"الموت أرحم من هالعيشة.. إحنا حياتنا صارت جحيم".. بهذه الكلمات استقبلنا أبناء تفريغات 2005 داخل خيمتهم التي نصبوها وسط ساحة السرايا في قطاع غزة، تلك الخيمة المُحشوة بالقصص الإنسانية التي تدمي القلب، وتدمع العين، لكنها ومع ذلك لم تحرك ضمائر المسؤولين.
داخل الخيمة لا تسمع إلا مآسي حقيقة، وكلِ واحدٍ من أبناء تفريغات 2005 يشكي همه للآخر، فهذا يتحدث عن إيجار المنزل، وهذا يتحدث عن "كرت الكهرباء"، وآخر يتحدث عن "ديونه المتراكمة" على صاحب محل البقالة، وذاك يتحدث عن الحرج الذي يصيبه عندما تطلب ابنته مصروفها المدرسي، ويحدثك احدهم أنه بات يتمنى "شراء اللحمة" فلا يجد ثمنها.
في الخيمة التي تضم كماً هائلاً من المآسي إلى جانب أسِّرةٍ للمضربين عن الطعام وضعت لافتاتٍ تناشد الرئيس والحكومة وأصحاب الجاه والسلطان بأن ينهوا معاناتهم المتواصلة منذ 15 عاماً، وأن يحققوا مطالبهم، وان يحفظوا لهم ماء وجهوهم؛ "لكن لا حياة لمن تنادي".
في الركنِ الأيمن من الخيمة البائسة كان يجلس الشاب نضال سليلة، الذي ظلَّ طوال الوقت مستغرقاً في التفكير والسرحان، حتى ظنناه أقل الموجودين معاناة، فقال: "عن شو ولا شو بدنا نحكي".
"كنتُ أظنُ أنَّ الأمثال لا تكذب لكنها يبدو غير ذلك، فجاء في الأمثال من كانت بدايته محرقة كانت نهايته مشرقة.. لكنني ومنذ أن ولدت وأنا أكافح واكافح ولكني اليوم أحترق بنار التهميش"، هكذا بدأ سليلة حديثه لمراسل "شمس نيوز".
ولم يعد يكترث نضال سليلة إلى شكوى أقرانه من تفريغات 2005، فيشير بإصبع سبابته نحوهم، قائلاً "هؤلاء أموات، أصبحوا جثث هامدة من التهميش، عن أي حياة يتحدثون".
وأكثر ما يحير نضال سليلة هو جهله للسبب الحقيقي وراء تهميشهم، والصمت على المعاناة التي يعيشونها، قائلاً: "نموت ولا أحد يشعر بنا".
سليلة ينظر إلى الخيمة التي يحتج فيها على عدم اعتماد السلطة لهم موظفين رسميين، ويقول: "الخيمة أوسع من بيتي، عندي بيت مساحته 30 متراً فقط، ولدي من الأبناء 6، ولا أستطيع جلب الحاجيات الأساسية مثل الطعام والشراب، عن أي حياة تتحدثون؟!".
يقول: "قصتنا بدأت عام 2005 ذاك العام الذي غيَّر مسار حياتنا، كنت أدرس الهندسة، وفي ذلك العام تركت الدراسة والتحقت بكادر الأجهزة الأمنية، ولكن سرعان ما تنكرت لنا الحكومات المتعاقبة، على الرغم من أبناء تفريغات 2005 استشهد منهم أكثر من 180 شهيداً بسبب الانقسام".
وتتمثل معاناة المفرغين البالغ عددهم حوالي 7 آلاف جندي في عدم اعتراف السلطة بهم موظفين رسميين، وتتنكر لحقوقهم، على الرغم من أن هؤلاء المفرغين التحقوا في كامل الدورات العسكرية، وصدر قراراً في الأول من نوفمبر 2005 بتعيينهم، مع الإشارة إلى أن الجهات الحكومية، والأهلية، ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا) تتعامل معهم على انهم موظفين رسميين، فيحرموا من كل الخدمات التي تقدمها تلك الجهات.
يضيف سليلة: "نحن نتعرض للتهميش منذ 2005، وعلى الرغم من محدودية الأجر إلا اننا تعرضنا لخصومات كبيرة على رواتبنا، راتبي لا يتعدى 1300 شيكلاً، ومحرومٌ كغيري من زملائي من ممارسة أي مهنة أخرى".
ولم يعد يكترث سليلة إلى سيل الوعود التي قطعها المسؤولون على أنفسهم، كون تلك الوعود طحن لا طحين، قائلاً: "الوعود كلام فاضي، ونحن مستمرون بإضرابنا المفتوح عن الطعام".
ودخل أبناء تفريغات 2005 بإضراب مفتوح عن الطعام في خيمة الاعتصام بالسرايا منذ حوالي أسبوعين، في محاولة للفت أنظار المسؤولين على معاناتهم.
أمعاء خاوية
وطالبَ الناطق باسم تفريغات 2005 رامي أبو كرش قيادة السلطة الفلسطينية بضرورة حل ملفهم العالق منذ 15 عاماً، مشيراً إلى أنَّ مطالبهم تتمثل في تحقيق الأمان الوظيفي، واعتمادهم في الوظيفة العمومية مثلهم مثل باقي الموظفين الرسميين.
وأوضح أبو كرش في تصريحات لـ "شمس نيوز" أنَّ تفريغات 2005 مستمرون في إضرابهم المفتوح عن الطعام، محملاً السلطة والمؤسسات الحقوقية والصليب الأحمر المسؤولية الكاملة عن التداعيات الصحية التي قد تلحق بالمضربين داخل الخيمة، مشيراً إلى أنَّ 13 أصيبوا بنوباتٍ قلبيةٍ، وعشرة مضربين عن الطعام داخل الخيمة لليوم الرابع على التولي.
وذكر أبو كرش أن تفريغات 2005 أضربوا عن الطعام داخل خيمة الاحتجاج المقامة على أرض السرايا وسط مدينة غزة بعد تلقيهم كثير من الوعودات منذ 15 عاماً والتي لم تؤتِ أكلها، قائلاً: "كل الوعود القديمة كانت عبارة عن طحن دون طحين، فقرر المعتصمون من أبناء تفريغات 2005 أن يسمعوا صوتهم لقيادة السلطة عبر أمعائهم الخاوية من خلال إضراب الكرامة".
وتساءل أبو كرش "لماذا الاستمرار بالتعامل مع تفريغات 2005 بهذه القرارات التعسفية على الرغم من أن تفريغات 2005 الموجودين في الضفة الفلسطينية يتقاضوا رواتبهم بشكل كامل مع رتبهم حسب الأصول والقانون؟!"، مشيراً إلى أنَّ قضيتهم إنسانية، وقانونية، وطنية بـ"امتياز".