لطالما تحسر الشعراء في قصائدهم والمغنون في ألحانهم والكُتّاب في سطورهم عن ماذا يفعل المحب البعيد؟ كيف يواسي نفسه وهي تجلده ماذا فعلت وقدمت ؟ كيف يتغلب على أفكار تجعله يلعن الجغرافية في نفسه ألف مرة إذ فرقته بالمسافة؟ وكيف يشعر بالرضا إذا مرت صورة جميلة للمكان فتتمتع بها عينه قبل أن تقول له بأي حق ترى وتتمتع؟! … هو نفسه البعد جعل فريقاً بطابع نسائي بامتياز يتخذه اسماً له ويستغل المسافة في الفهم والإدراك والعمل للقضية ونصرتها.. فريق “مرابطات عن بعد” أجاب عن السؤال في القصيدة واللحن والسطر بالعمل المثابر والكثيف والمخطط له بدقة.. من 31 دولة عربية وأجنبية يبعثن بجهودهن البعيدة القريبة سراجاً له.
عن فريق المرابطات
انطلق الفريق في 13 تموز عام 2019 بنشر تصميم وفيديو بعنوان "رجعولي حجابي" نصرة للأسيرات الفلسطينيات، ويهدف في نشاطاته إلى نصرة الأقصى والقدس بشكل خاص والقضية الفلسطينية بشكل عام، يتكون هيكل الفريق من مجلس الإدارة والمشرفات والمرابطات من أصول وأعراق وفئات عمرية مختلفة. وعن تسمية الفريق قالت إيمان كردية، إحدى مؤسسات الفريق، لـ"القسـطل" "اسم الفريق (مرابطات عن بعد) هو لتقريب العضوات قدر الإمكان لفكرة الرباط في المسجد الأقصى، فيعزز لديهن فكرة أننا موجودات ونستطيع أن نفعل شيئاً"، مضيفة: "في التعامل بيننا ننادي كل عضوة في الفريق باسم (مرابطة) ما يجعل للاسم وقع خاص في قلوب المنتسبات للفريق".
لا يعتمد الفريق على مواقع التواصل كواجهة أساسية له، كما تشير إيمان "فقد أنشئت قناة التلغرام للفريق كمرحلة لاحقة.. تويتر قام بإغلاق حساب الفريق ولكن هذا لم يؤثر قط على سير عملنا.. فكل مرابطة هي واجهة أساسية من خلال نشر كل منهن مهمة واحدة على الأقل يومياً بحيث تكون مواكبة للأحداث وتخدم القضية.. فكل مرابطة واجهة إعلامية، تقتدي بمرابطات القدس في النصرة كل من موقعه في الرباط إما في التصوير أو الكتابة أو الإلقاء أو نقل الأخبار والمعارف".
وعن شروط الانضمام للفريق فيفتح فريق مرابطات عن بعد باب الانتساب لجميع الفتيات.. "التنوع مهم في الفريق؛ ولكنا لا نرفض أحداً" توضح إيمان.
تجربة الإشراف في "مرابطات عن بعد"
يقوم الفريق بتنظيم دورات ومحاضرات معرفية وإيمانية للمرابطات بشكل دوري ضمن خطة إعداد لهن من جميع النواحي .. "نتناقش مع المرابطات في مواضيع يجب على كل مرابط أن يعرفها سواء كان رباطه عن قرب أو بعد" تقول إيمان.
أما عن طبيعة الإشراف فتتلخص في قيام المشرفة بإرسال مهمات يومية للمجموعة التي تشرف عليها ومتابعة التنفيذ للمهام، وهذه المهام هي مواضيع للنشر من قبل المرابطات على وسائل التواصل الاجتماعي إضافة إلى غرس أهمية وبركة العمل لأجل القدس والمسجد الأقصى.
وتروي ملاك قنديل، 15 عاماً، من الأردن عن تجربتها كمشرفة في فريق (مرابطات عن بعد) قائلة: "كان عندي ميول واهتمام بالقضية الفلسطينية وسمعت عن الفريق بعد يومين من انطلاقه ولفتني المسمى وانضممت له.. ما يزيد الفريق تنظيماً هو وجود مشرفات تتابع المرابطات وتنظم المهام وتقسمها وفق جدولة معينة؛ فالعمل عن جهل يضر القضية في بعض الأحيان لذلك علينا أن نعمل عن علم وتخطيط وتنظيم".. وتصف ملاك إشرافها بالفريق بأنه عمل سهل وصعب في الوقت ذاته ولكنها تشعر ببركته لأنه يخص المسجد الأقصى.
وبالنسبة للمشرفة ليال محمد، 37 عاماً، من لبنان فقد وجدت في الفريق الفرصة لتعويض التقصير الذي تحس به ما زاد ارتباطها وتعلقها هي وأولادها بالمسجد الأقصى وفلسطين، موضحة لـ"القسطل" "قرار انضمامي للمجموعة جاء نتيجة شعوري الدائم بالتقصير تجاه قضيتي الفلسطينية، وتجاه الأقصى ودائماً ما كنت أحاول أن أجد ما يمكن أن أقدمه لقضيتي".
وتتابع قائلةً "كوني معلمة حاولت توصيل القضية لطلابي حتى جاءت الفرصة ووجدت مرابطات عن بعد ولم أتردد أبداً بالانضمام فبدأت كعضو في الفريق وكنت أحرص دائماً على متابعة المحاضرات التي تتاح لنا في الفريق حتى اختارتني إدارة الفريق -ولله الحمد- أن أكون مشرفة على مجموعة سوريا ولبنان".
وترى ليال أن هناك أهمية بالغة للمعلومات والمعرفة بكل ما يخص القضية "لأن ما لا نفهمه لا نملكه فلن نملك القضية ولا الأقصى حتى نفهم كل ما دار ويدور حوله.. لا يوجد نجاح وتحرير دون علم فالرسول عليه الصلاة والسلام أعدّ العمل وزرع في الصحابة أهمية العمل للمسجد الأقصى حتى أتى اليوم الذي كان حرر الأقصى الخليفة عمر رضي الله عنه".
مرابطة عن بعد
الأقصى بالنسبة للمصرية منى سامي، 25 عاماً، كان حلما، فقد رأت في إحدى الليالي أنها ترى رسالة تذكرها بخدمة الأقصى وبحثت عن فريق يساعدها فوجدت “مرابطات عن بعد” على فيسبوك. “في أثناء عرضهم للفورم الخاص بالفريق وجدت فيه ما كنت أبحث عنه من خدمة الأقصى من مكاني عن بعد وهو ما لفت انتباهي وجعلني أقبل على الانضمام بحماس المشتاقين.. والآن كل يوم تُعرض علينا مهمة نشر مرفقة بفيديو أورابط لمحاضرة أو صورة تعريفية نقوم بنشرها في كل مواقع التواصل الاجتماعي علنا بها نكون قد نشرنا القضية للعامة” تقول لـ"القسـطل".
وتروي أكبر المرابطات المنتسبات في الفريق، الأردنية هنا عدنان، 62 عاماً، لـ"القسطل" عن أثر التجربة في حياتها: "ازداد التصاقنا وحبنا لفلسطين والقدس والمسجد الأقصى وازدادت ثقافتنا المقدسية والمعلومات عن معالم المسجد الأقصى والأحداث اليومية التي تحدث فيه، إذ يوجد منشورات عن القرى المهجرة وعن الأسرى وما يعانونه في سجون الاحتلال، وأخبار المرابطات، ومسابقات عن معالم الأقصى، ويتم تشجيعنا لدعم صفحات مقدسية، والإعلان عن أي دورات تهتم بالشأن المقدسي وقراءة الكتب، وتذكيرنا بالأذكار اليومية، وعقد لقاءات مفيدة على الزوم".
إنجازات الفريق
ترى إيمان أن "الرباط عن بعد لا يختلف عن الرباط عن قرب فكل منهما له أساليبه الخاصة”. ويعتبر الفريق أنه نجح بمد جسور بين مرابطات القدس ومرابطات عن بعد؛ وهذا يمكن الكشف عنه وملاحظته بما يوصلنه المرابطات المقدسيات عن شعورهن بالسعادة بالتواصل والتعامل مع مرابطات الفريق.. وهذا الشعور بالنسبة للفريق يعطيه أثر أنه قام برفع معنويات اللواتي يقفن على خط الدفاع الأول.
وقام الفريق بطباعة مصحف "مرابطات عن بعد" ووضع نسخ منه في مصلى باب الرحمة وفي مقام النبي موسى، ويعمل الآن على مشروع يخص ذكرى الإسراء والمعراج. كما قامت عضوات في الفريق بتأسيس فرق انبثقت من فكرة ” مرابطات عن بعد” منها: فريق “مترجمون لأجل القدس”، و”فريق القدس أمانتي-العراق”، وفريق “القدس أمانتي- لبنان”. إضافة إلى العديد من اللقاءات والفقرات والدورات التي يعقدها الفريق بشكل دوري.
مقاومة واعتقال عن بعد
"تأسيس الفريق كان هدفه الأساسي أن نلزم ثغرنا قدر الإمكان" تقول إيمان، التي ترى أن اعتقال شعار الفريق أثناء قيام إحدى المرابطات بتصويره في المسجد الأقصى، أشعرهن بأنهن يقاومن الاحتلال عن بعد.