بقلم/ عادل أبو هاشم
يصادف اليوم الثلاثين من مارس ( آذار ) الذكرى الخامسة والاربعون لانتفاضة الشعب العربي الفلسطيني في الأراضي المحتلة منذ عام 1948م والتي تعرف ب ( يوم الأرض ) ، والذي يشكل معلما بارزا في حياة نضال الشعب الفلسطيني باعتباره اليوم الذي أعلن فيه هذا الشعب عن تمسكه بأرض آبائه وأجداده، وتشبثه بأرض وطنه وحفاظه على هويته وحقوقه الوطنية في وجه محاولات تبديدها، وفي وجه مؤامرات الاستيلاء على الأراضي العربية وتهويدها، وإقامة المستوطنات عليها تنفيذا لمخطط صهيوني يقضي بتهويد كل فلسطين، وتصفية الإنسان العربي على أرضها بكل الوسائل القمعية والوحشية واللاأخلاقية.
يوم الأرض هو يوم الانتفاضة الوطنية العارمة التي تفجرت في 30/3/1976م على شكل اضراب شامل ومظاهرات شعبية في جميع المدن والقرى في فلسطين المحتلة منذ عام 1948م احتجاجا على التعسف الصهيوني وسياسة التمييز العنصري ومصادرة الأراضي التي تمارسها سلطات الكيان الصهيوني ضد أبناء الشعب الفلسطيني الصامدين على أرض الوطن منذ عام 1948م، ومحاولة هذا الكيان اقتلاعهم من أراضيهم،وتمزيقهم الى مجموعات صغيرة منعزلة، والتضييق عليهم بمختلف الوسائل والأساليب القمعية.
لم تكن انتفاضة يوم الأرض وليدة صدفة، ولم تكن كذلك نتيجة السبب المباشر الذي أشعل فتيلها وهو مصادرة دفعة جديدة من الأراضي الفلسطينية، بل كانت وليدة مجمل الوضع الذي يعانيه الشعب الفلسطيني في فلسطين المحتلة منذ قيام الكيان الصهيوني.
فمنذ نشوئه دأب الكيان العنصري الصهيوني على ممارسة سياسة تهويد الأرض العربية واقتلاع المواطنين العرب من أرضهم التي انغرسوا فيها منذ أن وجدت الأرض العربية، ولم تكتف سلطات الاحتلال الصهيوني بمصادرة أراضي العرب الذين طردوا من أرضهم، بل عملت تباعا على مصادرة ما تبقى من الأرض التي بحوزة الذين ظلوا في أرضهم.
وكانت السلطات الإسرائيلية قد صادرت بين أعوام 1948 م و1972م أكثر من مليون دونم من أراضي القرى العربية في الجليل والمثلث، بالإضافة الى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي العربية التي اضطر أصحابها للهجرة الى خارج فلسطين المحتلة عام 1948م نتيجة العدوان الصهيوني.
لقد كان الجليل الذي احتفظ رغم كل المؤامرات الصهيونية بأغلبيته العربية هو المكان الذي أمعن فيه الصهاينة بتطبيق سياسة التهويد، لذلك أعلنت الحكومة الاسرائيلية في أوائل عام 1975م عن مشروع لتهويد الجليل باسم ( مشروع تطوير الجليل )، وكانت أهداف المشروع كما نشرتها وزارة الزراعة الإسرائيلية هي:
تحويل إقليم الجليل الى منطقة ذات أكثرية يهودية.
ضمان توزيع صحيح للسكان .
تعزيز اقتصاد السكان الموجودين فيه والذين سينضمون إليهم في المستقبل.
إضافة 8 قرى صناعية مما يتطلب مصادرة 20 ألف دونم من الأراضي العربية.
لقد جاءت أحداث يوم الأرض تتويجا لتحركات ونضالات جماهيرية طويلة تكثفت بشكل خاص في الشهور التسعة التي سبقت يوم 29/2/1976م. وهو اليوم الذي قامت فيه السلطات الإسرائيلية بمصادرة نحو 21 ألف دونم من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل الأوسط منها عرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواد وغيرها لتخصيصها لإقامة المزيد من المستعمرات الصهيونية في نطاق مخطط ( تهويد الجليل ) ومحاولة إفراغه من سكانه العرب الذين يشكلون نصف مجموع السكان هناك.
وقد شارك في أحداث يوم الأرض، الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة عام 1967م ، وأصبح يوم الأرض مناسبة وطنية فلسطينية وعربية ورمزا لوحدة الشعب الفلسطيني التي لم تنل منها كل عوامل القهر والتمزق، وذكرى للتلاحم البطولي للشعب الفلسطيني داخل فلسطين المحتلة.
وقد بلغت حصيلة انتفاضة يوم الأرض ستة من الشهداء الفلسطينيين العرب الأبرار الذين رووا بدمائهم الطاهرة أرض الآباء الأجداد وهم: خير ياسين من عرابة، وخديجة قاسم شواهنة من سخنين، ومحسن طه من كفر كنا، ورجا أبو ريا من سخنين، وخضر فلايلة من سخنين، ورأفت علي زهيري من مخيم نور شمس بالضفة الغربية واستشهد في الطيبة.
وأصيب 49 مواطنا فلسطينيا بجراح، واعتقل 300 مواطن فلسطيني وأصيب 20 من شرطة وجنود العدو الاسرائيلي.
إن يوم الأرض يوم قاس طويل من تاريخ قاس طويل، خاضت خلاله جماهير الشعب الفلسطيني معارك شرسة ضد العدو الصهيوني، وتعرضت فيه للاعتداءات الدامية. وقدمت تضحيات غالية من أجل البقاء على أرض الآباء والأجداد وتصفية الوجود الصهيوني العنصري الاستيطاني.
واليوم تكتسب ذكرى يوم الأرض معنى خاصا متميزا مع تصاعد الهجمات البربرية لرعاع المستوطنين وقوات الاحتلال الصهيوني الذين يشنون حرب إبادة ضد الشعب الفلسطيني الذي يسطر أبناؤه بدمهم أروع معاني البطولة والتضحية، ويخلدون المآثر الناصعة في سفر التاريخ، ويهبون هبة رجل واحد للدفاع عن أرضهم ووحدتهم ومصيرهم الواحد.
يأتي يوم الأرض والمسجد الأقصى الأسير يستصرخ العالم الإسلامي بفك أسره في ظل محاولات صهيونية يومية لجعل الأرض المباركة عاصمة موحدة وأبدية لإسرائيل ومن خلال الاقتحامات اليومية لرعاع المستوطنين وجنود الاحتلال للاقصى المبارك .
إن قصة الأرض هي قصة الشعب الفلسطيني مع الحركة الصهيونية، وبالتالي فإن التشبث الفلسطيني بأرض الوطن فلسطين هو لب الصراع مع الحركة الصهيونية ونتاجها المادي الدولة الصهيونية.
ومن هنا فإن قصة الأرض هي قصة التشبث بها ومد الجذور عميقا في جوفها ضد محاولات الصهاينة والتهويد والاستلاب.
فتاريخ النضال الفلسطيني الزاخر يتركز حول التمسك بالأرض، لكون النضال من أجل الأرض هو في الأساس نضال ضد الوجود الصهيوني المفتعل فوق أرض فلسطين.
إن يوم الثلاثين من آذار.. يوم الأرض.. هو يوم الوطن.. يوم الشعب الفلسطيني.. يوم الرفض للمشروع الصهيوني.. يوم الإعلان عن حق الشعب الفلسطيني في بقائه على أرضه.. هو يوم الإعلان عن إصرار الشعب الفلسطيني على ممارسة حقوقه كاملة.
هو رمز عزة الانسان الفلسطيني و كرامته .
يا جرحنا الحي تشبث..
واضربي في القاع يا جذور ..