تضحيات كبيرة قدمها الشعب الفلسطيني لا يتصورها عقلُ بشرٍ منذ بدايات المؤامرة عليه في أوائل القرن العشرين حتى يتم تهجيره عن أرضه وإحلال عدوًّ تاريخي تعرفه الامة الإسلامية جيداً ، منذ دولة الإسلام الأولى في المدينة المنورة بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم وإلى يومنا هذا ، وهى تحفظ معالمه من خلال القرآن الكريم والسنّة النبوية، ولا يشبه هذا الاحتلال الاحتلالات التاريخية التي قرأنا عنها ، فقد جاء احتلالاً مركبّاً بعد مئتي عام من استعمار غربي غيّر معالم الامة العربية والاسلامية كما يريد ، وقد واجه هذا الاستعمار ثورات الشعوب التي استبسلت من أجل حريتها لكنه استطاع بعد شعوره بصعوبة البقاء بجيوشه على اراضيها و امام ارادة الشعوب أن يجيّر حصاد - ثوراتها وانتصاراتها- لصالحه هو من خلال رجالات وأنظمة صنعها على عينه - لا علاقة لها بعقيدة الشعوب ولا ثقافتها ولا تاريخها ولا تعبر عن آمالها وقد أرضعها الغرب حليب أفكاره وثقافته فأصبح دور هذه الزعامات الحاكمة لا يتعدى كونهم وكلاء للاستعمار الذى لم يخرج حقيقة ولكن اراد ان يقلل من كلفة احتلاله ، والى جانب تنصيب أنظمة دخيلة على الأمة قام بغرس غدّةٍ سرطانية في قلب العالم العربي والإسلامي ( الكيان اليهودي ) ليكرس تبعية الأنظمة للغرب وتجزئة العالم العربي حسب اتفاقية سايكس وبيكو الى دول ذات حدود وثقافات وانظمة وسياسات مختلفة عن بعضها البعض مع تغذية الصراعات الحدودية بين هذه الدول ومن ثم رأينا كيف تمت تجزئة المجزأ وتقسيم المقسم ليصبح العالم العربي دويلات متناحرة جغرافيا وايديولوجيا وسياسيا وعسكريا لا تعرف الاستقرار ، بل ويصبح الكيان الصهيوني دولة صديقة لبعض الانظمة الحاكمة التي تعمل جاهدة لتثبيت اركانه والوقوف في وجه أي نهضة عربية تواجه هذا الكيان وتقليم أظافر أي مقاومة تسعى لتحرير فلسطين ، فلم يستطع أحرار العرب فعل أي شيء من أجل فلسطين بسبب قمع الأنظمة العنيف لهم بدون أي رحمة ، والفلسطينيون وقعوا بين مطرقة الاحتلال الذى مارس كل اشكال الجرائم التي يندى لها جبين البشرية ضدهم ، وسنديان الانظمة الحاكمة صنيعة الغرب التي ضيّقت الخناق عليهم وحاصرتهم وحاولت كي وعىٍ شعوبها بنبذ الفلسطيني الإرهابي ، واستكانت الأمة وخضعت لمصيرها وان كان هناك شعور وجداني اتجاه فلسطين برفض الجرائم الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني لم يتجاوز هذا الرفض اصدار بيانات الشجب والإدانة التي لا تؤثر على الاحتلال بشيء ، وبالرغم من ذلك كلّه لم يفقد الفلسطيني بوصلته وظلّ يحذوه الأمل بالحرية واستعادة الحقوق وأن تعود الأمة إلى رشدها لتكون فلسطين قضيتها المركزية ، فلم تنكسر إرادة الشعب الفلسطيني ولم يُعدم خيارات المواجهة وأدواتها بالانتفاضات والمظاهرات الشعبية والحجر والسكين ثم تطورت هذه الأدوات لتصبح رصاصاً وبندقية وعمليات استشهادية وصواريخ يصنعها المجاهدون بأيديهم ، بل إن الفلسطيني لم يعجز في استدامة الاشتباك مع جيش الاحتلال المدجج والذى أرادته أمريكا والغرب أن يكون أقوى جيوش المنطقة فأمدوه بكل ما يحتاج من دعم مادى وسياسي وعسكري حتى يبقى محافظاً على تفوقه أمام أي تحدًّ له في المنطقة العربية او أي تغيير لأى نظام حوله وهو لا يأمن الشعوب ، ومنذ وجود الاحتلال الصهيوني وإلى يومنا هذا لم يستطع نظام أو قوة موجودة أن تهزم جيش الاحتلال الذى احتل غزة والضفة والقدس الشرقية عام ١٩٦٧م خلال ساعات قليلة وارتكب جرائم ضد الشعب الفلسطيني وضد كثير من شعوب المنطقة ولم يستطع أي نظام حاكم الوقوف في وجهه او أن يرد كرامة شعبه .. وكما اكد المؤرخون والخبراء العسكريون أن الحرب الوحيدة التي هُزم فيها الاحتلال وهى حرب اكتوبر ١٩٧٣ لم تكن سوى حرب تكتيكية او تحريكيه أرادها السادات جسرا لعقد اتفاقية سلام مع دولة الاحتلال هي الأولى التي يتجرأ عليها رئيس عربي وقد سَمّى نفسه "بطل الحرب والسلام" ، نعم على مدار عمر الاحتلال توغل الاحتلال في الدم الفلسطيني بالرغم من اتفاقية اوسلو عام ١٩٩٣ التي اعترفت للعدو الصهيوني بالشرعية على ٧٨% من ارض فلسطين إلا أن الاحتلال استمر في جرائمه وسرقة الأرض والتهويد ، والشعب الفلسطيني يغلى بانتفاضاته ، ومقاومته تُراكم على قوتها بالرغم من الحصار والتجويع وقد تجاوز الشعب كل آلامه ومآسيه التي ازدادت مع مرور الزمن لينهض أقوى مما كان عليه وينهض من جديد ليخوض معركة تلو معركة حتى جاءت معركة " سيف القدس " التي أكدت عظمة المقاومة ولم يتوقع العدو الصهيوني آثارها المدمرة عليه ، وقد وضع رئيس اركان الجيش الصهيوني أفيف كوخافى خطته المعروفة باسم " تنوفا " التي تقضى بأن ( تُحسم المعركة في الضربة الأولى، ويتم تدمير 50% من قدرات المقاومة وقتل ثلاثمئة مقاتل منها يومياً على ألّا تطول أيام المواجهة، لأنه لا يتحمل مدة طويلة من المعركة ، وتحقيق المكاسب من خلال اغتيال شخصيات بارزة، وتدمير مواقع للمقاومة ) وكانت المفاجأة أن خطة كوخافى انقلبت راساً على عقب عندما وجهت المقاومة الضربة الأولى السادسة مساء في سماء القدس لردع المتطرفين الذين تحشدوا بعشرات الالاف لاقتحام المسجد الأقصى وتبعتها الضربة الثانية صاروخ الكورنيت الذى اصاب جيب الاستخبارات الصهيونية على الحدود مع غزة في مقتل وامتلكت المقاومة زمام المعركة مما أحدث صدمة لدى قادة العدو الذين لم يستطيعوا استيعاب ما حدث ولم يحرك الجيش الأقوى في المنطقة ساكناً وأمام تجهيزات المقاومة الفائقة تحركت طائرات الF35 الامريكية بصواريخها المدمرة ولم تجد أهدافاً أمامها سوى الابراج والمباني السكنية التي دمروها على رؤوس الاطفال والنساء والعجائز وذوى الاعاقة والطرقات والمؤسسات مما أكد بداية الهزيمة التي توالت يوماً بعد يوم أمام شدة ضربات السرايا والقسام وقوى المقاومة. التي أكدت وحدة الميدان ، واشتعلت معركة سيف القدس لتعيد للقدس مكانتها في قلوب الامة وتخرج العواصم غاضبة على عربدة الاحتلال وجرائمه ، تهتف للمقاومة وتطالب بتحرير القدس ، وعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة العالمية من جديد وبدأت الاطراف الدولية والاقليمية تتحرك باتجاه فلسطين ومخزونها المقاوم غزة وتنطق الادارة الامريكية لأول مرة على لسان رئيسها كلمة ( فلسطين) والاهم هو وحدة الفعل الميداني الفلسطيني في غزة والضفة والقدس وال٤٨ والشتات والالتفاف حول المقاومة حتى الذين عارضوها من قبل . يحاول نتنياهو ان ينهى المعركة ويحاول التقاط شارة انتصار ليرد الاعتبار لنفسه المأزومة فلم يجد غير الهزيمة التي تغشته واركان جيشه الذين لم يترددوا في رفض الدخول في حرب برية يعرفون نتائجها جيداً وهى مزيد من الهزيمة والانهيار والجنود الاسرى ، وقد تلاشت أحلامه بالبقاء على سدة الحكم كما دُمرت احلام الصهاينة بالعيش الآمن ، وهكذا أعادت معركة سيف القدس الثقة لأبناء شعبنا كافة وفى كل اماكن تواجدهم اليقين بحتمية الانتصار ، حتى ولو حدثت تهدئة ليس معنى ذلك ان معركة سيف القدس انتهت بالعكس المعركة مستمرة وسيف القدس لن يُغمد أبداً حتى دحر الاحتلال عن قدسنا وأقصانا وفلسطين كل فلسطين ....