قائمة الموقع

عودة حميدة إلى الوراء

2021-05-18T21:20:00+03:00
د. محمد مشتهى.jpg
بقلم/ د. محمد مشتهى

في الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" تربينا على: لا شرقية ولا غربية، فلسطين التاريخية، كنا نرى مكتوب على جدران البيوت: عائدون، لم نكن نشعر باليتم مع تلك المصطلحات رُغم فارق الإمكانيات بين شعبنا الفلسطيني وبين العدو الصهيوني، كان العدو يسير في شوارع غزة والضفة وكنا نرشقه بالحجارة ونقول له: خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود، كنا نكبر ويكبر معنا الأمل، إلى أن جاءت أوسلو للمنطقة، وحملت معها مصطلحات جديدة غريبة تختلف وتتناقض مع تلك التي تسكن وعينا، ضغطت اوسلو كثيرا على الوعي الفلسطيني لتقول: إن سقفك أيها الفلسطيني فقط حدود ال ٦٧ ومطلوب منك أن تنسى فلسطين التاريخية، وأرادت بذلك صناعة لوثة ثقافية ووطنية في عقول الأجيال، من هنا بدأت نقطة التحول، وبدأت معها رحلة التنازلات، وفي هذه الرحلة سال لعاب العدو إلى أن وصل به ليقول متبجحاً: بأنه لا مانع لدي من إقامة دولتكم الفلسطينية في غزة، وبات مصطلح فلسطين التاريخية غريبا وكان يقال لمن يردده: أنت غير واقعي وأنظر لما حولك لموازين القوى واطلب المستطاع وهكذا مفردات تدلل على مدى الواقع المرير الذي كان يظلل تلك المرحلة، ثم خاض الفلسطيني معارك كثيرة ارتقى فيها الشهداء وعاث العدو في البلاد دمارا ومزيدا من الاستيطان، ورغم ذلك كان الفلسطيني يشعر باليتم رغم توفر بعض الإمكانيات بيديه، وأكثر الناس الذين شعروا بالتيه هو اللاجئ الفلسطيني الذي كان يعيش على أمل العودة، تلك الحالة فتحت شهية العدو لمزيد من كي الوعي الفلسطيني فتدخل بالمناهج وحارب الأونروا وسعى لاعتراف دولي وأمريكي بالقدس عاصمة يهودية له ثم طمع أكثر وأراد ضم الضفة وطرد الفلسطيني منها بل طمع أكثر فأكثر وروّجت ماكينته الاعلامية لإمكانية طرد اهل غزة إلى سيناء، وبدأ يضع سيناريوهات وخرائط حالمة لتطبيق ذلك، لقد ولدت أجيال وهي تسمع فلسطين ال ٦٧، الكثير من الاعلام العربي والدولي شارك بكي الوعي وصار يضع في قنواته حدود ال ٦٧ على أنها خارطة فلسطين، حتى محرك البحث جوجل شطب فلسطين التاريخية وأعاد تعريفها من جديد وكتب على خارطة فلسطين "إسرائيل"، وكأن العالم كله "إلا من رحم الله" حارب فلسطين التاريخية، حتى الفلسطيني أريد له أن يتوه ويغرق بالانقسامات والأُلهيات والمناكفات وهذا كان كله مطلوب لترسيخ حالة الابتعاد أو مجرد التفكير في فلسطين التاريخية، والفلسطيني في الداخل كان جزءا من معركة كي الوعي، حيث أريد له الذوبان في المجتمع والثقافة الصهيونية، اليوم تأتي معركة سيف القدس وسط كل هذه الإرادات والقوى لترسم مرحلة جديدة تعيد للفلسطيني أولا وعيه، ثم للأمة العربية والاسلامية وعيها، لأن غياب الوعي الفلسطيني هو غياب لوعي الأمة، معركة سيف القدس جعلت من الجماهير تهتف ويرافقها الأمل من جديد: خيبر خيبر يا يهود جيش محمد بدأ يعود، كانت سابقا تقول: سوف يعود، اليوم نحن على أعتاب البداية لجيش محمد، أعادت معركة سيف القدس الإعتبار في أذهان ووعي وإدراك الجماهير لمصطلح فلسطين التاريخية، فعادت بنا حيث الانتفاضة الأولى وثورة السكاكين والهروب الكبير من السجن وضرب العدو من نقطة الصفر، اليوم معركة سيف القدس تجاوزت أوسلو بمفرداتها، ووضعت حدود ال ٦٧ خلف مقاتليها وصواريخها، وأصبح الفلسطيني لا يرى أمام عيونه إلا فلسطين التاريخية، إن أكبر إنجاز لمعركة سيف القدس هو أن فلسطين كل فلسطين الآن تناضل ولم تبق قطعة من فلسطين إلا وانتفضت، وإن الاستمرار في النضال بكافة أشكاله حتما سيؤدي إلى الانتصار، والانتصار بحاجة إلى الصمود والصبر وأيضا تقديم التضحيات والابتعاد عن حسابات الربح والخسارة، لأن تلك الحسابات لا تليق بعنوان المعركة، نعم من المهم بل من الواجب العمل على تقليل الخسائر وزيادة الربح، لكن هذا يبقى على مستوى التكتيك وفي الميدان وليس على مستوى الاستراتيجيا، العدو الصهيوني وما كان يفعله طيلة أكثر من ٧٠ عاما اليوم هو بدأ في التلاشي، والمعادلة تقول: مزيدا من الصمود والتضحيات=مزيدا من تكامل الجغرافيا واشعالها ومزيدا من ترسيخ مصطلح فلسطين التاريخية ومزيدا من التفاف الجماهير العربية والاسلامية والحرة مع حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه.

إن تركيبة هذا العدو هي تركيبة غير متماسكة وضعيفة وهي قابل للتفكك، فمن جاء ليعيش على أرض ليست أرضه هو موجود فيها بفعل القوة، وإن قوتهم وهيبتهم بفعل ضعف الأمة، ولو نهضت الأمة قليلا فلن يكون لهذا الكيان وجود على أرضنا.

ما نحتاجه فقط هو الصمود حتى تحقق هذه المعركة الهدف الذي رسمته، ومن ثم البناء على هذا الإنجاز وحشد الأمة خلف قضية فلسطين، فما قبل معركة سيف القدس ليس كما بعده، فهي تؤسس لحالة جديدة لدى الشعب الفلسطيني وشعوب الامة العربية والاسلامية عنوانها الكبير: أنه يمكن النيل من هذا الكيان وهزيمته وطرده من المنطقة واستعادة فلسطين التاريخية.

اخبار ذات صلة