قائمة الموقع

فلسطين.. مسار المقاومة الّذي ينتصر

2021-05-12T04:51:00+03:00
غزة

كتب: محمد فرج
"سقطت القذائف في البيت. عندها، قرّرنا الخروج إلى الشارع إلى أن نصل إلى مكان آمن... قررنا أن نخرج جميعاً. قد يستشهد بعضنا، وينجو البعض الآخر، ولكنَّ ذلك خير من أن نموت جميعاً. خرجنا. كنت أحمل طفلة صغيرة بين يديّ. كلّما سقط صاروخ على مقربة منا، وضعتها على الأرض وغطَّيتها بجسدي. كان عمّي يسير خلفي ببطء، ويحمل جدّتي التي تبلغ من العمر 85 عاماً على ظهره. ومع بطء الخطوات، تهاوى المبنى فوقهما بعد قصف الـF16.. أن تواصل المسير، وأن تعجز عن العودة لإزالة الركام؛ يبدو ذلك أمراً صعباً للغاية".

إنه ملخّص القصة التي سمعتها عن أحد جرحى مسيرات العودة قبل أكثر من عامين. أما تاريخ حدوثها، فيعود إلى العام 2014م، لحظة قصف الطيران الإسرائيلي حيّ الشجاعية. أنهى الرجل روايته قائلاً: "لن يتردَّد أحد من الجرحى في العودة إلى المواجهة مجدداً". عبارة التفاؤل بالمستقبل ربما تعزَّزت اليوم أكثر. ربما هو الآن في طور صياغة رواية جديدة عن حقبة جديدة، أكثر أملاً، وبملامح واقعية معيشة، من تغيّرات في مسار المرويات إلى تغيرات في مسار السياسة، ومن ألم تحت عملية "الرصاص المصبوب" في العام 2008-2009م، إلى صمود أكبر في العام 2014م، إلى مبادرة الصواريخ المساندة للقدس اليوم.

ما بين الإعلان عن "حارس الأسوار" و"سيف القدس" أقلّ من ساعات. الصّواريخ التي تصل أبعد من غلاف غزة إلى المستوطنات في القدس المحتلة، والتظاهرات الحاشدة التي انطلقت في الضفة الغربية والأراضي الفلسطينية المحتلة العام 1948م، وعنوان "محمد الضّيف" الذي تصدّر الهتافات... هذا كلّه ليس لحظة عابرة، كما يحاول البعض توصيفه. إنه لحظة تنتمي إلى مسار تاريخي، وتأتي نتيجة له. سمتها الأساسية تصاعد نهج المقاومة وتعميمه في المنطقة.

المسار التاريخي (الواسع جغرافياً) بدأ ببساطة مع تفكّك أوهام مسار "التسوية" وعبثية المسار السلمي، ومع اتفاقية "أوسلو" التي تركت الملفات الحساسة حول قضية اللاجئين والمستوطنات والقدس ومساحة الدولة المتخيلة، ووضعهتا جميعاً تحت بند مفاوضات الوضع الدائم وآليات شراء الوقت الإسرائيلي.

لم تصمد أجواء "أوسلو" لسنوات، حتى اندلعت انتفاضة الأقصى في العام 2000م، وتحرر جنوب لبنان في العام نفسه، وانتصرت المقاومة في تموز/يوليو 2006م، وتصاعدت قدرات المقاومة الفلسطينية وعملياتها النوعية، وتطورت أدواتها بعد ذلك. هذا المسار التاريخي يخصّ كلّ الجبهات المواجهة للاحتلال، مهما كانت المآلات الفلسطينية القريبة إلى اللحظة التي نعيشها. توسّعت وانفجرت فوراً أو تأخرت، لا يهم! في كل الأحوال، المسار واضح.

إذا كانت "أوسلو" قد وُقِّعت في مناخات انهيار التوازن في النظام الدولي وحرب الخليج الثانية، فالانتفاضة الفلسطينية اليوم مسنودة بمناخات ملائمة في المنطقة. مشروع الأسرلة الخليجي يجد نفسه خارج الخدمة، ويسير عكس مزاج الشارع العربي الواسع في كلّ مكان. الدور السعودي يجد نفسه ملجوماً ومحاصراً بأولويات إدارة بايدن. الكيان الصهيوني يعيش أزمة داخلية متشابكة. وفي الضفة الأخرى، مشروع المقاومة ينتعش أكثر في جميع ساحاته الجغرافية، رغم كلّ محاولات الحصار.

الضّعف الإسرائيلي فيه ما فيه من عناصر دائمة (فقدان العمق الاستراتيجي، والمشكلة الديموغرافية، والصدع الداخلي في الثقافات الفرعية، والتباينات الطبقية، وأزمة العنصر البشري)، وفيه ما فيه من عناصر طارئة (تصاعد أهمية الأولويات الأميركية على حساب الكيان الصهيوني، وعودة التوازن إلى النظام الدولي، واستشراء الفساد في مؤسَّسات الكيان الاقتصادية والسياسية، وغياب الشخصيات الكاريزماتية التي يمكن الإجماع عليها).

عوامل الضّعف داخل بنية الكيان، وظروف المنطقة، والتغيرات في النظام الدولي، والبناء المستمرّ لأدوات الردع، تجعل كلّها مسار المقاومة الفلسطينية توجّهاً تاريخياً طبيعياً وضمنياً، سينعكس على استمرار المواجهة، ولو استراحت لبعض الوقت!

 

اخبار ذات صلة