تمارس الدبلوماسية الإسرائيلية ضغوطاً متواصلة حول العالم لدمغ "يوم القدس" بـ"الإرهاب الإيراني"، ولكن لن تحول أي إجراءات دون إحياء المعنيّين بالقدس للمناسبة، وكلّ على طريقته.
لم يترك أفيخاي أدرعي آية قرآنية أو حديثاً أو بيت شعر في ذم الشماتة إلا واستخدمه في معرض رده على التعليقات إزاء قتلى التدافع الأخير في جبل الجرمق.
يُدرك أدرعي أنّ وجود هذا الكمّ من المشاعر المعادية لـ"إسرائيل" يجعل من كلّ اتفاقيات التطبيع المعلنة والسرية أوراق ضعف لا قوة، فالمزاج العربي الشعبي حيال "إسرائيل" هو الأهم، مهما اتسع نطاق التطبيع الرسمي. ومن الأسباب نفسها التي لم يستطع معها إخفاء انزعاجه الشديد، أن يوم القدس كاحتفالية ومناسبة يكتسب أهمية معنويّة.
تمارس الدبلوماسية الإسرائيلية ضغوطاً متواصلة حول العالم لدمغ "يوم القدس" بـ"الإرهاب الإيراني"، ولكن لن تحول أي إجراءات دون إحياء المعنيّين بالقدس للمناسبة، وكلّ على طريقته.
قبل يومين، أعلنت برلين منع إقامة أي مسيرات في المناسبة، لكن "إسرائيل" تخشى ما هو أهم من المسيرات الراجلة إحياءً للمناسبة، فقد اعتادت قيادة السايبر فيها خلال العامين الماضيين مواجهة سيل من الهجمات الإلكترونية من أنحاء مختلفة في العالم، تحت مُسمى "#op_israel".
وغالباً ما تنطلق الهجمات من المغرب العربي والشرق الأوسط، كما وسط آسيا وجنوبها. ورغم أنّها تتكرّر في التوقيت نفسه في آخر أسبوع في شهر رمضان، فإن قيادة السايبر الإسرائيلية تقف عاجزة أمامها، بسبب حجمها وعدم إمكانية توقّع أهدافها.
والجدير ذكره، أن بعض منفذي هذه الهجمات لا يحدّون نشاطهم بأسبوع "يوم القدس"؛ ففي العام الماضي، على سبيل المثال، تكررت الهجمات مرات عديدة طوال العام تحت الشعار نفسه، لكن السلطات الإسرائيلية تمتنع عادة عن الإعلان عن الأضرار الناجمة عن هجمات السايبر عموماً، لاندراج هذه المسألة ضمن الأمن القومي. ولا توجد حتى الساعة مزاعم من منفّذي هذه الهجمات بالتسبّب بأضرار مادية مباشرة في "إسرائيل". لماذا إذاً تخشى تل أبيب هذه الهجمات؟
تكمن الإجابة عن هذا السؤال في المشهد نفسه الذي واجهه الإسرائيليون عقب حادث جبل الجرمق: تملأ هجمات يوم القدس الإلكترونية مئات المواقع الإسرائيلية بصور وعبارات تؤكّد حق الفلسطينيين ودعم المقاومة المسلحة.
بالنسبة إلى المستوطنين، إنّ مطالعة هذه الصور والعبارات التي تظهر فجأة خلاف ما يتوقعونه في المواقع التي يزورونها هي أمر "مخيف" يكشف عداءً لا ينهيه اتفاق سلام أو تطبيع.
لا تقتصر تداعيات "يوم القدس" إلكترونياً على البُعد المعنوي، فخبراء التكنولوجيا الإسرائيليون في القطاعين العام والخاص يحذّرون من أنَّ جهات دولية قد تستغل في أي لحظة وقوع هجمات إلكترونية من قبل هواة للتسبّب بأضرار غير منظورة، في وقت تكون السلطات الإسرائيلية منشغلة بمعالجة ما هو أدنى.
حين أعلن الإمام الخميني إحياء "يوم القدس"، لم يكن المزاج الشعبي العربي في حالة التقهقر التي يعانيها اليوم، كما لم يكن الكثير من حكام العرب في وارد المجاهرة بالتطبيع، لكنَّ قيمة الإعلان تكمن في رمزية المناسبة، ما دام في الأمة شخص يرفض التنازل عن القدس.