كتب: يحيى اليعقوبي
هرع المستوطنون والإسرائيليون بمدن عسقلان، سديروت، بئر السبع، أسدود، إلى الملاجئ بعد أن دوت صافرات الإنذار فيها مع تعهد كتائب القسام الذراع العسكري لحركة حماس بتحويل عسقلان إلى "جحيم"، معه توالت رشقات صاروخية كبيرة عليها.
من الواضح أن هناك دائرة تركيز مكونة من عدة مدن تحظى بالنسبة الأكبر من صواريخ المقاومة التي تنهال عليها في كل تصعيد، فهل الهدف هو رد على عدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة فقط أم أن هناك شيئًا استراتيجيًا تخطط له كتائب القسام على طريق هدفها الأسمى تحرير فلسطين؟.
قبل الإجابة على السؤال السابق، لا بد من عرض لمحة تاريخية عن المدن المذكورة وموقعها الاستراتيجي وأهميتها لغزة.
أشهر هذه المناطق هي مدينة "عسقلان أو المجدل" كما سماها الكنعانيون التي يبلغ عدد السكان الإسرائيليين فيها حاليا 132 ألف نسمة، وتبعد عن غزة 25 كم شمالا وهي تعد مدينة تاريخية ساحلية أسسها الكنعانيون في الألف الثالثة قبل الميلاد وتعد من أقدم مدن العالم، وتبلغ مساحتها 47 كيلو مترًا مربعا.
أما سديروت فيبلغ عدد سكانها 23 ألف إسرائيلي وتبلغ مساحتها 5 كم وتبعد عن غزة 12 كم من جهة الشمال، في حين يبلغ عدد سكان بئر السبع أكثر من 200 ألف إسرائيلي وتبلغ مساحتها 117 كم، وتبعد عن غزة 41 كم من الجهة الشرقية للقطاع.
المدينة الأخيرة "أسدود" وهي مدينة تاريخية بناها الكنعانيون قبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة، يسكنها حاليا 224 ألف إسرائيلي وتبلغ مساحتها 47 كم، وتبعد عن غزة 38 كم إلى الشمال وهي المدينة التالية بعد عسقلان.
بالتالي يبلغ مجموع تلك المدن التي تقع في بقعة التركيز القسامية نحو 579 ألف إسرائيلي، بإجمالي مساحة 241 كم.
يبدو أن كتائب القسام قد وضعت خطة استراتيجية محكمة باستهداف هذه المدن المحتلة منذ عام 2008 حتى اليوم، تصاعدت عملية القصف الصاروخي لما وصل عليه اليوم برشقات صاروخية مركزة وكبيرة.
كان أهم هذه الرشقات في 11 مايو/ أيار الجاري، حينما أعلنت القسام إطلاق 137 صاروخاً “من العيار الثقيل” خلال 5 دقائق باتجاه بلدات أسدود وعسقلان المحاذيتين لقطاع غزة ردا على استهداف المنازل المدنية في غزة، وبالأمس أعلنت القسام قصف عسقلان بـ 100 صاروخ، وقصف أسدود وبئر السبع وسديروت بـ 50 صاروخًا.
المقاطع المصورة التي ترد من تلك الأماكن عبر الصفحات العبرية على مواقع التواصل الاجتماعي والتي تنجح في تجاوز الرقابة العسكرية، تظهر دمارا كبيرا أحدثته صواريخ المقاومة، بعض المنازل طالها دمار كلي، أحد المقاطع التي صورها إسرائيلي من منزلها أظهر سقوط الصواريخ بشكل متزامن في بقع عدة وكأنها زخات مطر تتساقط من السماء يعبر عن ذهولٍ كبير لم "يره في حياته" وربما حتى في أحلامه.
"خلاص .. خلاص يا حماس" هكذا انبعث صوت مستوطن وهو يصرخ عبر تطبيق "تيك توك" وهو يشتكي استمرار سقوط الصواريخ التي تطلقها المقاومة، أحد المقاطع يظهر كيف تتسابق صواريخ المقاومة في سماء عسقلان وكأنها سرب طائرات نفاثة يتسابق بالجو وهي تجر اللهب خلفها، مشهدٌ يبث الرعب في قلوب الإسرائيليين المنبعث من أصواتهم المرتجفة خلف كل مقطع فيديو او صورة تتجاوز الرقابة العسكرية.
من الشهادات الحية على حجم الرعب، ما قالته الإسرائيلية شيلي بيلاييف: "كان هناك انفجار قوي للغاية، لم أسمع صوتا مثله من قبل، لكن أدركت بسرعة سقوط صاروخ هنا، وخرجت وكنت بحالة صدمة"
ما يدلل على حجم تأثير صواريخ المقاومة ما أكده مركز بارزيلاي الطبي في عسقلان أنه قدم العلاج لسبعين جريحا وذلك في 11 مايو/ أيار فقط، أما رئيس بلدية عسقلان تومر حلام فقد أقر بصعوبة ما يجري في لقاء مع الإذاعة العامة الإسرائيلية الثلاثاء الماضي "إن عسقلان تعاني منذ عشرين عاما، هذا يكفي".
ما سبق يظهر أمرين، الأول مستوطن إسرائيلي لا يستطيع العيش في هذا الواقع الذي يصفونه بـ "الجحيم" ومقاومة فلسطينية تتبنى خطة استراتيجية هدفها تحرير هذه المناطق من خلال الضربات الصاروخية، بالتأكيد لن يتحقق ذلك في تصعيد أو حرب واحدة وإنما هذه عملية تراكمية هدفها دفع المستوطنين الإسرائيليين لترك هذه المدن من خلال تنغيص حياتهم لدفعهم للرحيل.
حولت المقاومة أسدود وبئر السبع وعسقلان وسديروت لمدن أشباح فارغة ا وقت جولات التصعيد، فلا صوت يعلو إلا هدير صواريخها وقد تكون جولة المواجهة الحالية التي أطلقت عليها المقاومة معركة "سيف القدس" حاسمة في دفع كثير من الإسرائيليين لحزم أمتعة الرحيل إلى وسط دولة الاحتلال على الأقل إن لم يكن خارج فلسطين، فما شاهدوه من ضربات المقاومة اختلف عن "الحياة الوردية" التي رسمتها لهم دولة الاحتلال، وهم يستيقظون وينامون على أصوات الصواريخ يعيشون بلا "أمن وأمان" لا تستطيع أعتى قوة عسكرية بالمنطقة توفيره لهم.