احتلت انتفاضة الشعب الفلسطيني في الأرض المُحتلة عام النكبة المُدافعة عن القدس والمسجد الأقصى والمُتضامنة مع غزة ضد العدوان الإسرائيلي مساحة كبيرة في وسائل الإعلام الإسرائيلية، ومن خلال متابعة ما قاله المسئولون الرسميون والمحللون السياسيون في الكيان الصهيوني عبر تلك الوسائل الإعلامية الناطقة باللغة العبرية يتضح مدى القلق الذي يسكنهم من هذه الانتفاضة، واعتبرها بعضهم اخطر من صواريخ المقاومة على الكيان الصهيوني، وبعضهم الآخر عّبر عن أسفه لضياع جهود عشرات السنوات من التخطيط والعمل والإنفاق على محاولة صياغة هوية عربية إسرائيلية مُنفصلة عن الهوية الوطنية الفلسطينية. وقد ركزّت تلك الوسائل الإعلامية العبرية على بعض المشاهد المُقلقة من وجهة نظرها، مثل: ردود فعل سكان مدينة الطيبة المُبتهجة بسقوط صاروخ للمقاومة في محيط مدينتهم، ورفض سكان اللد إدانة صاروخ المقاومة الذي قتل أب وابنته من مدينتهم، وحوادث اعتداء العرب على الجنود بزيهم العسكري في المدن المختلطة.... وكأنّ الكيان الصهيوني قد استيقظ على أصوات انفجارات صواريخ سيف القدس من بعض أوهامه فبددتها شظايا الصواريخ، لا سيما الوهم المُسّمى ( عرب إسرائيل).
(عرب إسرائيل) هو الاسم الذي أطلقته دولة ( إسرائيل) على الشعب الفلسطيني الذي ظلَّ صامداً في أرضه المحتلة عام 1984م، ولم يهاجر كمعظم الشعب الفلسطيني ، وعددهم عام النكبة كان (150) ألف فلسطيني، وهم الذين نجوا من تطبيق إستراتيجية الحركة الصهيونية ومنظماتها العسكرية أثناء حرب النكبة المعروفة بالخطة دالت، ومضمونها السيطرة على أكبر مساحة من الأرض مع أٌل عدد من العرب ، ولأن الأرض مزروعة بأهلها الفلسطينيين عمدت تلك المنظمات الصهيونية على تفريغها منهم قسرا بالإرهاب العسكري والنفسي ، وأهم وسائلها المذابح والقتل والتدمير، وأشهرها مذبحة دير ياسين التي نفذتها منظمة ( الأرجون) الإرهابية بزعامة مناحم بيجين، الذي اعترف بتلك الإستراتيجية الإرهابية عندما قال فيما بعد " لولا دير ياسين لما قامت دولة إسرائيل"، وكان لبقاء هذا الجزء من الشعب الفلسطيني صامداً فوق أرضه ومتمسكاً بوطنه فلسطيني دورٌ في وضع الكيان الصهيوني في مأزق لا زال يُعاني منه حتى اليوم بعد أن تضاعف عددهم أكثر من عشرة أضعاف شاهدين بوجودهم وصمودهم بأنَّ فلسطين أرضٌ لها شعب بخلاف أكذوبة الرواية الصهيونية بأنها أرض بلا شعب.
فرضت دولة (إسرائيل) الحكم العسكري على هذا الجزء الصامد من الشعب الفلسطيني داخل فلسطين المُحتلة عام 1984م، واستمر الحكم العسكري حتى عام 1966م، مارست ضدهم كل أنواع القمع والتضييق من قتل واعتقال وتهجير ، ومصادرة للأرض، كان أبرزها مذبحة كفر قاسم عام 1956م أثناء العدوان الثلاثي على مصر. وبعد انتهاء الحكم العسكري بدأت معهم سياسية ( الأسرلة)، وأهم ملامحها: فرض الجنسية الإسرائيلية عليهم، ودمجهم في الدولة اليهودية العبرية، دون أن تٌعطيهم حقوقاً متساوية مع المستوطنين اليهود القادمين من شتى بقاع الأرض، وقد اعتمدت القيادة اليسارية المتصدرة للمشهد السياسي الفلسطيني داخل الكيان الصهيوني آنذاك على النضال الشعبي والسياسي لانتزاع حقوق المواطنة المدنية والسياسية في إطار القوانين الإسرائيلية ، لتحسين حياة الناس ودعم وجودهم وصمودهم في وطنهم. فيم استمرت القيادة الإسرائيلية في تعزيز مفهوم (عرب إسرائيل)، لعزلهم عن امتدادهم الفلسطيني والعربي من جهة، إضافة إلى التعامل معهم كأجزاء منفصلة عن بعضها البعض، بمساعدة بعض قياداتهم المرتبطة بالسلطة، فنجحت في فصل الدروز عنهم وفرضت عليهم التجنيد الإجباري في الجيش الإسرائيلي، وحاولت فصل بدو النقب عنهم، وحاولت التفرقة بين المسلمين والمسيحيين.
طوال مرحلة عزل الفلسطينيين عن شعبهم وأمتهم وعن بعضهم البعض ومحاولات ترسيخ هوية جديدة تحت مفهوم (عرب إسرائيل)، ظل الكيان الصهيوني يسعى إلى تحقيق هدفه بالسيطرة على الأرض بعد انتزاع ملكيتها من أصحابها المتمسكون بها، وأمام هذا الهدف الذي يمثل جوهر المشروع الصهيوني وصراعه مع الشعب الفلسطيني، كانت أكذوبة المواطنة الإسرائيلية تتهاوى، ووهم الأسرلة بمفهوم (عرب إسرائيل) يتساقط، واختراع القوانين المدنية والعسكرية المُفصلّة لانتزاع الأرض الفلسطينية تتوالى، وآخرها قانون ( تطوير الجليل والنقب)، الذي تم بموجبه مُصادرة (21) ألف دونم من أراضي قرى عّرابة وسخنين ودير حنا وعرب السواعدة، فكان ذلك بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، فأشعلت فتيل انتفاضة يوم الأرض في الثلاثين من مارس آذار عام 1976م، فارتوت الأرض بدم الشهداء والجرحى، ليكون يوم الأرض نقطة تحوّل في الصراع على الأرض، خاصة بعد إعادة التواصل والالتحام مع جذورهم وامتدادهم الشعبي والوطني في الضفة والقطاع، لا سيما بعد بدء الانتفاضة الأولى عام 1987م، والانتفاضة الثانية عام 2000، والمشاركة فيها، ثم في هبة القدس عام 2015م، وصولا إلى تصدر مشهد الدفاع عن المسجد الأقصى مع أهل القدس في رمضان السابق، وتضامنهم مع أهل غزة في حرب ( سيف القدس).
حرب (سيف القدس) كأعلى تجلّي للمقاومة في شكلها الكفاحي المُسلّح، هي أفضل المراحل التي تبرز فيها الهوية الوطنية الفلسطينية، وتتحقق فيها الوحدة الوطنية الفلسطينية، فعلى الدوام كانت المقاومة توّحد الشعب الفلسطيني وتعمق هويته الوطنية، وهذا ينطبق على مجموع الشعب الفلسطيني في فلسطين وخارجها، لا سيما داخل فلسطين المحتلة عام 1948م، وهذا ما أزالت عنه الغبار حرب (سيف القدس)، التي بددت وهم الكيان الصهيوني بوجود شعب اسمه (عرب إسرائيل) اخترعوه من أوهامهم المريضة، ليجعلوه جزء من أكذوبة (المجتمع الإسرائيلي) المُركب من جيتوهات المدن الأوروبية، لتتجّمع في جيتو واحد كبير اسمه ( إسرائيل)... هذا الوهم الذي بددته صواريخ المقاومة من غزة، وأصوات جماهير الشعب الفلسطيني من مدن وقرى الأرض المُحتلة عام النكبة التي تهتف للقدس وغزة مُعلنةً صوت عرب فلسطين، مُبددة وهم (عرب إسرائيل).