منذ اللحظات الأولى (لمعركة سيف القدس)، فرضت صواريخ المقاومة السيادة الفلسطينية على مدينة القدس، فألغت (مسيرة الأعلام) الاستيطانية، وأجبرت مستوطني تل أبيب على منع التجوّل، ووحدت الشعب الفلسطيني خلف القدس وسيفها منتفضين ضد الاحتلال... وقبل أن تضع الحرب أوزارها ويعود السيف إلى غمده، أصبح من الواضح أنّ ما بعد الحرب ليس كما قبلها، وأنّ مشروع التحرير قد وصل إلى محطة سياسية وعسكرية متقدمة لا رجعة عنها، تقتضي إعادة توجيه مسار مشروع التحرير بعيداً عن الفريق الخائب المعطل لمسار التحرير، والذي ربما يسير بطريق معاكس لمسار التحرير، وهذا يتطلب العودة إلى بداية الانحراف في المشروع الوطني الفلسطيني على يد نفس الفريق الخائب الفاشل.
المشروع الوطني الفلسطيني بعد النكبة تبلور بعد إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964م. وحدد أهدافه بتحرير كل فلسطين، وعودة كل اللاجئين، وتحقيق الاستقلال الوطني، وحدد وسيلته بالكفاح المسلح، وحرب التحرير الشعبية، وعَرف طبيعة المرحلة كمرحلة الكفاح الوطني لتحرير فلسطين، ورسم ملامح المشروع الوطني الأساسية، وأهمها: طبيعة الكيان الصهيوني، وحلفاء الثورة وأعدائها... وبفعل عوامل التعرية الثورية، والتآكل في مفهوم الوطنية، وتشويه الواقعية الثورية، تم تعديل المشروع الوطني وإعادة إنتاجه بعنوان البرنامج المرحلي أو النقاط العشر عام 1974م، الذي فتح الطريق بعد عشرين عاما لاتفاقية أوسلو وإقامة السلطة الفلسطينية عام 1994م، بعد إجراء عملية تجميل فاشلة للبرنامج المرحلي، فأُقيمت سلطة تحت الاحتلال وليس على أرض محررة، وسلطة تحكمت فيها نخبة غير وطنية بدلا من إقامة سلطة وطنية، وسلطة مُسالمة ومرتبطة بالاحتلال مكان سلطة الشعب الوطنية المُقاتلة، وسلطة مقبرة للدولة المستقلة وليست ممراً لها، وسلطة تقدم وظائف أمنية ومدنية وسياسية تخدم الاحتلال أكثر مما تخدم الشعب.
فريق أوسلو كانوا من أهم أسباب حدوث الانقسام الفلسطيني عام 2007، بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية قبلها بعام، وكان هذا الفريق المسؤول عن فرض العقوبات الاقتصادية المُهينة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ومنذ ذلك الحين فشلت كل محاولات المصالحة، وإعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني تحت سقف اتفاقية أوسلو، بما فيه المحاولة الأخيرة بإنجاز المصالحة وبناء النظام السياسي الفلسطيني من بوابة الانتخابات التشريعية والرئاسية والوطنية، لإعادة بناء السلطة والمنظمة.
ورغم تنازل فصائل المقاومة عن بعض قناعاتها لإنجاح مسار الانتخابات والمصالحة، فشاركت في العملية الانتخابية أو التزمت بعدم تعطيلها، إلا أنَ فريق أوسلو قلب الطاولة الوطنية عندما تأكد له أنَ نتائج الانتخابات لن تكون لصالحه، وأنَ الشعب سيعاقبهم على التنسيق الأمني وعقوبات غزة وفساد السلطة، فأخرج من جيبه ورقة القدس المتعلقة برفض سلطة الاحتلال إجراء الانتخابات فيها، لُيعلن تأجيل الانتخابات، وهي كلمة السر لإلغائها، فاستخدم قضية وطنية لتحقيق أهداف غير وطنية، فهو حق يراد به باطل.
أمام دور فريق أوسلو في انحراف مسار المشروع الوطني، وتخريب مسار المصالحة وإعادة بناء النظام السياسي عبر الانتخابات، وأمام الحقائق التي فرضتها المقاومة في جولات كفاحها المسلح وآخرها (سيف القدس)، وأهمها: توّحد الشعب الفلسطيني خلف المقاومة، وخروج فريق أوسلو من دائرة الصراع مع العدو، لا مناص من إعادة بناء مشروع التحرير الوطني المقاومة بعيداً عن هذا الفريق الخائب، بناءً على القواعد الوطنية المشتركة التي تجمع فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وأهمها حركة فتح، وجناحي المقاومة الوطنية الإسلامية: حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، وتلك القواعد موجودة في الميثاق الوطني الفلسطيني ووثيقتي كل من حماس والجهاد السياسية.
المسار الجديد لمشروع التحرير الوطني المقاوم، يجب أن يكون بعيداً عن المسار السابق الذي تحكم فيه مسار أوسلو، وآخرها الانتخابات الملهاة، وأهم ركائز هذا المشروع عنصري الصمود والمقاومة بعيداً عن مسارات التسوية الفاشلة، وأن يكون مركزه غزة المقاومة باعتبارها مقر سلطة الشعب الوطنية المقاتلة المستقلة بعيداً عن المراكز التي يُدار فيها التنسيق الأمني، وأنّ تكون القدس قبلة مشروع التحرير لكل الشعب الفلسطيني بما فيه الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 1948 باعتبارهم جزءاً أصيلاً صامداً فوق أرضه بعدما استثناهم فريق أوسلو من مشروعهم، وأن تكون القدس بوصلة محور المقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية وكل أحرار العالم، وأن يُعيد مشروع التحرير الاعتبار لوحدة فلسطين : الأرض والشعب والقضية، وأهدافه: تحرير فلسطين، وعودة اللاجئين، والاستقلال الوطني، ووسيلته: الكفاح المسلح وحرب التحرير الشعبية، وطبيعة المرحلة هي مرحلة كفاح وطني لتحرير فلسطين وإزالة الكيان الصهيوني من الوجود.