كتب: توفيق السيد سليم
على مدار الأيام القليلة الماضية من عمر معركة "سيف القدس"، استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تحرز جملة من الانتصارات الميدانية، وتثبّت مجموعة من القواعد في الوعي الجمعي، والتي سيكون لها ما بعدها على أرض الميدان فلسطينياً، وعربياً، ودولياً، وحتى صهيونياً، وهو ما تبدّى في الآتي:
أولاً: لقد أثبتت المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، رغم قلة الإمكانات، وعِظم التحديات، أنها قادرة على إدارة المعركة، وفرض أجندتها، وجدول أعمالها، وسياقاتها، في الزمان والمكان المناسبين، وهو ما تجلّى واضحاً في إبداعها في إدارة النيران بالقدر الذي تريد ووقتما تريد.
ثانياً: استطاعت المقاومة الفلسطينية وهي تستل "سيف القدس" لتنافح به عن شعبنا وقدسنا وأقصانا وحتى أمتنا، أن تحطّم به أسواراً من الوهم والخرافات والأساطير التي حاول الكيان الصهيوني ومن يدور في فلكه من أنظمة التبعية والهزيمة وبقايا الاستعمار، غرسها في عقول شبعنا وأمتنا، ومن أمثلة تلك الأوهام والأساطير: أن الكف لا يمكن أن تواجه المخرز، وأن الدم لا يمكن أن يهزم السيف، وأنه لم يعد أمامنا سوى القبول بالواقع، والرضا بالمهانة والذلة، وغيرها من المقولات الانهزامية التي أوردت شعبنا وأمتنا المهالك! فإذ بجماهير شعبنا في الداخل المحتل، والقدس، والضفة الغربية، -وهي تحتمي بسيف القدس وتهتف باسمه- تنتفض عن بكرة أبيها في وجه الاحتلال الذي ظن واهماً أنه استطاع أن يمسح ذاكرتها أو يشوّه وعيها؛ لتعيد رسم الصورة من جديد، صورة شعب يرفض الاحتلال، وليس صورة شعب يتعايش مع الاحتلال كما أراد له بعض المنهزمين أن يكون!.
ثالثاً: ببركة "سيف القدس" الذي يقطر عزاً وكرامة، بات شعبنا اليوم أقوى من أي وقت مضى، وبات أكثر إيماناً بخيار المقاومة وجدواها ومحورها الذي يتجذّر في وعي أحرار الأمة، في مواجهة أصحاب خيار الهزيمة الذين لم نعد نحسّ منهم من أحد أو نسمع لهم ركزاً!
رابعاً: إن الإخفاق الذي مني به الاحتلال سواء على الصعيد الميداني في المواجهة مع المقاومة في غزة من خلال فشله في تحقيق "صورة النصر" التي يبحث عنها للخروج من المأزق الذي وضع نفسه فيه، في الوقت الذي تواصل فيه المقاومة توجيه الضربات له لتتجاوز ما يسمى "حارس الأسوار"، أو الإخفاق الذي مني به حتى على الصعيد الاستخباراتي في تقدير قدرات المقاومة أو الاطمئنان لردّات فعل الجماهير في الداخل المحتل، يثبت مدى عجز الاحتلال وفشله في معركة الإرادة التي تتقنها المقاومة وحاضنتها الشعبية، وأيضا فشله في معركة الوعي التي انكشف أمامها عند أول مواجهة حقيقية في الداخل المحتل، ما يعني أن الفلسطينيين وبالرغم من امتداد سنوات النكبة إلى أكثر من سبعة عقود، إلا أنهم ما زالوا متمسكين بفلسطين من بحرها إلى نهرها، لينسفوا بذلك كل اتفاقات الذل والعار والبيع والتنازل التي حاول فريق "أوسلو" أن يفرضها علينا.
خامساً: استطاعت المقاومة في غزة أن تثبت معادلة جديدة من معادلات الصراع مع هذا الكيان، مفادها أن غزة والقدس توأمان لا ينفصلان، فلا معنى للهدوء في غزة دون القدس، وأنه لا معنى لاستقرار الغزيين في بيوتهم دون أن ينعكس ذلك أمناً واستقراراً لأهالي الشيخ جراح المهددين بالتهجير والتشريد من بيوتهم.
سادساً: يسجل أيضا لمعركة "سيف القدس" أيضاً أن الحراك الذي نشهده في بعض العواصم العربية والدولية نصرة لفلسطين، يؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن عمر هذا الكيان السرطاني قد شارف على الانتهاء، وأن الأمة في انتظار شارة البدء بالهجوم، ولكم أن تتخيلوا كيف سيكون حال هذا الكيان إذا ما أطبقت عليه شعوب المنطقة، ونحن نرى عجزه عن الدخول في معركة برية أمام غزة، فيما النيران تستعر من حوله في الداخل المنتفض والضفة الثائرة.
سابعاً: نؤكد أن الأوضاع ما بعد معركة "سيف القدس" لن تكون بأي حال من الأحوال، كما كانت قبلها، فسيف القدس جسّدت ورسّخت معادلات واستراتيجيات جديدة ستبقى راسخة وعالقة في الوعي الفلسطيني والعربي والدولي، وستؤسس لمعركة جديدة من معارك التحرير القادم بإذن الله.
ويسألونك متى هو، قل عسى أن يكون قريباً.