في كل مرة تقوم المقاومة الفلسطينية بتوجيه الشكر والثناء لايران بسبب دعمها بالمال والسلاح والخبرات نجد هناك مَن يعترض على ذلك وفي كل مرة يعتبرون ذلك مُبالغاً فيه، ولا ندري أهؤلاء أعلم مِن قادة فصائل المقاومة بالدعم الذي تقدمه إيران لها؟!
هؤلاء يسوقون بعض المبررات التي أصبحت تجري على ألسنتهم كالنشيد الوطني يعزفونها عند كل شكر توجهه المقاومة لإيران، سنتطرق لما يقولونه:
أولا: قولهم بأن إيران تهدف من دعمها المقدّم للمقاومة الفلسطينية: إقامة امبراطورية فارسية ونشر المذهب الشيعي*
ألا يرى هؤلاء الإمبراطورية والهيمنة الأميركية في المنطقة والامبراطورية الصهيونية التي تحتل فلسطين من بحرها إلى نهرها، تلك الامبراطوريات الواقِعة بيننا واليقينية والتي لا تحتمل الشك، ثم هؤلاء لم يروا مرحلة العُلو الصهيوني الواقع الذي يحتل القدس ويُحاصِر الناس ومن بينهم هؤلاء، ويُهيمن على الوطن العربي ومعظم الحُكَّام وبالذات حُكَّام الخليج الذين يقدمون له فروض الطاعة والولاء، هؤلاء لا يرون هذا الواقع ثم يريدون أن يقنعوننا بإمبراطورية فارسية مُحتمَلة - ( أي أنه "وفق رؤيتهم" من المُمكن أن يكون الكلام صحيحاً أو غير صحيح)، أي أن هؤلاء يتركون اليقيني ليقنعونا بالمُحتَمل والمشكوك به.
يوجد في العالم أكثر من مليار مسلم سنِّي. معقول كل هؤلاء توجد لديهم من الهشاشة الفكرية والدينية لأن يخافوا من 200 مليون شيعي؟ معقول إلى هذه الدرجة وهذا المستوى هناك هشاشة لديهم لأية هبَّة ثقافية؟ طبعاً هذا في حال فرضنا أن كلام هؤلاء صحيح. وأكبر شيء يُثبت أن هذا الكلام غير صحيح أنه يوجد في إيران 20 مليون سنّي ويزيد، لماذا لم تشيِّعهم إيران ؟!! مع أنه الأولى أن تشيِّع مَن هم تحت حُكمها وسيطرتها قبل أن تذهب لمن هم خارج حدودها، أليس كذلك؟!! في لبنان أيضاً موجود حزب الله، لماذا لم يشيِّع اللبنانيين في الجنوب؟!!
نضيف أيضا...الثورة الإيرانية عندما قامت، هل قامت على السنَّة أم على الشيعة؟ هي قامت على الشيعة وقُتِل مئات الآلاف من الشيعة عبر سنوات الثورة، ثم قامت الثورة بإعدام آلاف الأشخاص، هل كان هؤلاء سنّة؟ بالعكس كانوا من الشيعة.
إذن الصِراع الدائر ليس قصته شيعي وسنّي، فإيران تدعم كل مَن يُقاتل "إسرائيل" وكل مَن يقف ضد الهيمنة الأميركية.
الإمام الخُميني وهو في منفاه في العراق أفتى بجواز دفع الخُمس للمقاومة الفلسطينية، هذا قبل ظهور حماس أو الجهاد الاسلامي أصلا، وهذا قبل أن يتمكَّن الإمام الخُميني ويصبح له دور في إيران، وأول ما صار له دور وتمكَّن في الدولة الإيرانية أقام سفارة لفلسطين.
يا هؤلاء، النظام العربي الآن يُحاصِر الفلسطينيين، ويتآمر على المقاومة، ويمنع الزكاة أن تصل إلى أهل فلسطين، وقام بترحيل الفلسطينيين من بلدانهم. السعودية رأس السنّة وصفت المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، الإمارات فتحت سفارة داخل الكيان واعترفت به وكذلك البحرين، وشاركت الإمارات في تدريبات مُشترَكة مع العدو الصهيوني وعُزِف النشيد الوطني الصهيوني فيها، الموضوع يا هؤلاء سياسي والصراع واضح وهو ليس شيعياً وسنّياً، فالسنّي العراقي الذي يُنسَّق مع الأمريكان هو خائِن، وكذلك الشيعي العراقي الذي يُنسِّق مع الأمريكان هو خائِن بنفس المستوى، والشيعي الذي يُقاتِل الأمريكان هو نظيف وكذلك السنّي الذي يُقاتِل الأمريكان، هكذا مطلوب أن يُفهَم الصراع، وغير مطلوب أن يُفَهم أن السنّي هو سيدخل الجنّة حتى لو كان خائِناً، والشيعي سيدخل النار حتى لو كان مقاوِماً.
"الإسرائيلي" حدَّد أعداءه في مؤتمر هرتسيليا وهم: إيران وحزب الله والمقاومة الفلسطينية، لم يصنّفهم شيعة أو سنّة، بل صنَّفهم أنهم خطر على كيانه فحسب، إذا كان اليهود أنفسهم يقولون إن هؤلاء أعداؤهم، لماذا يذهب هؤلاء للحديث خارج الخطوط والدوائر؟!! لماذا العدو لم يصنِّف السعودية او الامارات او البحرين، أو مصر أو الأردن أنهم من أعدائه؟!! بالعكس تماماً "الإسرائيلي" يقول بأن السعودية حليف وكذلك الأردن ومصر والبحرين والإمارات، إذن العدو لا يصنِّف الأعداء والحلفاء على أُسُس طائفية.
ثانيا: يقول هؤلاء: بأن على فصائل المقاومة أن تستفيد من إيران أقصى ما يُمكن، تأخذ المال والسلاح منها وأن هذا يعتبر واجب على إيران لأن لها مصالح من وراء هذا الدعم*
هؤلاء بألسنتهم يعترفون بأن إيران تقدِّم للمقاومة المال والسلاح، وإيران تقدَّم المال والسلاح للمقاومة، لماذا؟ أليس لقتال "إسرائيل"؟ هؤلاء يُناقضون أنفسهم بأنفسهم ويردّون على أنفسهم بأنفسهم عندما يقولون بأن إيران لا تُناصِر قضايا الأمَّة الجوهرية، مادامت إيران تقدِّم المال والسلاح لقتال العدو الصهيوني كما تقولون، إذن هي حليف يعوَّل عليه، وأية قضية جوهرية للأمَّة أعدل وأوضح وأحقّ من قضية فلسطين، ثم بعد ذلك هؤلاء يستكثرون بأن يتمّ تقديم الشُكر لإيران على ما تقدِّمه من مالٍ وسلاحٍ للمقاومة لأنها شيعية، في وقتٍ هم يعلمون أن هناك دولاً عربية وصفت المقاومة بالإرهاب وتُحاصَرها وتتآمر عليها ثم بعد ذلك لا تجد من هؤلاء حيال ذلك سوى الصمت والتحيات، يا هؤلاء مَن لا يشكر الناس لا يشكر الله.
ثالثا: هؤلاء يدّعون بأن شُكر فصائل المقاومة لإيران يُقلِّل من جمهورها وسط أهل السنّة*
حماس والجهاد وفصائل المقاومة في النهاية هي تنظيمات مُقاتِلة لديها قضية. والتنظيمات المُقاوِمة غير معنية بالهُتاف والتصفيق والكَذِب والتدليس والخطابات والبيانات بقدر ما هي معنية بالدعم بالمال والسلاح والتدريب. المقاومة تعرف ما تريد وتعرف أين تضع أقدامها وتعرف حلفاءها، والمقاومة تعرف أنها لا تمدح أحداً بالمجّان وهي عندما أثنت على إيران هذا لأنها تعرف قدرها وتعرف حجم ما قدَّمته للمقاومة، وبالتأكيد أن المقاومة أدرى مِنْ هؤلاء بحجم إيران، ولو أن فصائل المقاومة امتلكت الجماهير ولم تمتلك السلاح أو المال فإن الجماهير في النهاية ستتفلّت ممَن يحملون الشعارات ولا يُمارسونها على الأرض، والمقاومة ليست شعاراً وهي بحاجة إلى مالٍ وسلاحٍ كي تتم ممارستها.
المقاومة لديها مصالح وكل دولة لديها مصالح وإيران كذلك، والمصالح ليست سُبَّة في الدنيا أو في التاريخ، إذا التقت المصلحة الإيرانية بحرب "إسرائيل" مع مصلحة حماس بحرب "إسرائيل" مع مصلحة حزب الله بحرب "إسرائيل" مع مصلحة الجهاد الإسلامي بحرب "إسرائيل" فنِعَمَ المصالح.
إننا نتمنَّى على هؤلاء ألا يتحدَّثوا باسم أهل السنّة بشكلٍ عام، فأهل السنّة على اختلاف مشاربهم ولغاتهم بخير ويُحبِّون مَنْ يُقاتِل من أجل الدفاع عن المسجد الأقصى، لذلك شعبية المقاومة ستبقى بخير، وليطمئن هؤلاء ولا يقلقون على جماهير المقاومة المُحِبّة لقِتال العدو، أهل السنّة يحبّون حماس ويحبّون الجهاد وكل مَن يُقاتِل الاحتلال، حتى أنهم أحبوا حزب الله وعلَّقوا صوَر زعيمه في الأزهر الشريف عندما حارب العدو الصهيوني.
فلتطمئنوا يا هؤلاء على جمهور المقاومة، ولتطمئنوا أكثر ليس فقط على جمهورها بين أهل السنّة بل من كل قوى الخير وأحرار العالم من مسلمين ومسيحيين من الذين يُحبِّون مَن يُقاتِل هذا المُعتدي الصهيوني.
مَن يريد ان يُحارِب "إسرائيل" يجب أن يبحث عن تحالفات، ثم يشكر حلفاءه على دعمهم ومُساندتهم، فلا يجوز أن تأخذ المقاومة من الحليف المال والسلاح والخبرات ثم تشتمه، ولا يجوز أن تشكره بالعَلَن وتشتمه بالسِّر، ولا يجوز أن تُدخِله الجنّة بالعَلَن وتدخله النار بالسّر، ولا يجوز أن تُنكر عليه مساندته أو أن تبصق في البئر الذي تشرب منه، وإلاّ أين الوفاء الذي هو قيمة من قِيَم الإسلام؟ حتى العقل والمنطق يقول إنه مطلوب احترام الحلفاء وإنصافهم، فما بال هؤلاء ينكرون ذلك كله عند شكر إيران، ويا هؤلاء عند الله تجتمع الخصوم.