خلال السنوات الماضية حاول رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو تهميش القضية الفلسطينية من خلال إستراتيجية تعزيز واقامة علاقات مع دول عربية واستطاع بمساعدة ومباركة الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب بإقامة علاقات مع دول الخليج وتمكن من توقيع اتفاقيات تطبيع مع عدد من هذه الدول، إلا أن صمود المقاومة الفلسطينية وانتصارها في قطاع غزة وانتصار المقدسيين في القدس اثبت ان هذه الاستراتيجية لم تحقق اهدافها.
قد يكون مبكرا الجزم بأحداث تغيرات جوهرية في فشل نتنياهو لكن الاحداث الجارية في القدس والضفة والقطاع وفلسطين التاريخية بينت أن استراتيجية نتنياهو ليست بديلا عن الاعتراف بالحقوق الفلسطينية.
صواريخ غزة المصنعة محليا التي انهمرت على المدن الاسرائيلية ألحقت أضرارا جسيمة بالممتلكات والاسرائيليين ومعنوياتهم وردعهم وتركت انطباع ان الدولة لم تستطع توفير الحماية لهم وانهم غير محصنين خاصة استهداف المدن الكبيرة مثل تل ابيب وقبلها القدس والتي ردت اسرائيل بشن عدوان أسمته حارس الاسوار ردا على استهداف المقاومة للقدس.
خلال عقد ونصف من الزمان طرحت الكثير من السيناريوهات حول الوضع الفلسطيني خاصة حالة قطاع غزة، وشنت اسرائيل ثلاث دورات عدوانية غير عشرات جولات التصعيد العدوانية واتبعت اسرائيل استراتيجية تركيع غزة واستمرار الضغط على حماس وتشديد الحصار، واستمرار الحصار ومن اجل إنهاك حركة حماس وتهشيم قدراتها العسكرية.
ومع ذلك لم يتم احداث تغييرات من اجل اضعاف حماس وظلت سياسة اسرائيل تراوح بين الإبقاء عليها مسيطرة على غزة، وفي الوقت ذاته تقليص قدراتها العسكرية، من أجل تخفيض تهديداتها الأمنية.
وبعد اندلاع مسيرات العودة في العام ٢٠١٨، وعقد ترتيبات بوساطة مصرية قطرية أممية، وبدأت بالادعاء بتخفيف الحصار وتقديم تسهيلات، لكنها لم تلتزم بها ومارست سياسة الابتزاز في تقديم التسهيلات والاموال القطرية، ولَم تفلح تلك التسهيلات برفع الحصار وظلت اسرائيل تمارس نفس السياسة وكان من المتوقع اندلاع المواجهة في اي لحظة، إلا ان بادرت المقاومة بالبدء بالتصعيد استجابة لنداء المقدسيين والذي ظهر وكأنه السبب الرئيسي واعتقد ان الحصار والاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيين في قطاع غزة كان ايضاً سبب في اندلاع المواجهة الاخيرة خاصة بعد تأجيل القيادة الفلسطينية الانتخابات التشريعية..
وعلى إثر وقف إطلاق النار، إلا أن الهدوء في القطاع هش ومؤقت بمعنى انه قد لا تندلع مواجهة عنيفة في المدى القريب، وتحاول اسرائيل تشديد الحصار وفرض شروط لإعادة الاعمار، وكان نتنياهو هدد ووعد بأن الوضع الذي ساد بعد عملية “حارس الأسوار” لن يعود إلى سابق عهده، وأن إسرائيل ستفرض “معادلة جديدة” أمام حماس. وهذا التهديد يتوافق مع توصيات الجيش الاسرائيلية والشاباك وهذه التوصيات شملت أيضاً تغيير آلية نقل الأموال من قطر إلى القطاع ويحب ان تمر عبر السلطة الفلسطينية وبإشرافها.
هذه الاستراتيجية القديمة الجديدة تعبير عن الفشل تجاه تركيع المقاومة والبحث عن صورة انتصار بتشديد العقاب الجماعي على الفلسطينيين في قطاع غزة.
اسرائيل تحاول تكريس الاستراتيجية السابقة تجاه القطاع التي اتبعتها خلال العقد ونصف الماضيين، وحتى لو نجحت مصر وقطر والامم المتحدة ودعم الاولويات المتحدة بالتوصل لتفاهمات، والعودة للترتيبات السابقة، لأن اسباب الازمة مستمرة وهي الاحتلال والحصار. وإغلاق المعابر، ولا تزال الاوضاع في القدس والضفة الغربية متوترة.
وفي ظل الاخبار التي تقول ان وزير الامن بيني غانتس ينوي إشراك دول الخليج في رسم السياسة في قطاع غزة، وسعي مصر المشاركة في عملية اعادة الاعمار ويبدو انها تريد العودة للقطاع بعد قطيعة استمرت عقد ونصف من الزمن.
وهناك انتقادات من بعض المعلقين الاسرائيليين الذين يشككوا في سياسة المستوى السياسي والامني تجاه غزة وانه لا توجد خطة واضحة، وان هناك مجموعة من الأفكار، قد تكون وصفة لخسارة إنجازات الجيش الإسرائيلي من عملية حارس الاسوار.
ويحرض بعض المعلقين ايضا ويتساءلون هل ستتعلم اسرائيل للاستفادة من إنجازات العملية العسكرية أم أنها ستحلها بأعذار سياسية؟
في ضوء ذلك لا شك ان هبة القدس ومساندة الضفة وما جرى من مواجهات فلسطيني الداخل ردا على اعتداءات المستوطنين الارهابية ضدهم، ورد المقاومة انتصارا للقدس كل ذلك شكل انتصار للمقاومة ولَم تركع وترفع الراية، بل ضربت تل ابيب، وخلقت حالة وطنية شملت عموم الفلسطينيين في جميع اماكن تواجدهم.
صورة هذا الانتصار حققت هزيمة نتنياهو
وهي هزيمة بدأت قبل العدوان على قطاع غزة، بانتصار القدس في باب العمود، والداخل الفلسطيني وتحاول اسرائيل خلق صورة انتصار ضدهم بحملة الاعتقالات الشرسة التي تنفذها الشرطة ضدهم.
معركة القدس وغزة وانتصارها حققت هزيمة ليس لنتنياهو فقط، بل لدول الخليج العربي المطبعة.
بعد ان اعتقد نتنياهو انه حقق انتصارا وإنجازا تاريخيا في تطبيع علاقات إسرائيل مع الدول العربية، خاصة بعد "اتفاقيات أبراهام" التي ساعدت على تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين، ولاحقا السودان، وطهر الامر أن إسرائيل في عهد نتنياهو انها تعيش في سلام ورخاء، وخرجت من عزلتها الدولية.
هذا الوهم انهار مع رد المقاومة الفلسطينية من غزة ومقاومة المقدسيين على سياسية الطرد والتطهير العرقي، ومقاومة فلسطيني الداخل لإرهاب المستوطنين واليمين الفاشي.
كل ذلك ساهم في تبخر استراتيجية نتنياهو وأمله في تهميش القضية الفلسطينية وانه مجرد وهم.