في عام 1998م كنت في سجن نفحة (الأقسام الجديدة، قسم 6، غرفة 59)، وكنت ممنوعًا من الزيارة(1) على خلفية أمنية، وفي هذه الفترة حصل بعض الإخوة في حماس على رخصة من وزارة الأوقاف لتخريج أسرى في دورة متقدمة في أحكام التجويد، وقدَّر الله أن أُدرِّس الإخوة هذه الدورة، وتقدمنا بعد الانتهاء منها للامتحان أمام لجنة مختصة، وفعلًا نجحنا وبشكل متميز، وقدَّر الله أن يتفوق أحد طلابي عليَّ والحمد لله، وأعطت اللجنة لنا شهادات مؤقتة لحين صدور شهادة رسمية من الأوقاف، ومن لطائف القدر أن سُمح لي في هذه الفترة بالزيارة (زيارة الأهل)، وكما الكثير من الإخوة أخرجت هذه الشهادة المؤقتة في كيس الحلوى الذي أعددته للزيارة وتسليمه لأطفالي بعد طول غياب.
يوم الزيارة تفاجأت وأنا على شبك الزيارة بأن كيس الحلوى الذي أعددته لأهلي تم مصادرته من طرف الإدارة، وبدلًا من الفرحة والسعادة في الزيارة أصبح الغضب العنوان، وخاصة أن أطفالي (أقل من خمس سنوات) يريدون حلوى كما أقرانهم في الزيارة؛ لأن كل أسير أخرج لأطفاله الحلوى إلا أنا لأن الإدارة صادرت كيس الحلوى، وشاب الزيارة غصة، حاولت جاهدًا طمأنة الأهل وأطفالي أنه بمجرد خروجهم من الزيارة سيجدون كيس الحلوى على الباب، والحمد لله انتهت الزيارة وافترقنا، وعدت إلى الغرفة، والأسوأ أنني سمعت من الفوج الذي دخل للزيارة بعدنا أن الأهل لم يأخذوا كيس الحلوى.
في عدد الظهيرة ما كان مني إلا أن انفجرت في وجه ضابط العدد قائلًا: قل للكلب ضابط الاستخبارات يرجع كيس الحلوى الذي سرقه؛ لشعوري بأنه لا مبرر لمصادرة كيس الحلوى والذي أخرجته لأطفالي.
أنهى الضابط العدد، وأغلق الغرفة ثم القسم، واستدعى قوة لإخراجي من الغرفة للزنازين.
في الزنازين تم عقد محكمة لي، وحينما حضرتها بينت وجهت نظري والسبب لما قلت.
وتفاجأت أن ضابط الاستخبارات الدرزي وسيء السمعة يقول: أنت قمت بالتهريب في كيس الحلوى ولهذا تم مصادرة الكيس. قلت: ماذا هرَّبت؟
أظهر ضابط الاستخبارات شهادة التجويد المؤقتة وهي مزينة بخيط حرير كما هو واضح في الصورة وقال: هذا!
قلت: ما هذا؟! شهادة التجويد. كل فوج الزيارة أخرج مثلها، وهي ليست مخبأة بل مزينة ومكتوب عليها اسمي. فهل هذا تهريب؟
قال: نعم، وهذا ممنوع. وحكم القاضي عليَّ وهو ضابط الأمن في السجن بـ21 يومًا تسينوك(1) (أسوأ أنواع العقاب).
تذكرت وأنا في الزنزانة أنهم يتعاملوا معي بشكل مختلف عن بقية الأسرى؛ لأن كرتي أحمر(3) بسبب محاولة الهرب من السجن التي قمت بها.
بقيت هذه الأيام في التسينوك وهي من أسوأ أيام السجن.
هذا غيض من فيض للتضييقات على الأسرى في سجون الاحتلال.
فرج الله كرب جميع الأسرى.
(1) الزيارة:
يسمح للأسرى المحكومين بالزيارة كل أسبوعين ولمدة 45 دقيقة، وقد يُمنع الأهالي من الزيارة أو يمنع بعضهم من الزيارة، وهذا من منغصات الزيارة. وكانت الزيارة على شبك وتستطيع أن تُسلِّم أو تُقبل الزوار خلال فتحات الشبك وتتحدث مع الجميع حتى لو أردت أن تتحدث مع أهل أسير آخر (أما هذه الأيام فالزيارة على فاصل زجاجي، ولا يمكنك الحديث مع الأهل بشكل مباشر بل عن طريق سماعة الهاتف، وهذا سَّهل على الاحتلال عملية التنصت، وصَّعبت علينا الزيارة، فالـ 45 دقيقة أصبحت تقسم بين الزائرين لك وأحيانًا لا تستطيع تقسيمها على الجميع، وكثيرًا ما تسبب هذه الطريقة المشاكل العائلية). وغالبًا يسمح للأطفال بالدخول لآبائهم في الربع ساعة الأخيرة من الزيارة، والزيارة شكل من أشكال الحرية للأسير فمن خلالها يرى الأحبة ويسمع منهم كل ما يريد من أخبار، ويطمئن على بيته وكيف تسير الحياة، وقد تحمل هذه الزيارة أخبار وفاة أو أخبار زواج أو نجاح أو ميلاد وهكذا، وبالتالي قد تعود حزينًا لسماعك خبر وفاة أحد أفراد العائلة أو أحد الأقارب، ويقوم الأسرى بواجب العزاء لك أو سعيدًا لخبر نجاح أو زواج أحد أفراد أسرتك، وكذلك يبارك لك الأسرى فيما أسعدك، ويسمح بإدخال الصور. نعم العدد محدود ولكن مع الوقت يصبح لديك ألبوم صور والتي تشكل جزء من الذاكرة، وكثيرًا ما يجلس الأسير بمفرده لينظر ويمعن النظر في هذه الصور عله يعيش لحظات مع هذه الصور تشعره بالسعادة.
(2) التسينوك (الزنزانة):
غرفة صغيرة جدًا، ويوجد بها فرشة على الأرض ومبللة من الرطوبة وبطانية، ويوجد دلو للتبول في زاوية الزنزانة. طبعًا كل شيء ممنوع في التسينوك ما عدا القرآن والمصلية، ويحاول الأسير تمضية الوقت بقراءة القرآن والصلاة والذكر، ويسمح فقط الخروج مرة لقضاء الحاجة (للدورة) في النهار؛ ولهذا حاولت التخفيف من الطعام حتى أتحكم في قضية الإخراج، وفي النهار طبعًا؛ لأنه ممنوع الخروج في الليل، مع العلم أن الطعام رديء في الكم والنوع.
(3) الكارت الأحمر:
يعطى الكارت الأحمر لمن يقدَّر بأنه خطير، ولهذا يتم معاملته بشكل مختلف عن الأسرى سواء في السكن فهو يجب أن لا يبقى في نفس الغرفة لأكثر من 6 شهور، وغالبًا ما يُمنع من الزيارة، وفي أي تنقل له تصفد يديه وقدميه، والتفتيش يفتش تفتيشًا دقيقًا، وعدم السماح له بالخروج لمرافق العمل وحتى التعليم يمنع من التعليم في الجامعة العبرية وقتما كان مسموحًا بذلك، ووقت البوسطة في أي تنقل يحاول رجال النحشون الاحتكاك به وقد يضربوه.