د. محمد مشتهى
عديد خيارات العدو الصهيوني حتى اللحظة تحطمت على صخرة صمود المارد الفلسطيني الشجاع، الذي يقاتل عدو غاية في الإجرام واللاانسانية، لقد بدأ العدو بقصف الأراضي بغزة مدعيا أنه يهدم أنفاق المقاومة، فظلت الصواريخ تنهمر عليه من كل حدب وصوب حتى من أماكن الأراضي التي يقصفها، ثم بدأ باستهداف قيادات المقاومة فلم تتوقف المقاومة بل ازدادت قوة وتأثيرا، ثم استهدف الابراج المدنية للضغط على المقاومة، فتفاجأ من حجم الالتفاف الجماهيري حول خيار المقاومة، ثم حاول تنفيذ "أم خططه الهجومية العسكرية" كما يدعي وذلك عن طريق تضليل رجالات المقاومة لايهامهم بأن هناك توغل بري كي يستهدفهم داخل الانفاق، لكن خاب أمل العدو ولم يحدث ما أراد بفضل من الله، ثم ارتكب المجازر بحق المدنيين وقصف البيوت على رؤوس ساكنيها فلم يجد إلا صورا عديدة من نماذج البطولة التي سطرتها عوائل الشهداء والجرحى، ثم عاد مرة أخرى لاستهداف الابراج السكنية والاعلامية، وفي كل محاولة لم يجد العدو من المقاومة إلا استبسالا في ضرب عمقه وتكثيف عدد الصواريخ وزيادة مداها وقوتها التدميرية، وفي كل مرة تتقدم المقاومة خطوة في التصعيد، فماذا بعد؟
بكل تأكيد هناك وساطات لم تنقطع من أجل وقف النار والتوصل لاتفاق ينهي المعركة، المقاومة وضعت أهدافها، بينما العدو ليس له أهداف محددة، وهذا يؤكد بأن أهداف المقاومة بمثابة أهداف هجومية كونها هي التي بادرت في المعركة ووضعت اهدافها التي تتمحور حول القدس والشيخ جراح، تلك المعركة تعتبر الثانية في تاريخ الصراع العربي الصهيوني بعد حرب ١٩٧٣ التي تكون فيها المبادرة للعرب، العدو الصهيوني يرتجف من مجرد البحث في مطالب المقاومة كونه لا يريد ربط القدس بمقاومة غزة، كونه يعلم بأن مجرد وجود معادلة كهذه ولو بحدها الأدنى فيها خطر وجودي وانحدار كبير في منحنى نهاية كيانه، لذلك إن ترسيخ المعادلة ومع إصرار المقاومة وصمود حاضنتها بات قاب قوسين أو أدنى، فالعدو الصهيوني وجبهته الداخلية لا يحتملان أي حرب طويلة وحقيقية، فمنذ أول أيام للمعركة والعدو يبحث عن سبيل للتهدئة، وكل ما نراه من تخبط صهيوني إن دل فإنما يدل على أنه ينتظر نجاح أحد الوساطات، وأيضا هو يبحث عن صورة واحدة للنصر، حيث أن المقاومة الفلسطينية خطفت منه كل صور الانتصار حتى اللحظة وفاجأته بما لا يتوقع رغم أنها لم تستخدم ما لديها من امكانيات إلا القليل وفق تصريحات فصائل المقاومة.
الآن وبعد استبعاد الهجوم البري والضغط الأمريكي والدولي لانهاء المعركة باعتقادي انحصرت خيارات العدو الصهيوني في خيار أوحد واقع تحت ضغط الوقت، وهو البحث والحصول ولو على طرف خيط لقيادات سياسية أو عسكرية على مستوى الصف الاول للمقاومة وضربها حتى لو أدى ذلك لاستشهاد عشرات المدنيين نتيجة الاستهداف، وهذا الاحتمال بات هو الراجح وبقوة خصوصا بعد ترويج العدو لبعض أسماء كبيرة في الاعلام الصهيوني، لذلك فالحذر الشديد الآن هو درة تاج معركة سيف القدس.
أما الدخول في مغامرة برية محدودة (رغم أن الكثيرين يستبعدون ذلك) للبحث عن صورة للنصر ولترميم معنويات جيشه المهزوم، هذا الامر يلزمه وقت وليس سهل وفيه مخاطر كبيرة وهناك احتمال لأن ينقلب السحر على الساحر، ثم إنه سيزيد من لهيب الجبهات المفتوحة عليه وربما يعمل على فتح جبهات أخرى لذلك يبقى احتمال ضعيف لكنه وارد.
إن ال ٢٤ ساعة المقبلة فاصلة في عمر المعركة، ومع تكثيف النار على مغتصبات العدو هو عامل حاسم في المعركة ويعتبر تقريب للتهدئة ورضوخ العدو لمطالب المقاومة ولو بالحد الأدنى، وأيضا مطلوب هو فتح العيون جيدا والتعامل بمسؤولية عالية من جموع شعبنا الفلسطيني في مواقع التواصل الاجتماعي والتعامل بحذر مع ما يرد من مكالمات مشبوهة والابلاغ عنها فورا للجهات المختصة.
المهم الآن وفي هذه الساعات الحساسة هو ترسيخ معادلة سيف القدس، التي لها ما بعدها على المستوى المعنوي والسياسي والعسكري وايضا على مستوى زيادة لهيب الانتفاضة في الضفة والقدس والداخل المحتل.
غزة بصمودها وبمقاومتها، والقدس والضفة بمقاومتها، والداخل المحتل بمقاومته، والشتات الفلسطيني بمساندته، الكل عندما يقوم بدوره يستطيع أن يحقق انتصار تاريخي ومفصلي نحو تحرير القدس وفلسطين كل فلسطين.
هذه المعركة أعادت الاعتبار لفلسطين التاريخية التي حاولت اتفاقية أوسلو اختزالها في حدود ال٦٧، اليوم الصورة الكاملة يشارك في رسمها الكل الفلسطيني، اليوم عاد الصراع لحقيقته وبداياته، اليوم استيقظ الكثيرون من اوهامهم ليتاكدو أننا شعب تحت الاحتلال، وان العودة لما قبل معركة سيف القدس هي صدمة وانتكاسة ما بعدها انتكاسة، وفي تقديري بأن سيف القدس ما انطلق الا ليقاتل من أجل القدس كل القدس "لا شرقية ولا غربية"، اليوم هو يوم الملحمة والغلظة على العدو، فلا تراجع إلا بربط القدس بسيف القدس، وإن الذي نهض ليقاتل من أجل القدس مطلوب منه أن يكون على قدر عالى ومستوى عالي من الصمود والشجاعة والتضحية ونعتقد جازمين بأن مقاومتنا هي كذلك وقيادتها كذلك وحاضنتها كذلك، فإما حياة تسر الصديق وإما ممات يغيظ العدا.