بينما تحتدم معركة الاعتراضات والطعون الانتخابية، المقدمة للجنة الانتخابات المركزية وضد اللجنة من قوائم ضد قوائم اخرى، وفي انتظار معركة الطعون والفصل من قبل المحكمة، يجد الفلسطينيون أنفسهم أمام معركة لم يختبروا أنفسهم فيها بعد، وهي معركة القدس وعلى ما يبدو عدم جهوزيتهم وقدرتهم على تنفيذ وعودهم انها ستكون اشتباك ومعركة سياسية مع دولة الاحتلال الاسرائيلي.
وهل سيتمكن الفلسطينيون من خوض معركة الانتخابات في القدس وجعلها احدى معارك الدفاع عن الوجود الفلسطيني ضد سياسة الامر الواقع واستكمال السيطرة على القدس المحتلة. والمستمرة إسرائيل في فرضها وشرعنتها.
وبدل من الوعود والشعارات وتوقع تأجيل الانتخابات، يجب القول للاحتلال والمجتمع الدولي أن القدس مدينة محتلة، ومن حق المقدسيين المشاركة في العملية الانتخابية في أماكن سكنهم، واعادة ثقة المقدسيين بالنظام الفلسطيني، الذين يشعرون بالظلم والاهمال والغربة تجاه السلطة الفلسطينية التي لم تقدم لهم شيئاً.
وفي مواجهة ذلك لم يتخذ الفلسطينيين خطوات حقيقية ونضالية لتنفيذ وعودهم بان الانتخابات في القدس ستكون حالة اشتباك مع دولة الاحتلال، وعدم انسجام ذلك مع القرار الفلسطيني والشعار المرفوع لن تكون انتخابات بدون القدس، ويبدو كأنه هروب من استحقاق مقاومة دولة الاحتلال ومخططاتها تجاه القدس.
وباستثناء المناشدات والمطالبات للمجتمع الدولي بالضغط على اسرائيل لإجراء الانتخابات في القدس، وتمكين المقدسيين من ممارسة حقهم الانتخابي لم نرى أي استعدادات سوى احتمالات التأجيل او إجراء الانتخابات عبر مكاتب البريد الاسرائيلية.
وفي انتظار اسرائيل التي لم تعط حتى اللحظة موافقة بشأن إجراء الانتخابات في القدس، ولم توافق على منح تأشيرات لبعثات المراقبة الدولية لدخول فلسطين.
أيضا تحاول إسرائيل ألا تعطي إجابة واضحة وتنتظر الفلسطينيين أن يتخذوا موقف وتأجيل الانتخابات وفقا للمعطيات الاسرائيلية التي تخشى من عدم تحقيق حركة فتح نتائج تمكنها من السيطرة على النظام السياسي الفلسطيني، في ظل الانقسام الفتحاوي ووجود ثلاثة قوائم انتخابية فتحاوية، والخشية من تحقيق حماس نتائج تحسن من وضعها بشكل يمكنها من بقاء قوتها كشريك يحاول السيطرة على النظام السياسي.
ووفقا لوسائل اعلام اسرائيلية فإن القيادة الفلسطينية تنتظر موقف من الادارة الامريكية حول إجراء انتخابات ديمقراطية وأن من سيشارك في الانتخابات ينبغي أن ينبذ العنف، والاعتراف بإسرائيل واحترام الاتفاقيات السابقة، وهي شروط الرباعية الدولية والتي طالبت فيها حركة حماس ولا تزال قائمة منذ العام ٢٠٠٦.
وفي ظل الوضع المركب الذي وضع الفلسطينيين أنفسهم فيه بالذهاب للانتخابات قبل حل ازماتهم وانهاء الانقسام، على الرغم من ضرورة الانتخابات ورغبة الفلسطينيين في اتمامها، على أمل ان تحدث تغيير ما. يظل السؤال إلى أي مدى ستحقق الانتخابات شرعية للنظام السياسي، وأي شرعية بنكهة موافقة الاحتلال.
وكيف ستتمكن مركبات النظام الجديد من انجاز شرعية وطنية واي برنامج سياسي سيكون قائم، هل العودة للمفاوضات واستمرار السلطة الفلسطينية بمهامها من خلال الاتفاقيات القائمة مع الاحتلال من التنسيق الامني واتفاق باريس الاقتصادي المذل، وسياسة الامر الواقع التي رسخها الاحتلال.
ام سيتشكل نظام سياسي وشرعية وطنية ترفض الاحتلال ومواجهة سياسة الامر الواقع، وشروطه من رفض الاحتلال ومواجهة الاستيطان والحصار، والاعتقالات اليومية في الضفة الغربية، ومواجهة القوانين التي مست رواتب الاسرى والشهداء، واعادة الحقوق للموظفين اللذين فصلوا وقطعت رواتبهم.
يستطيع الفلسطينيين التغلب على ازماتهم وانهاء الانقسام وان تكون الانتخابات بداية الطريق وجعلها معركة مع الاحتلال في القدس وفي الضفة وغزة، ومن خلال تجديد النظام الفلسطيني ومؤسساته الشرعية المنتخبة، واعادة الاعتبار للمشروع الوطني ولمنظمة التحرير والحركة الوطنية باعتبارها حركة تحرر وطني.
الواقع غير ذلك فالانقسامات داخل فتح وبين الفصائل بالغة الصعوبة، ومعركة الاعتراضات والطعون أظهرت حساسية العلاقات الـوطــنـيـة الهشة، وان التوافقات لا قيمة لها امام معركة الدخول للسلطة، وشرعنه الانقسام وتعزيره. لا يوجد في الافق أمل لتغيير حقيقي في الواقع المر، وأصبح تفاؤل الفلسطينيين في الانتخابات كابوساً طويلاً، وحلم طال انتظاره.
واسئلة الفلسطينيين هل ستجرى الانتخابات؟ وإن جرت هل ستعزز الانقسام، أم ستكون مدخلاً للتغيير وبارقة أمل في تغيير بنية السلطة وعلاقاتها؟ وبناء نظام يعزز من قيم المقاومة والحرية والتعددية والمشاركة وتعزيز صمود الفلسطينيين، ومواجهة المشروع الاستعماري الاستيطاني والعنصرية والضم الزاحف.