بقلم: تيسير الغوطي
لا احد يجادل في أهمية وموقع القدس في الوعي والوجدان الفلسطيني بل والعربي والإسلامي عموما، وارتباط أي شرعية حقيقة بدرة وتاج المدن الفلسطينية الأمر الذي يفرض وجوب الاهتمام بها والسعي الدائم والحثيث وبكافة الطرق والوسائل من اجل تحريرها من دنس الاحتلال والاغتصاب الصهيوني، لتعود وتبقى كما يأمل الفلسطينيون ومن خلفهم كل المسلمين عاصمة حرة وأبية للشعب الفلسطيني ودولته المستقلة ذات السيادة الكاملة، لذا فإن ربط إجراء الانتخابات الفلسطينية والمضي قدماً في هذا الاستحقاق الذي توافق عليه الكل الفلسطيني كبداية طريق للخروج من المأزق الذي تعيشه السياسة الفلسطينية, بل والوضع الفلسطيني برمته على كافة الصعد والاتجاهات، هو نوع من التأكيد على أهمية القدس في الوجدان الفلسطيني، بل وأهميتها في كل خطواتنا وتحركاتنا، وهذا أمر جيد ومقبول ويشكر كل من يسعى بهذا الاتجاه، ولكن أليس بالأولى بنا إظهار أهمية القدس لدينا في خطوات وممارسات أخرى بجانب إجراء الانتخابات وربما قبل ذلك ومن ذلك :-
- دعم ومساندة المقدسيين للصمود على الأرض المقدسة والبقاء فيها ومواجهة الإجراءات الصهيونية الهادفة إلي تفريغ القدس من أهلها وسكانها الفلسطينيين، وعندما تتوفر النية الحقيقية لذلك لدى أصحاب القرار والسلطة فإنهم لن يعدموا الوسيلة التي تمكنهم من ذلك.
- فضح ممارسات وإجراءات الاحتلال ضد القدس أرضاً و شعباَ وتاريخا ًوحضارة إعلامياَ ودولياَ وفي كافة المحافل والمؤسسات الدولية ذات الصلة، والعمل على تكوين جبهة عريضة من الدول العربية و الإسلامية لهذا الغرض.
- معاقبة الذين يخدمون مخططات الاحتلال الصهيوني وإجراءاته القمعية بحق القدس الأرض والمقدسات والشعب، وفي مقدمتهم الذين يساهمون في تسريب الأرض والعقارات المقدسية لصالح الصهاينة وجمعياتهم الاستيطانية.
- ربط التسهيلات التي تقدمها السلطة الفلسطينية للكيان الصهيوني في الضفة الغربية وفي مقدمتها التنسيق الأمني ( رغم أنها مرفوضة وتمثل نقطة سوداء في تاريخ وسجل السلطة ) بطلبات و استحقاقات تساهم في دعم وصمود أهل القدس من الفلسطينيين.
- وأهم من ذلك كله وقبله دعم ثورة المقدسيين وهباتهم المباركة ضد الاحتلال الصهيوني وإجراءاته خاصة فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك والهادفة إلي تقسيمه زمانياَ ومكانياَ، بكافة أشكال الدعم المادي والمعنوي السري منه والعلني، وعدم الاكتفاء بالتصريحات الإعلامية والخطب الرنانة وكفى الله المؤمنين شر القتال، تلك الخطب والتصريحات التي لا تعدو أكثر من استهلاك إعلامي لا يقدم ولا يؤخر ولا يؤثر في الواقع المر على الأرض المقدسية.
إن ربط إجراء الانتخابات الفلسطينية بإجرائها في القدس وبالطريقة التي تتحدث بها السلطة الفلسطينية عبر تصريحات المسئولين فيها، يظهر وكأن الاحتلال الصهيوني هو صاحب القرار الحقيقي للمضي قدماَ في تنفيذ هذا الاستحقاق المنبثق عن التوافق الفلسطيني عبر القمم والاجتماعات المختلفة بين القيادات الفلسطينية, و آخرها ما كان في القاهرة في فبراير ومارس 2021، وكأن لسان الحال يقول للقيادات الفلسطينية المختلفة أن كل ما تقررونه وتتفقون عليه لا قيمة له على ارض الواقع ما لم يحظى بالموافقة الصهيونية .
إن الحديث عن ضرورة إجراء الانتخابات في القدس أسوة بباقي المدن والمناطق الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة هو أمر محمود وصحيح ويعكس أهمية القدس في الوعي والوجدان الفلسطيني، ولكن بدل الحديث عن ربط تنفيذ الاستحقاق الانتخابي في كافة الأرض الفلسطينية بالسماح الصهيوني لإجراء الانتخابات في القدس، يجب علينا البحث الجاد والحقيقي عن الخطوات والإجراءات التي تمكننا من إجراء الانتخابات وتجاوز الرفض الصهيوني، ولن نعدم ذلك خاصة إذا علمنا وكما يقول طارق فهمي المتخصص في الشؤون الفلسطينية وأستاذ علاقات دولية في جامعات مصرية, في مقال له منشور في صحيفة الاندبدنت البريطانية 20/4/2021 انه حسب " ترتيبات اللجنة الانتخابية فإن أقل من سبعة ألاف ناخب في القدس هم الذين بحاجة إلى موافقة إسرائيلية مسبقة, أما بقية الناخبين المقدسيين المؤهلين للاقتراع وعددهم نحو مائة وخمسين ألفا, فمن المفترض أن يصوتوا في ضواحي القدس, ولا يحتاج هذا الأمر إلى موافقة إسرائيلية ".
إن تصريحات السلطة الفلسطينية الحاكمة عن ربط تنفيذ وإجراء الانتخابات بإجرائها في القدس أمر يثير الاستغراب خاصة ونحن نرى سكوتها المطبق عن تهويد وأسرلة المدينة المقدسة على مدار سنوات وجود السلطة، وغياب أي فعل حقيقي مضاد عدا التصريحات النارية و الإعلامية التي تستخدم للاستهلاك الإعلامي ولذر الرماد في العيون، فماذا فعلت السلطة أمام إجراءات الاحتلال الصهيوني والتي تمنع وجود أي مظهر للسيادة الفلسطينية في القدس بدءاَ من إغلاق بيت الشرق وصولاَ إلي اعتقال محافظ القدس ووزير القدس، تلك الإجراءات التي يؤكد من خلالها الاحتلال الصهيوني أنه صاحب السيادة الفعلية على القدس، كما يثير الاستغراب هذا الضجيج عن ربط إجراءات الانتخابات الفلسطينية بإجرائها في القدس حتى وقبل أن يعلن الاحتلال الصهيوني عن موقفه، لذا يبدو هذا الضجيج وكأنه تلكك للهروب من الاستحقاق الانتخابي، ودفع الاحتلال إلي رفض الموافقة على السماح بإجراء الانتخابات في القدس، والذي نحن متأكدون منه أن الاحتلال لن يقدم على ذلك إلا إذا تيقن أن نتائج الانتخابات لن تكون في مصلحته، والكل يعلم أنه قد سمح بذلك أكثر من مرة 1996، 2006 ، لعلمه أن النتائج كانت في مصلحة الفريق الذي يقبل التعاون والعمل معه .
إن الحديث من قبل السلطة الفلسطينية عن الربط بين إجراء الانتخابات في القدس والمضي قدماَ في تنفيذ الاستحقاق الانتخابي الفلسطيني كاملا َ، هو هروب من تنفيذ هذا الاستحقاق الانتخابي، ومحاولة للتغطية والتعمية عن الأسباب الحقيقية لرغبة وموقف السلطة في رام الله بعدم تنفيذ هذا الاستحقاق الانتخابي و إجراء الانتخابات في المناطق الفلسطينية، تلك الأسباب التي تتمثل في الخلافات داخل حركة فتح والتي أدت إلي تشرذمها للعديد من القوائم والمرشحين، الأمر الذي سيقود - وحسب كل المؤشرات والدراسات واستطلاعات الرأي – إلي خسارة التيار الذي يترأسه الرئيس أبو مازن وفريقه الحاكم، وربما فوز كبير لحماس، لذلك يبذل هذا الفريق كل جهده لتأجيل الانتخابات تمهيداَ لإلغائها بالتواصل مع الأوروبيين والأمريكان وتخويفهم من إمكانية فوز حماس، خاصة إذا علمنا أن إجراء الانتخابات الحالية لم يكن رغبة فلسطينية حقيقية من السلطة الحاكمة - مع أهمية الانتخابات وكونها مصلحة فلسطينية للخروج من مأزق التفكك والانقسام الفلسطيني – وإنما كانت رغبة ومطلب أوروبي وأمريكي لتجديد شرعية السلطة الحاكمة، والاستمرار في تقديم الدعم والمساعدات للسلطة, وربما يكون هذا الجهد قد أثمر شيئاَ لصالح رؤية الرئيس أبو مازن، خاصة بعد التصريح الأمريكي بأن أمريكا لا تمانع من تأجيل الانتخابات إذا ارتأى الفلسطينيون ذلك.
إن الانتصار الحقيقي والمطلوب للقدس لا ولن يكون بربط تنفيذ الاستحقاق الانتخابي وإجراء الانتخابات الفلسطينية المقررة في 22/5/2021 بإجرائها في القدس – مع أهمية ذلك – و موافقة الاحتلال على ذلك ، وإنما يكون هذا الانتصار بتطبيق وتنفيذ سلسلة من الخطوات والإجراءات التي سبق الإشارة إليها والتي تدعم صمود المقدسيين وثباتهم على أرضهم، كما تدعم ثورتهم وهباتهم ضد الاحتلال الصهيوني وإجراءاته الظالمة بحق القدس أرضاَ وشعباَ ومقدسات .