تتواصل دعوات المستوطنين للاقتحام الكبير لباحات المسجد الأقصى المبارك، واعتلاء أسطح مصلياته، في محاولة يرى فيها العديد من المراقبين بأنها تهدف لفرض واقع جديد في المسجد الأقصى، من خلال استغلال حالة الضعف والركود العربي، وكذلك الهرولة المتسارعة نحو التطبيع.
ولسوء الحظ، ظن المستوطنون أن بإمكانهم تنفيذ هذا الاقتحام دون أن يكون للمقدسيين كلمة، فكان الرد المقدسي من أول ساعات تم الاعلان فيها عن هذا الاقتحام، ليثور الشباب المقدسي، ومعه أهالي الضفة الغربية والداخل المحتل عام 1948، ليحولوا ليالي رمضان إلى ساحات مواجهة واشتباك مع قوات الاحتلال، التي حاولت إغلاق عدد من الأبواب والمصليات داخل المسجد الأقصى.
المقدسيون في البداية أفشلوا مخطط إغلاق منطقة باب العمود، وأعادوا فتحها، ولم يكتفوا بذلك، بل واصلوا نضالهم، مؤكدين أن تهجير أهالي حي الشيخ جراح بالمدينة لن يمر مرور الكرام، الأمر الذي دفع محكمة الاحتلال لتأجيل البت بهذا الموضوع للمرة الثالثة على التوالي.
وأمام ما تقدم، أصدرت حكومة الاحتلال قرارًا منتصف الأسبوع الماضي، منعت بموجبه المستوطنين من دخول باحات المسجد الأقصى المبارك، حتى إشعار آخر، هذا القرار رآه المقدسيون بأنه تلاعب من قبل الاحتلال لتخفيف الضغط، والوصول إلى حالة من الهدوء خلالها يتمكن المستوطنون من إتمام اقتحامهم دون أي مواجهات.
الكاتب والمحلل السياسي شاكر شبات أشار إلى حكومة الاحتلال، في العادة تسمح للمستوطنين بالقيام بما يريدونه في المسجد الأقصى، مع إشارته إلى أن هذه المواقف كثيرة ومرت خلال السنوات الماضية، لكنها كانت تواجه بردود فعل مقدسية أقل حدة مما هي عليه هذا العام.
ولفت شبات في حديث مع "شمس نيوز" إلى أن الهبة الجماهيرية في القدس، وانعكاسها على الشارع الفلسطيني، والاحتجاجات الاقليمية والدولية، من خلال الضغط على حكومة الاحتلال، دفعها للتراجع عن بعض الإجراءات المتخذة في محاولة منها لتبريد الساحة.
وقال "الاحتلال استجاب للضغوطات وعاد إلى الوراء قليلًا تحسبًا من تصاعد كرة الثلج، التي قد تؤدي لتصعيد عسكري في الجنوب أو الشمال، أو عمليات في الضفة الغربية".
وأوضح شبات أن استجابة الاحتلال للضغوطات كانت من خلال عدة إجراءات على الأرض، أهمها (طلب نتنياهو وغانتس من المستشار القانوني للحكومة بالحديث مع المحكمة لتأجيل البت في قرار بيوت اهل الشيخ جراح، بالإضافة إلى توصية الحكومة بعدم اعتلاء المستوطنين للمسجد الأقصى، وتوصيات الأجهزة الأمنية التي تقول إن هذا الاجراء يمكن أن يسبب المزيد من التوتر).
واستدرك شبات حديثه، "هذه التراجعات تكتيكية ولسيت استراتيجية، في محاولة لامتصاص الهبة الجماهيرية، والاحتجاج الشعبي والموقف الدولي" مشيرًا إلى وجود تخوفات أمنية من اندلاع مواجهة مع قطاع غزة أو عودة للعمليات الاستشهادية في الضفة والقدس.
ترقب لفعل المقاومة
وبشأن تصريحات فصائل المقاومة وربطها ببعض التراجعات من قبل الاحتلال، قال المحلل السياسي، "بكل تأكيد التصريحات التي في معظمها لم تتجاوز الـ10 كلمات، كانت في محل اهتمام المحللين والصحافيين والمهتمين بالشأن الفلسطيني، وجميعهم توقفوا أمامها، ووضعوا كافة الاحتمالات".
وبين أن الاحتلال يأخذ موقف المقاومة بجدية، ويكون له تأثير على القرار السياسي، وعلى التعليمات المقترحات سواء من المستوى الأمني والعسكري.
ويرى شبات أن تهديدات قادة المقاومة لا تقتصر فقط على إطلاق الصواريخ -التي في أي لحطة ربما تدخل المعادلة-، فربما يكون لها أفعال وأشكال أخرى للدخول في هذه المواجهة.
وأضاف "التصريحات لوحدها ووقوف المقاومة بجانب المقدسيين وشحنهم معنويًا ونفسيًا ساهم بالاهتمام الكبير من قبل أهالي الضفة والقدس وغزة وأراضي الـ48، ليشارك كل بحسب استطاعته في هذا النضال وبكل الأشكال".
وعن دخول قطاع غزة بالمواجهة، وبدء التحرك الفعلي للمقاومة قال شبات "قادة الاحتلال يعلمون جيدًا بأن دخول قطاع غزة للمعادلة يعني أنهم أمام مشكلة كبيرة، لذلك يسعون لزيادة فترة اللاحرب مع القطاع كون الحرب ستكون مكررة ولن تستطيع إيجاد حل لمشكلة غزة من النواحي كافة".
الموقف الأمريكي
وتطرق شبات إلى رد وزير الشاباك الاسرائيلي كوهين على الطلب الامريكي بتخفيف الإجراءات في القدس بأن الاسرائيليين لا يتلقون تعليمات من احد، مشيرًا إلى أن كوهين ليس له أي ثقل وتصريحاته لا يوجد لها أي رصيد.
وقال "الاسرائيليين -نتنياهو ورؤساء الأحزاب- يدركوا تمامًا مدى قدرة الإدارة الامريكية بالتأثير على أي قرار سواء في (إسرائيل) أو غيرها، فمجرد رسالة من البيت الأبيض يتلقاها المسؤولين الاسرائيليين توقف كل أفعالهم".
وتابع شبات "أمريكا تريد تبريد الأجواء لكنها لم تضع حلول لذلك، ولم تضع أي تصور بهذا الشأن، أو حتى لم تخرج منها أي تصريحات جدية حول الصراع الفلسطيني الاسرائيلي".