غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

بعد 17 عاماً من السجن.. الأسيرُ الشحاتيت يفقدُ ذاكرتَهُ ويُعمِينا!

الأسير المحرر منصور الشحاتيت.jpeg

قلم: علاء مطر

صِدْقاً منذ البداية، لا أعرف كيف أبدأ كلماتي، فأنا لستُ بكاتبٍ عظيم، ولا مُنجِّم أقرأ حركة الكواكب والنجوم، لن أرتّبَ الأحداث، وأمتحن المواقف وأصحابها وفقاً لمَنْ أراه يستحق، إلّا عن استحقاق الأسرى، فهم الحق والعطاء.. القضية والصمود.. زيتون الأرض وملحها، تاريخ فلسطين عبر عقودٍ من الزمن، هم المنسيّون في زمن العولمة، الأحياء في زمنٍ ماتت فيه نخوتنا.

الأسير منصور الشحاتيت (35 عاماً) قضى منهم (17 عاماً) في سجون الاحتلال ومعظمها في العزل الانفرادي، أُفرِجَ عنه وسط مشهدٍ أبكى رجال الرجال، أفرجت عنه سلطات الاحتلال بعد قضاء محكوميته كاملة، خرج إلى عائلته فاقداً للذاكرة.

الأسير الشحاتيت، لو أردنا حساب أيامه في الاعتقال وقبله، نجدها متساوية وإن كانت بفارق عام، لا يهم، فهذا العام هو مزحة التاريخ اللعين، 17 عاماً في سجون الاحتلال تعرّض فيها للتعذيب والسجن الانفرادي، أفقدتهُ عقلَه حتى أنه لم يستطِع التعرُّفَ على والدته ولا أخوانه وأحبابه عند خروجه من السجن.

17 عاماً في السجون، كان كل يوم فيها كفيلٌ بأن يشطب من ذاكرة الأسير الشحاتيت اليوم ما قبل الأسر، حتى تساوت أيام اعتقاله بأيام حريته، وبقيَت ذاكرته بدون عنوان، واكتفى بأن تبقى ملامح وجهه وجسده النحيل بطاقة تعريف له وشاهداً على جُرْم السجّان.

أيام الأسير الشحاتيت جريمة مكتملة الأركان، ارتكبها الاحتلال بحقه باْسمِ حقوق الإنسان ومواثيق الأسرى وقوانين الحروب.. أُمِعنُ النظرَ في صوره بداية اعتقاله "زهرةٌ تجعلك تبتسم لها من وسط حديقةٍ ألوانُها تشكِّل خارطة فلسطين، وعند الإفراج عنه لا تجد سوى زهرة ذبلت من نسياننا لها، تشعر وأن الخوف يسيطر عليه، معذور.. لا يستطيع التعرُّف على أحد، الجميع يقبّله ويهنئه.. يُطلِقون الزغاريد وهو لا يكثر، فالذاكرة نقشت جميع أسمائهم وأشكالهم على جدران السجن وخرج بدونها".

قمة الألم اللامتناهي.. أن تعرف والدته بحالته، وتعي أنه لن يتعرف عليها، وتذهب في كل مرة لزيارته، لا يتحدث معها، وتجلس أمامه تذرف الدموع، وتعود إلى بيتها، وتعيد الكَرّة في كل مرّة، تذهب إلى قدرها، وتكوي جرح قلبها بالنار لتكحل عينيها برؤيته وهي متأكدة أنه لا يعرفها ولن يحدِّثها، وبالكاد يبتسم لها.

17 عاماً في سجون الاحتلال، نريد مثلها وأكثر للكتابة عن معاناة الشحاتيت، التي لن تُسدِل ستارها بعد خروجه من السجن، بل ستبدأ فصولٌ جديدة من المعاناة له ولعائلته التي ستراقبه وهو يشرب السجائر ويكثر شرب القهوة وحيداً كما اعتاد أن يقضيها في السجن.