قائمة الموقع

معركة سيف القدس.. دروسٌ وعبر

2021-05-27T12:26:00+03:00
القيادي في حركة الجهاد الإسلامي أحمد المدلل.jpeg
بقلم/ أحمد المدلل

لم ينتصر المسلمون طوال تاريخهم على اعداءهم بسبب كثرة عدد أو عتاد ، ولنا في معركة بدر نموذج واضح ، وكذلك معارك كثيرة ومفصلية بعد ذلك بسنوات وبعد ذلك بقرون وإلى يومنا هذا. كانت معركة بدر اول معركة حقيقية فى التاريخ الإسلامى ارادها الله أن تكون درساً للأمة الإسلامية تبين لهم أسباب النصر الحقيقية ، لا مقارنة بين الفريقين فى العدد والعتاد ، كما أن جيش المسلمين لم يخرج لقتال وإنما خرج الصحابة رضوان الله عليهم للاستيلاء على قافلة قريش كما أخبرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هذه عير قريش قادمة من الشام اخرجوا لعل الله أن ينفلكموها ) تعويضا لأموالهم وممتلكاتهم التى تركوها وراءهم فى مكة وقد استولت عليها قريش ، ولكن الله أراد شيئاً آخر ( وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين . ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون ) أراد الله أن تكون معركة بدر فرقانا بين الحق و الباطل ، فرقانا بين عهدين عاشتهما الفئة المؤمنة حينئذ عهد الضعف والمسكنة وعهد القوة والمنعة ، لذا ربنا سبحانه هو الذى قدر حدوث المعركة بإرادته كما أن أحداثها سارت بإدارته ، جيشٌ مدجج بالسلاح والعتاد والفرسان الصناديد وقادة قريش جاؤا لقتال المسلمين الذين لا يملكون من مقومات القوة الا القليل جاؤوا لاجتثاث الاسلام ، أراد الله سبحانه ان تنتصر الفئة المؤمنة القليلة على الفئة الكثيرة المدججة فى معركة بدر الكبرى لذا هو الذى حدد معالمها جيداً فى الموعد وفى المكان وفى الميدان منذ البدايات وأكد للمجاهدين الأقلة الأذلة كما وصفهم فى القرآن ( ولقد نصركم الله ببدر وانتم أذلة ) ( واذكروا إذ انتم قليل مستضعفون فى الأرض تخافون أن يتخطفكم الناس ) أنهم ليسوا وحدهم ، فأمدهم بالملائكة كدعم ومساندة ، وهيّأ لهم أرضية القتال وأنزل المطر ليطهرهم ويربط على قلوبهم ويثبت أقدامهم ، وقد أغرى الطرفين بعضهم ببعض بتقليل اعداد أحدهم امام الآخر بالرؤيا فى المنام حتى يُقبلوا على المعركة بعزيمة قوية ، وبعد انتهاء المعركة وكان الانتصار حليف المسلمين ذكّرهم قائلاً " فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى " ، وإذا تابعنا أحداث وحيثيات معركة " سيف القدس" يتأكد لنا كيف أنها جاءت على قدر لم يتوقعه العدو قبل الصديق ، حينها كانت الفصائل الفلسطينية تعقد اجتماعاتها ضمن حراك فصائلى يناقش ويضع البرامج من أجل مواجهة جرائم الاحتلال ضد الشيخ جراح والقدس والاقتحام الكبير يوم ٢٨ رمضان لعشرات آلاف المتطرفين اليهود لساحات المسجد الأقصى ، انتهت الإجتماعات واتفق الكل الفلسطينى على برنامج وطنى للقيام بفعاليات واعتصامات ومظاهرات وخطابات مع تحذير بعض فصائل العمل الوطنى بعدم الذهاب الى اطلاق صواريخ كما حدث فى بداية الهجمة المسعورة على أهلنا فى القدس ووضع الحواجز العسكرية فى باب العامود وطرد الفلسطينيين من الشيخ جراح عندما ضربت سرايا القدس رشقة صواريخ كرسالة للتعبير عن غضب المقاومة لما يحدث هناك ، وطالبت الفصائل الوطنية ألا تنحرف انظار العالم عما يحدث فى القدس الى غزة ، وخصوصاً أن حرب ال٢٠١٤ لا تزال آثارها قائمة وأى معركة قادمة ستكون أشد وأنكى من معركة ٢٠١٤ وسط تهديدات الاحتلال الصهيونى ، واتفق الكل الفصائلى على صياغة برنامج وطنى يتفق عليه الجميع ، وكما يقول المثل الشعبى " العبد فى التفكير والرب فى التدبير " وفى لحظة حاسمة بينما العدو يُحشّد عشرات آلاف المتطرفين اليهود وهم يحملون الهيكل الذى سيتم غرسه فى ساحات المسجد الأقصى ولم يأخذ العدو حينها تهديدات المقاومة على محمل الجد والتى قامت بتنفيذها فى لحظة لم يتوقعها العدو الصهيونى ولا اجهزة مخابراته ولا اركان جيشه ، قبل الساعة السادسة مساءً بدقائق معدودة كانت سراياالقدس تضرب جيب الاستخبارات الصهيونية بصاروخ الكورنيت فيصيبه بحِرفيّة فائقة ويقتل من بداخله على حدود غزة الشرقية وفى السادسة بالضبط كانت صواريخ كتائب القسام تزأر فى سماء القدس وتبعثر الجمع اليهودى المتطرف والذين يحمونهم من الجيش ليهربوا وكلٌّ منهم يبحث عن مخبأٍ ليحمى نفسه من الصواريخ ، وفى تاسعة البهاء من نفس الليلة صدرت الأوامر إلى الصهاينة فى تل أبيب وعسقلان وغلاف غزة وغيرها بأن يدخلوا الملاجئ ، وأعلنت الغرفة المشتركة عن بداية معركة سيف القدس التى مثّلت مفصلاً فى تاريخ الصراع مع العدو الصهيونى وشكّلت صدمة قوية للإحتلال شلت تفكيره ، لاول مرة فى تاريخ دولة الاحتلال يشعر الصهاينة بالمأزق الوجودى عندما يُصب على رؤوسهم هذا العدد من الصواريخ ( ٤٤٠٠ صاروخ بكافة الأنواع والأشكال والمدى والرؤوس المتفجرة والثقل والسعة ) وتشل الحياة فى المدن والمؤسسات والمطارات والمراكز التجارية والميادين والشوارع ويختبئ خمسة ملايين صهيوني فى الملاجئ ، وقد أبدعت قوى المقاومة فى ادارة المعركة ، نفذّت مقاومة غزة تهديداتها وأكدت مصداقيتها ، وهى التى حددت بداية المعركة وإحداثياتها وأيضاً حددت نهايتها.، مما اصاب القادة الصهاينة سياسيين وعسكريين بصدمة كبيرة جعلتهم فى حالة.ارباك وتخبط شديدين ولم يستطع أفيف كوخافى أن ينفذ من خطته ( تنوفا) شيئاُ وأن يتقدم بدباباته نحو غزة سنتمترا واحدا مما دفع أبو حمزة الناطق بإسم سرايا القدس أن يخرج إليهم ويصرخ فيهم " أين جيشكم ، أين مدرعاتكم ، أين خططكم العسكرية" وكانت رسالة أبى عبيدة الناطق بإسم كتائب القسام " نحن ننتظركم " ، ولأن المعركة من أجل القدس والأقصى فإنَّ الكل الفلسطينى قد تمحور حول المقاومة حتى الذين كانوا يعارضون ضرب الصواريخ على الاحتلال من غزة التفوا حول المقاومة وطالبوها بالمزيد ، لقد خلقت معركة سيف القدس حالة وطنية فلسطينية موحدة غير مسبوقة ، كما أن تداعيات معركة سيف القدس على الاحتلال الصهيونى كانت كبيرة وغير متوقعة على المستوى الداخلى والاقليمى والدولى ، وبكل فخر واقتدار نستطيع القول أن معركة سيف القدس صنعت تحولاً استراتيجياً فى الصراع مع العدو الصهيونى ومهدت الطريق باتجاه التحرير وزوال الاحتلال . ويمكن ان نستلهم من معركة سيف القدس دروساً وعبراً أهمها :

- مدى هشاشة الكيان الصهيونى ، وضرورة الاستمرار فى الإعداد والتجهيز بقدر الإستطاعة " وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " وليس شرطا من شروط الانتصار ان تمتلك نفس الامكانيات التى يمتلكها عدوك .

- أن النصر فى بدر لم يكن سببه الأساسى الملائكة وفى معركة سيف القدس لم تكن بسبب كثرة العدد او تطور السلاح وان كان ذلك دافعا للمواجهة وإنما يجب اليقين بأن مصدر النصر هو الله " وما النصر إلا من عند الله "

- الكثرة ليست عنواناً للانتصار " وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله" والدليل أن تعداد أمتنا ٢ مليار من العرب والمسلمين لم يستطيعوا مواجهة بضعة ملايين من الصهاينة المغتصبين فيما الشعب الفلسطينى بمقاومته المحدودة يصنع هاجساُ وجودياً للاحتلال ويدافع عن القدس والأقصى وهما ملك للأمة كلها .

- بالرغم من الدمار والجرائم التى ارتكبها العدو الصهيونى لم يستطع العدو الصهيونى ان يحقق أهدافه باجتثاث المقاومة او كسر إرادتها او التفريق بين المقاومة وحاضنتها الشعبية .

- تأكد مدى التخبط والفشل الذى مُنى به العدو الصهيونى عندما لم يجد من بنك أهداف إلا الاطفال والنساء والعجائز وذوى الإعاقة والابراج والمبانى السكنية والبنية التحتية .

- ان اغتيال القادة ليس معناه حسم المعركة لصالح العدو ، بل إن دماء القادة الشهداء تُشعل المعركة وتزيد المجاهدين إصراراً بالمضى فى المعركة حتى تحقيق النصر .

- أكدت معركة سيف القدس ضعف المنظومة السياسية و الأمنية والعسكرية الصهيونية وأن تقديرات العدو للمعركة كانت خاطئة بالرغم من محدودية وانكشاف جغرافيا قطاع غزة التى لا تمثل سوى ١.٢% من مساحة فلسطين الكلية .

- تأكد للكل الفلسطينى أن عنوان الوحدة الفلسطينية الحقيقى هو ميدان المقاومة وادامة الاشتباك مع العدو الصهيونى على كامل جغرافيا فلسطين وبكافة السبل المتاحة .

- أنَّ محاولات العدو الصهيونى لاحتواء وتدجين الشعب الفلسطينى فى أراضي ال٤٨ وأسرلتهم قد ذهبت ادراج الرياح أمام اسطورة التحدى التى سطرها شعبنا هناك فى معركة سيف القدس .

- لا يمكن تصفية القضية الفلسطينية مهما تعاظمت المؤامرات عليها ( صفقة القرن ، تطبيع بعض الأنظمة العربية مع العدو ، الجرائم المستمرة التى يرتكبها العدو الصهيونى ، الاتفاقيات السياسية وشرعنة الاحتلال وحصار المقاومة ) ، فقد أعادت معركة سيف القدس الحضور وبقوة للقضية الفلسطينية على الساحة العربية والاقليمية والدولية.

- عدم المراهنة على اى خيار سياسى يمكن ان يجلب لأحدنا الشرعية من هذا العالم الظالم وإنما شرعيتنا الحقيقية ننتزعها بقوة المقاومة ومعركة سيف القدس خير شاهد ودليل.

اخبار ذات صلة