفت العقوبات مسؤولين بارزين في إيران على رأسهم المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وعلماء نوويون بل وصلت إلى حد إدخال دبلوماسي إيران الأول محمد جواد ظريف على قائمة العقوبات. واعتبرت حزمة العقوبات التي طالت رؤوس النظام الإيراني الأشد منذ بدء العقوبات في أغسطس 2018.

وقد تجلت الدوافع الأمريكية تجاه فرض المزيد من العقوبات على إيران كرد فعل نتيجة توالي الهجمات على ناقلات النفط في الخليج، موجهة بذلك الاتهام إلى طهران بأنها هي المسؤولة على هذه الهجمات مع نفي الأخيرة لكل هذه الادعاءات.

أكدت إيران رفضها الدائم لهذه العقوبات وأنها لن تدخل في أي مفاوضات في ظل وجود واستمرار العقوبات، مؤكدة سعيها لتجاوز كل العقبات التي قد واجهت ولازالت تواجه اقتصادها جراء سياسة تضييق الخناق التي تنهجها إدارة ترامب ضدها

وفي خضم ذلك، فقد أكدت إيران رفضها الدائم لهذه العقوبات وأنها لن تدخل في أي مفاوضات في ظل وجود واستمرار العقوبات، مؤكدة سعيها لتجاوز كل العقبات التي قد واجهت ولازالت تواجه اقتصادها جراء سياسة تضييق الخناق التي تنهجها إدارة ترامب ضدها، مبرزة في الوقت ذاته أن الأهداف الخفية للإدارة الأمريكية هي السعي لتغيير نظام الحكم في إيران بمعية حلفاء واشنطن في منطقة الشرق الأوسط.

وتسعى إيران لإعادة العمل بالاتفاق، ضمن الشروط التي اتفق عليها في اطاره، والذي تعتبره إيران اتفاقاً دولياً متعدد الأطراف أقر من قبل مجلس الأمن بقرار أممي غير قابل للتفاوض أو لتغيير أطرافه. وكان ذلك الاتفاق قد رفع عن إيران عقوبات رئيسية وقيد جزئياً أنشطتها العسكرية والنووية وفق جدول زمني شارف على الانتهاء. وتعد العودة إلى ذلك الاتفاق ضمن ذلك الجدول مكسباً كبيراً لإيران.

ولا تتردد إيران اليوم في التلويح دون مواربة بجميع الأوراق التي بحوزتها في وجه الإدارة الأميركية الجديدة، والتي من شأنها تحقيق ذلك الهدف، والمتمثل باستعادة الاتفاق النووي.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".