غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

سراب الانتخابات.. والدجل السياسي

ثابت العمور
بقلم/ ثابت العمور

جاء في تعريف السراب أنه ما يُشاهد نصف النهار من اشتداد الحر كأنه ماء؛ وقيل بأنه ما لا حقيقة له ، ووصف بأنه وهْم أو مظهر مُغرٍ وخادع. والناظر للانتخابات والقوائم التي تجاوزت 25 قائمة انتخابية موزعة ما بين حزبية وعشائرية وحراك ومستقلين، يُخيل إليه أنه أمام حالة سياسية مكتملة السيادة والريادة، تسمح مواقعها وواقعها بالذهاب إلى هذا السراب المسمى انتخابات، وقد جاء في لسان العرب لابن منظور، أن الانتخاب من فعل نخب، "ونخب: أي أنتخب الشيء أختاره. فهل اختار الشعب الفلسطيني قرار الانتخابات ؟! وهل بإمكان أهالي القدس المشاركة في هذا الحق والواجب دون الرجوع لموافقة الاحتلال؟، وما بين هاته وتلك لماذا اسُتبعدت ملايين الشعب الفلسطيني اللاجئ في الشتات من الانتخابات؟.

وإذا ما أردنا العودة لكيفية تسلل الانتخابات إلينا نجد أن خَرق السفينة بدأ من اتفاق أوسلو، الذي اشتمل على 17 بندا خُصص البند الثالث للانتخابات وقد جاء فيه نصا ما يلي : " من أجل أن يتمكن الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة من حكم نفسه وفقاً لمبادئ ديمقراطية، ستجرى انتخابات سياسية عامة ومباشرة وحرة للمجلس تحت إشراف متفق عليه ومراقبة دولية متفق عليها...".

لست بمعرض البحث هنا في علاقة أوسلو بالانتخابات تقنينها وتمريرها وتخصيص بند كامل متقدم لها، ولكن لماذا كانت آخر مرة يذهب فيها الشعب الفلسطيني للانتخابات في 25 يناير العام 2006؟. ولماذا اختصرت اتفاقية أوسلو الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة ليحكم نفسه وفقا لمبادئ الديمقراطية ولكن بإشراف دولي متفق عليه؛ ومع من متفق عليه؟.

لنتفق أولا على تعريف الشعب الفلسطيني وأرضه التاريخية والتي اختصرها اتفاق أوسلو في شعب وارض الضفة الغربية وقطاع غزة وكلاهما تحت الاحتلال، فهل تخدم هذه الانتخابات مشروع التحرير والمقاومة؟، أم أنها تقبل وتغض الطرف وتكتفي بانتخابات شعبها محصور ومختصر في الضفة الغربية وقطاع غزة ومرهونة بموافقة الاحتلال والاتفاق معه على الاشراف حتى أنه يتحكم في من ينتخب ومن لا ينتخب ومن يصبح نائب ومن يمكن اعتقاله ومنعه.

إن الانتخابات ليس رجسا من عمل الشيطان اطلاقا الا اذا كانت مقرونة باتفاق كاتفاق اوسلو، واقترانها ليس لصفة اصيلة فيها ولكن لانها بموجب اوسلو اختصرت القضية المركزية للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وكلاهما محتل ومستباح امام الاحتلال توغلاته واقتحاماته وتهوديه واستيطانه واعتقالاته وهدمه للبيوت وقصفه للآمنين.

وقد وصف الشهيد الدكتور فتحي الشقاقي رحمه الله في سبتمبر 1989، الذهاب للانتخابات قائلا: " الرؤساء لا يضيرهم كيف يكون حالُ شعوبهم، المهم أن تكرس وجودهم بصفتهم رؤساء ولتشتمهم بعدها ليل نهار، المهم أن تنحني الشعوب ويركبها الحكام... إن قانون الثورة لا يطيق "الدجل الثقافي" ولا "الدجل الإعلامي" ناهيك عن "الدجل السياسي"، لأن قانون الثورة هو قانون الروح، قانون الفطرة السلمية، قانون الواجب الذي لا يعرف حسابات البورصة، ولكن يدرك حقيقة نداء الجماهير ويتقدم لترجمة ندائها على الأرض لتصبح ثورة جماهيرية عارمة تجرف كل مخلفات أيام العبث واللهو".

فهل تُترجم هذه الانتخابات نداء الجماهير؟!؛ هل أنهت الثورة الفلسطينية مشوارها وحققت أهدافها ولم يتبق أمام ثوارها إلا كراسي المجلس التشريعي، هل تحررت القدس أم لا زالت تنتظر موافقة الحاكم العسكري الإسرائيلي ليُجري أهلها انتخاباتهم، وأي ثورة هذه التي تريق كرامتها وتلقي ببندقيتها قبل التحرير الكامل وهي تنتظر الاحتلال كي يسمح لها بالذهاب للقدس لتعود بأصوات شعبها في مزاد سياسي بائس وبخس.

لم يذهب الساسة والنواب والمرشحين للقدس لا تزورهم في أحلامهم ولا في يقظتهم إلا عندما تُستدعى الانتخابات فتتحول المدينة المقدسة التي تربط الأرض بالسماء إلى مجرد بضع أصوات، وكذبا ودجلا يقولون أنهم سيغضبون إذا ما قرر الاحتلال منع المدينة من التصويت في الانتخابات.

هكذا اُختصرت القضية المركزية للأمة في بضع أصوات وعندما غضبوا كان السبب الانتخابات، وكأنهم لا يعلمون أن دولة الاحتلال تمنع عن القدس الخبز والماء والهواء والبناء تحاصرها وتصادرها كل يوم ويتجول فيها مستوطنيه تحت حراب البنادق؛ وتسرق مترا مترا وتهود شبرا شبرا ، وهذا كله لا يهم لا يُغضب النواب لا يتوقفون إلا إذا منع الاحتلال القدس من الانتخابات وكأن القضية كل القضية بسنواتها وتضحياتها وشهدائها وأسراها وأرضها وعمقها هي مجرد انتخابات. يمتطون القدس في سبيل الوصول لمجلس تشريعي يُشرع في كل شي إلا في شرعنة محاربة الاحتلال.

من الذي قادنا إلى هذا المستنقع إلى هذا الفخ كي نتقدم بأكثر من 25 قائمة للمشاركة في انتخابات هي سراب يحسبه الظمآن عملية ديمقراطية، تستدعي كل أنواع الدجل السياسي، وتستدرجنا من الثورة والانتفاضة والتحرير والمشروع الوطني إلى مجلس تشريعي يتحكم الاحتلال في عدد نوابه وفي تفاصيله، من الذي نقل الثوار من الخنادق وحمل البنادق إلى التسابق للاشتراك في هذا الدجل الذي يختصر فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويصمت عن ملايين اللاجئين ولا يريد من القدس إلا أصواتها .

هذه انتخابات سراب لم تقرأ وجوه الناس وتوقف عند وصايا الشهداء، لكنها انتخابات تمر على معاناتهم وجرحهم وكرامتهم تسلبهم دمهم وسنين عمرهم وعندما تستدعي الدم الذي هزم السيف فقط ليكون مزادا ورافعة لها في رصيدها الانتخابي، هذه انتخابات استبدلت الثورة بالثروة وأدارت ظهرها للأرض المحتلة ولشعب ينشد الثورة فخذله الذين تتراقص امتيازات التشريعي والرئاسة عند أول فرصة لاحت لهم. فهذه انتخابات امتيازات لا انتخابات ثورة ولا دولة ولا سيادة لها ولا فيها.

أيها النواب إنكم لا تسيرون إلى مجلس تشريعي اختصر القضية في الضفة الغربية وقطاع غزة فقط، ولكنكم الآن تقاتلون وتتنافسون وتحشدون وتعدون العدة لتكونوا جزء من مشروع تسوية وترويض وقبلوكم للاشتراك في اللعبة السياسية الحاصلة يجعلكم شهود زور -شئتم أم أبيتم- على التفاوض على ما تبق من فلسطين؛ سيمر التطبيع أمام أعينكم من عاصمة إلى أخرى، وستصفقون للقاءات والمفاوضات، لأن هذه انتخابات سراب يحسبه الظمآن ماء.

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".