نبدأ بالتأكيد على أن البرلمان ليس هو الحكم ، وإنما هو شكل تمثيل الشعب أمام الحكومات والجهات السيادية المسيطرة .
ومنذ نحو ألف عام كان الحكم ولا يزال ينبع من القصر . ثم دخلت عليه الكنيسة ليصبح الملك في حماية ووصاية رجالا لدين الذين طمعوا في نصيب من هذا الحكم . فرجال الدين أرادوا المشاركة في الحكم عن طريق التقرب من السلطان ومساندته وامتداحه حتى يصبح نفوذهم هو النافذ \ ولاحقا دخل الجيش على اللعبة ليطالب القادة العسكريون بحصتهم من الحكم ، وليس الحكم كله .
فالحكم أولا وأخيرا للقصر ( وتعريف القصر هنا يختلف من مرحلة إلى مرحلة أخرى حيث اعتقد الناس أن دم الملوك مختلف عن دم العامة . وليس فقط في أوروبا وحكم الكنيسة بل في العصرين الأموي والعباسي ، ولا يزال كثيرون يعتقدون ذلك ) . ومن ليس عنده قصر اخترع قصرا وصار سادته هم أصحاب الحكم .
ولم يعد أي ملك يستطيع الحكم من دون رجال الدن ومن دون قادة الجيش \ كما يستحيل على رجال الدين أو الجنرالات لوحدهم إقامة نظام عادل يرضى عنه الناس .
ومنذ ألف عام لم يخرج الحكم الفعلي عن سيطرة ( القصر ورجال الدين وجنرالات الحروب ) . ويتفرع عن هذا تسميات لا مجال لذكرها الآن باتساع مثل النبلاء ونساء الملوك وأنسباء القصر وصولا حتى المماليك وفرسان إسبارطة .. .
بكل حال . البرلمان هو شكل تمثيل الشعب لنفسه ومهمته محددة في التاريخ ومعرّفة بالقانون . فهناك برلمانات معارضة للحاكم وهناك برلمانات مؤيدة له . ولكن ذلك لم يغير من حقيقة الحكم الملكي والرئاسة وحتى معظم أنظمة الحكم الجمهوري . وفي أمريكا يكون البرلمان معارض للرئيس وتسير الحياة السياسية غالبا دون فروقات تاريخية حادة .
فأمريكا يحكمها رجال الاقتصاد والنفوذ \ وإسرائيل يحكمها الأحزاب الصهيونية \ ومعظم البلاد العربية يحكمها السلطان أو الملك ، وأوروبا تحكمها الأحزاب والكنائس وهكذا ..
وقد لفت انتباهي أن المرشحين للمجلس التشريعي الفلسطيني بالغالب لا ينتمون تنظيميا أو فكريا أو اجتماعيا أو سيكولوجيا بشكل دائم للكتلة التي حملت أسماءهم . وإنما يمكن النظر إلى كل مرشح على حدة ، وقد يكون هذا أكثر صوابا من النظر إليه في كتلته التي ترشح عليها . وهذه مهم جدا في قراءة خارطة الانتخابات بعد أن يجري فرز الأصوات . ولنا في انتخابات النقابات مثالا صارخا على هذا . حيث رشحّ كثيرون أنفسهم في منافسة كتلتهم الحزبية أو الفكرية ، وفازوا على ذاتهم .
- مرشح الحزب - هو المرشح الذي اختاره تنظيمه لتمثيله في البرلمان ، بلا زيادة أو نقصان .
- مرشح القبيلة - هو الذي يعتمد على عشيرته وعائلته ونفوذها لتمثيل نفسه وتمثيلهم في البرلمان , بغض النظر عن الكتلة التي تحمل اسمه . بالمناسبة فان غالبية قبائل فلسطين قليلة العدد ومعظمها لا يستطيع أن يحسم كتلة واحدة في البرلمان .
- مرشح الفكرة - هو الذي يحمل فكرة ويريد تمثيلها في البرلمان ، سواء فكرة الحريات الاجتماعية أو التغيير أو محاربة الفساد . وهو يعتمد على الجامعات الذين تعجبهم الفكرة لدعمه ليفوز في الانتخابات .
- مرشح التيار - الذي خرج عن حزبه ويقود تيار مختلف في الشكل وربما في المضمون .
- مرشح طامح للنفوذ السياسي لتحسين وضعه - وهما نوعان أساسيان ( رجال الأعمال الذين يريدون نفوذا سياسيا وحماية من البرلمان - وفقراء يبحثون عن فرصة للحصول على نفوذ وحماية من البرلمان ) .
وهناك مرشح غاضب - غاضب على الأوضاع ، وعلى الأحزاب وعلى العشائر وعلى رجال الدين وعلى التيارات وعلى الدنيا كلها . وغالبا ما يفوز عدد منهم في كل برلمان . ويعطون نكهة جميلة في الحياة البرلمانية .