يصادف اليوم الذكرى السنوية الثامنة لرحيل السيدة المجاهدة " خنساء فلسطين " أم نضال فرحات ، هذه المجاهدة العظيمة التي قدمت أعز ما تملك من أجل الوطن ، ورحلت بعد حياة حافلة بالعطاء ربّت فيها أبناءها على موائد القرآن وحب الوطن .
نقف اليوم بإجلال وإكبار أمام ظاهرة عظيمة .!
نقف والكلمات تتلعثم في الأفواه عاجزة عن الكلام والوصف .!
ظاهرة " خنساوات فلسطين " التي أرست قواعدها المجاهدة العظيمة مريم محمد يوسف محيسن " فرحات " والشهيرة بـ " أم نضال فرحات " النموذج الأبرز لجهاد الأم الفلسطينية المسلمة التي ما تركت التضحية لأن تكون خيالات وشعارات ، بل استطاعت أن تجعلها واقعاً يعيشه كل المراقبين لسيرة حياتها المجيدة .
هذه المرأة العظيمة مدرسة بأكملها . . بإيمانها . . بتواضعها . . بصبرها ، وثباتها ورباطة جأشها . . إنها حجة على الأمة جميعها، وقفت شامخة بكل تواضع تدعو إلى الجهاد، تدعو الأمهات وتدعو شعب فلسطين وتدعو المسلمين جميعـًا .
هذه الأم الفلسطينية المجاهدة التي دفعت ولدها في ظلمات الليل لتجعل من جسده شعلة مضيئة على طريق تحرير فلسطين ، وهي التي أوت في بيتها القائد المجاهد الشهيد عماد عقل ، والتي كانت تستشعر أمومتها لكل مجاهد فلم تؤثر الصمت ، وظهرت في شريط الفيديو وهي تودع ابنها المجاهد وهي تعلم أنه لن يعود إليها .
ظهرت في الشريط وهي تعلم أن هذا قد يعرضها للأذى ، ولكن ظهورها أمر ضروري ليكشف عن حياة هذه الأمة وحيويتها ، و لتؤكد إن الأمة التي أنجبت الخنساء قادرة على أن تنجب خنساوات كثر في كل عصر طالما أن المحرك هو نفسه الذي حرك الأوائل ، ألا وهو الإيمان .
عاشت المجاهدة العظيمة " ام نضال فرحات " لفكرة ، ودافعت عنها ، وقدمت الغالي والنفيس ، وربت الرجال لتخلدهم احياء في جنات الخلد في عليين ، وماتت لتزرع بموتها شجرة مثمرة في قلوب من عاش تفاصيل حياتها ومماتها .
أم نضال هي أم الأسير ، وهي أم الثلاثة شهداء محمد و نضال ورواد فرحات ، وقد قصف منزلها أربع مرات من قبل طائرات العدو الإسرائيلي .
عندما تسمع عنها يخيل إليك أنها أتت من زمان غير زماننا ، أو أن عاطفة الأمومة نُزعت من قلبها ، وغُرس بدلا منها حب المقاومة والوطن ، كيف بها تطلب من ابنها إيواء مطارَدين لجيش الاحتلال في بيتها رغم معرفتها أنها يمكن أن تفقد أولادها الستة لهذا السبب .؟!
وكيف تدفع بابنها "محمد" ليتسابق في نيل شرف مقاومة جيش الاحتلال، وتوصيه بالثبات حتى يلقى ربه شهيداً .؟!
مريم محمد فرحات " أم نضال فرحات " نذرت أبناءها لله ، فقالت لهم ذات يوم : محمد.. نضال.. مؤمن.. حسام .. وسام.. رواد.. أرضكم مدنسة وأنتم تنظرون ، أريدكم منتصرين أو على الأعناق محمولين .!
استجاب الأبناء البررة للنداء على الفور ، لأنهم بكتاب ربهم مؤمنون، وبسنة نبيهم متمسكون .
وسام دخل ظلمة السجون الصهيونية بعد أن ضاق به المحتل ليقضى 11 عاما في سجون الاحتلال الإسرائيلي ، أما محمد ونضال ورواد فقالوا :
" إنا لفلسطين منتقمون"، فكان نصيبهم أنهم في حواصل طير خضر يسرحون ويمرحون إن شاء الله .
لم تجزع ام نضال عن سماعها بنبأ استشهاد اي من ابنائها ، بل قالت بصوت ملؤه الثبات انها مستعدة لتقديم كل ابنائها للمقاومة .
ليس غريبا على مثل هذه الأم أن تتمنى أن يرزق الله جميع أولادها الشهادة وحب الاستشهاد ليسيروا على درب الشهيد عماد عقل ، وهي القائلة :
" من يحب الله والوطن فلا يتوان عن تقديم أبنائه فداء له، والأم التي تحب ولدها تطلب له النجاة في الدنيا والآخرة وتدفعه للجهاد ولا تجزع عند فوزه بها، ولا تشمت الأعداء بشعبنا بدموعها على شاشات التلفزة ".
لم تبدأ فصول مقارعة السيدة المجاهدة أم نضال فرحات للعدو الصهيوني بدفع ابنها "محمد" للجهاد، بل في عام 1992م حيث آوت في بيتها المتواضع المناضل الذي وصفه الإسرائيليون بـ " ذي الأرواح السبعة ". . إنه القائد المجاهد البطل "عماد عقل" قائد الجناح العسكري لحركة "حماس" الذي قال عبارته المشهورة :
"إن قتل الإسرائيليين عبادة أتقرب بها إلى الله" ، والذي استشهد في منزلها يوم الأربعاء 24/11/1993م بعد أن تحول إلى جبهة حرب بينه وبين ما يزيد عن مائتي جندي صهيوني قبل اقتحامهم المنزل واستشهاد عماد عقل .
أم نضال فرحات :
نشعر أولا بالفخر.. ونشعر ثانية بالخجل حين نقف أمامك ، أمام أم حنون قامت بعمل عجزت عنه أعتى الرجال حين أبعدوا أبنائهم عن ساحة الجهاد والفوز بالجنة ليستمتعوا بصحبتهم .
كم انت عظيمة ، وكم زرعت الامل في نفوس القاعدين الخاملين ، ومن كلماتك رسمت خيوط الانتصار .
ايقونة فلسطين :
نحن بحاجة إلى مدرستك لنتعلم منها دروس التضحية والثبات وقوة الإيمان ونستخلص منها العبر بان الآجال مقدرة من عند الله ، وأن الفوز بالشهادة هو الانتصار الحقيقي والمنتظر .
كنت مثال الأم الحنونة ، وكنت نموذج الأم المعطاء والمحسوس والمجبول بدم فلذات الأكباد .
ربما قدمت أبنائك قربانـًا لشيء عظيم ، وفقدتيهم في يوم عظيم ، ولكن لا تنسي أيتها الأم الحنونة بان كل أبناء فلسطين هم أبناؤك ، وما أروع هذا الشرف الذي سيتباهى به كل أبناء فلسطين .
أم نضال فرحات:
ليتقبل الله جهادك وتضحيتك وصبرك و استشهادك ، ويتقبل أبنائك الثلاثة محمد و نضال و رواد مع النبيين و الصديقين والشهداء و الصالحين ، ويجمعك بهم و بجميع الشهداء الأبطال الأبرار في مقعد صدق عند مليك مقتدر .