15 عامًا هي مدة الحصار الذي قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي فرضه على قطاع غزة في أعقاب سيطرة حماس عام 2007 على ذلك الجزء من الأرض الفلسطينية المحتلة، ففرض العقاب على 2 مليون مواطن والاقتصاد وعلى قطيع الحيوانات، وبات حصارها البري والبجري والجوي أمرًا واقعًا –نتمنى تغييره- حتى كتابة هذا المقال، والعالم لم يستيقظ بعد من نومه العميق.
على مساحة 365 كلم منطقة تسمى قطاع غزة تقع جنوب فلسطين وتطل على البحر المتوسط، وفيه كان يوجد حياة، لكن حصار الاحتلال حوله إلى مأساة وبات العيش فيه أشبه بالمستحيل..
قبل الحصار، كان من يدخل غزة يشتم رائحة حمضياتها، ويسمع هدير محركات مصانعها التي لم تكن تتوقف، إلى أن جاءت فترة صمت ولكنها طويلة، ولم يعد يوجد من حمضياتها سوى الفراولة التي يسمع عنها العالم، ودون ذلك قد جرف ودمر وقصف، كما طال المصانع والاقتصاد، وجعل من الشباب والرجال أرقامًا في قوائم البطالة التي وصلت لـ 75%.
قبل الحصار كان السفر إلى العالم لا يتطلب سوى حمل الجواز الفلسطيني، ثم يسهل بعد ذلك كل شيء، أما الآن فبات سجنًا كبيرًا، ليس من السهل الخروج منه، فمن شمال قطاع غزة لو وددت الذهاب إلى الضفة أو القدس عبر معبر بيت حانون/ إيرز، فمصيرك أن تنتظر موافقة الاحتلال الذي يسيطر على المعبر والذي يكاد يكون رده معروفًا إلى أن يقطع خيط الأمل الرفيع برسالة الرفض.
بعد كل ذلك، يسأل المواطن كيف ستقاوم غزة كل دمار بعد كل حرب إسرائيلية تطال كل شيء، الحجر والشجر وكل مناحي الحياة، وكيف يجد المرء فرصة عمل في ظل عدم وجود مواد خام، وأغلب المصانع تعرضت للدمار وبعضها أغلق أبوابه نتيجة السياسات الإسرائيلية والقيود المفروضة، وكيف سيعيش وكيف سيسافر وكيف سيمارس حقه في الحياة، وكيف وكيف وكيف؟
خلال 13 عامًا تكبد أهالي قطاع غزة 4 حروب، لو شنت على الولايات المتحدة الأمريكية لسقطت أشرعتها، ولوقف العالم ليضمد جراحها. كانت أولى الحروب في 2008-2009، والثانية في عام 2012، والثالثة في 2014، والرابعة خلال العام 2021.
لكن الحرب الأخيرة في مايو 2021 ، لفتت أنظار العالم إلى قطاع غزة المدمر أصلاً ولم يتعافى من جروحه السابقة، فحجم الدمار والعنف الإسرائيلي تجاه كل شيء، أظهروه أهالي قطاع غزة إلى العالم صوتًا وصورة ونصًا إلى العالم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، فتضامن معهم المتضامنون، وحركوا ميادين وعواصم دول العالم إلى ساحات اعتصام بأن "كفوا عن غزة وارحموها".
لكن أكثر ما لمس مشاعر أهالي قطاع غزة وخفف من وطأة حزنهم، وقوف مصر التي كانت جارة خلال سنوات العزلة، إلا أن أم الدنيا ليس معروفًا عنها أنها تتخلى عن أبنائها، فأرسلت أثناء الحرب قوافل مساعدات غذائية وإغاثية ومواد بناء لقطاع غزة، وفتحت بوابة عبور المسافرين لدخول مساعداتها والبضائع، كما أدخلت قافلة من المعدات الهندسية والطواقم الفنية إلى قطاع غزة، بإيعاز من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للتحضير لعمليات إعادة الإعمار بعد العدوان الإسرائيلي الأخير.
بوابة معبر رفح التي كانت لسنوات مخصصة لعبور الأفراد فقط بموجب اتفاقية المعابر التي لم تلتزم بها إسرائيل. فتحتها مصر مع غزة لإدخال المعدات والبضائع وكل ما يلزم أهالي قطاع غزة، في أسلوب مناقض لسياسات إسرائيل التي انتهجتها طيلة سنوات الحصار الذي استمر 15 عامًا.
طيلة عقود تحكمت إسرائيل فيما يدخل إلى قطاع غزة ويخرج منه، ضمن سياسات ممنهجة في مراقبة البضائع، وعلى إثر ذلك فرضت الكثير من القيود على المواد بزعم "ازدواجية" استخدامها من قبل المقاومة الفلسطينية، الأمر الذي تسبب في دمار عدة قطاعات كانت حيوية.
وحاربت إسرائيل الاقتصاد الفلسطيني في غزة، ومنعت المزارعين من تصدير الحمضيات التي كان يشتهر بها القطاع، ما تسبب بدمار بل بزوال هذا القطاع ولم يبقي إلا على تصدير الفراولة، وعلى صعيد المنتجات الأخرى فلكثرة إغلاق المنفذ الوحيد للتصدير، لم يعد التجار قادورن على تحمل أعباء التصنيع وتكاليف العمل وأن تصبح مهنتهم عبئًا أمام أعينهم دون عائد.
ويعد معبر كرم أبو سالم المعبر التجاري الوحيد الموجود في قطاع غزة والخاص بحركة البضائع، خصوصًا بعد إغلاق قوات الاحتلال لمعبر الشجاعية "ناحل عوز" ومعبر المنطار "كارني" التجاريين، بالإضافة لإغلاق معبر صوفا شمال شرق مدينة رفح.
ويقع معبر كرم أبو سالم في أقصى شرق جنوب قطاع غزة وتم افتتاحه ليكون بديل عن المعابر التي أغلقتها قوات الاحتلال.
ويشهد معبر كرم أبو سالم حركة متواضعة جدًا تكاد تكون معدومة في أيام تصدير البضائع من قطاع غزة، إذ يشهد تصدير من 4 إلى 7 شاحنات في الأيام المسوح بها بالتصدير من قبل قوات الاحتلال وتكون محملة بالتوابل أو التوت الأرضي أو الزهور ويتم تصديرهم لأوروبا.
إن خطوات مصر الأخيرة والوجود المصري في غزة تفتح باب الأمل لأهالي قطاع غزة، فما يريدونه منها أن تظل مشرعة أبوابها لهم، وأن تضع الاتفاقيات الدولية جانبًا، وأن تبقى عروبتهم توحدهم.