قالوا في الأمثال العربية "اللي بجرب المجرب عقله مخرب"، ويبدو ان عدونا الإسرائيلي من تلك الفصيلة، إذ قد يحتاج إلى درسٍ جديد في "الخطوط الحمراء" كي يستوعب المعادلة جيداً، لاسيما أن المقاومة قد حذرت مؤخراً العدو الإسرائيلي من المساس بالأقصى، أو تهجير أهالي حي الشيخ جراح، تأتي تهديدات المقاومة بعد ان وافق العدو على تنظيم مسيرة الأعلام في القدس والتي من المقرر أن تنطلق يوم الثلاثاء المقبل، والتي تهدف -وفق كثير من المرافقين- للبحث عن صورة نصر أي نصر، أمام مقاومة غزة التي أذلت كسرت الكبرياء الإسرائيلي، ومعه هالة "الجيش الذي لا يقهر".
يشار إلى أنّ المقاومة الفلسطينية، حذرت في أكثر من بيان الاحتلال الإسرائيلي من مغبة المساس في المسجد الأقصى، آخر تلك التحذيرات كانت للمتحدث العسكري باسم كتائب القسام "أبو عبيدة" التي حذر فيها العدو من المساس بالأقصى، إلى جانب إعلانه أن قيادة المقاومة تتابع عن كثب ما يجري في القدس والمسجد الأقصى من محاولات استفزازية وعدوانية من المغتصبين وزعمائهم.
وسبق تهديدات كتائب القسام تحذيرات عسكرية شديدة اللهجة من كتائب شهداء الأقصى التي أصدرت قراراً بالرد الفوري والمباشر على أي عدوان يمس الأقصى أو حي الشيخ جراح.
وبين تلك التهديدات أعلنت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين انها تتابع عن كثب مجريات الاحداث في القدس ومسجدها المبارك، مشيرة إلى أن مرور المستوطنين بـ"مسيرة الأعلام"، عبر باب العمود، أحد أبواب المسجد الأقصى بمدينة القدس المحتلة "عمل عدواني".
التحذيرات التي اطلقتها فصائل المقاومة يرى فيها كتاب ومحللون سياسيون أنه رسالة واضحة باقتراب اشتعال فتيل المواجهة نتيجة الاستفزازات الصهيونية المتكررة، ومحاولات جماعات المستوطنين تنفيذ مسيرات تغضب الفلسطينيين والمقدسيين، ومحاولات الاقتحام الجماعي للمسجد الأقصى.
تهديدات واجبة
الكاتب والمحلل السياسي حسن عبدو يرى أن التهديدات واجبة؛ كون "اسرائيل" تواصل تحديها للعرب والمسلمين في الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى.
وشدد عبدو خلال حديث مع "شمس نيوز" على أن هذه الاقتحامات تعتبر استفزازًا لمشاعر العرب والمسلمين، والفلسطينيين وأهل القدس على وجه الخصوص، لما تحمله من تعدٍ صارخ على ثالث الحرمين الشريفين، وقبلة المسلمين الأولى.
وقال "لو افترضنا أن أحد المعابد اليهودية في أي مكان في العالم تعرض لمجرد الكتابة على الجدران أو أي مساس به، لأقام اليهود الدنيا ولم يقعدها، فكيف للمقاومة أن تبقيه يستبيح المسجد الأقصى لما يحمله من قداسة دون الرد على هذه الاستفزازات".
وتوقع أن يكون للتحذيرات التي أطلقتها المقاومة دوراً مهماً جدًا في الضغط على الاحتلال ودفعه للتراجع عن مثل هذه الاستفزازات، مبديًا اعتقاده بوجود استجابة من خلال الغاء مسيرة الأعلام وتحويل مسارها قبل أيام، وهذا كله يؤكد أن هذه التحذيرات مهمة لدفع الاحتلال للتصدي للمتطرفين والمتشددين من اليمين الفاشي.
الملحمة لم تنته بعد
في السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي خالد صادق أن حالة من التخبط تنتاب أعضاء حكومة بنيامين نتنياهو في أعقاب التهديدات التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية حول مسيرة الاعلام التي كان مزمع إجراؤها الخميس الماضي.
وقال صادق في مقال له بعنوان " مسيرة الأعلام.. ودور الإعلام": "هناك من ايد ودعم الموقف الذي تم اتخاذه من بتقديرات أمنية وعسكرية صهيونية بضرورة الغاء المسيرة لأنها قد تؤدي الى اندلاع شرارة المعركة من جديد بين المقاومة الفلسطينية والجيش الصهيوني, وهناك من دعا الى عدم الانصياع لتهديدات المقاومة لما لها من اثار سلبية على صورة "اسرائيل" ومكانتها في العالم".
وأضاف: "هذا الاسلوب قد تستخدمه المقاومة الفلسطينية في أي وقت لوقف مخططات اسرائيل في القدس والضفة، وهناك من دعا الى حل وسط يضمن تنظيم المسيرة ولكن بشرطين تغيير موعدها بحيث تنفذ في وقت اخر، وتغيير مسارها بحيث تجري غربي القدس, ولا تمر بالأحياء العربية ولا تصل للمسجد الاقصى حتى لا تستفز مشاعر المسلمين".
وشدد على أن اصرار نتنياهو على المضي بإطلاق مسيرة الاعلام في القدس وعدم تغيير مسارها يعني ان مجزرة سترتكب في القدس إذا ما مرت المسيرة من الاحياء العربية.
وتوقع ان ملحمة سيف القدس ستبدأ من جديد، مع دعوته لوسائل الإعلام بضرورة ان تقوم بدورها وتفضح جرائم الاحتلال، واظهار بشاعة ودموية ممارسات نتنياهو وجنوده الاشرار.
وأشار صادق إلى أن (إسرائيل) تخطط لفرض واقع جديدة في المسجد الاقصى يسمح بالتقسيم الزماني والمكاني له, ويهدف لتهويد مدينة القدس بالكامل, داعياً وسائل الاعلام لمواكبة الاحداث جيدا, وان تفضح ممارسات الاحتلال, لأن "اسرائيل" باتت مفضوحة بخطواتها التصعيدية ضد الصحفيين بعد تدمير برج الجلاء اثناء معركة سيف القدس بغزة.
رسالة لمن يهمه الأمر
الكاتب والمحلل السياسي حسام الدجني يتفق مع سابقه في أن تحذيرات المقاومة جدية ولها ما بعدها، مشيراً إلى أن المقاومة تحاول تثبيت قواعد الاشتباك، من خلال تلك التصريحات، لاسيما أن المواجهة الاخيرة اثبتت أن تصريحات المقاومة لها رصيد في الميدان.
ويرى الدجني أن تحذيرات المقاومة تحمل في طياتها رسائل إلى جهات عدة، إذ أنها موجهة للعدو الإسرائيلي، وموجهة في نفس السياق إلى الوسطاء، في محاولة لدفعهم للجم العدوان عن الأقصى.
وذكر الدجني خلال حديث مع "شمس نيوز" "أن رسالة المقاومة موجهة للوسطاء بأنها لا يمكن أن تسكت عن أي اعتداء أو خرق لما حققته خلال معركة سيف القدس من قواعد جديدة".
وأشار الدجني إلى أن المقاومة تحسب تهديداتها وتحذيراتها بميزان الذهب، بمعنى انها قد لا تكون معنية بالدخول في مواجهة جديدة مع الاحتلال، لكنها ستحاول قدر الإمكان الضغط باتجاه الدفاع عن الأقصى بكل السبل، مثل تفعيل الداخل المحتل، والضفة، والقدس، حتى تشكل ضغطاً حقيقاً على العدو، حتى يكف عن عدوانه.
واستدرك حديثه "قد تتدحرج كرة الثلج للعودة إلى دائرة التصعيد ما لم يتدخل العالم لوقف الاعتداءات على المسجد الأقصى والمدينة المقدسة".
وتوصلت الشرطة ومنظمو "مسيرة الأعلام" اليوم الجمعة إلى اتفاق بشأن مسار المسيرة التي من المقرر أن تنظم يوم الثلاثاء القادم، وستشمل أحياء عربية في القدس.
وستنطلق "مسيرة الأعلام" من شارع هنفيئيم باتجاه شارع السلطان سليمان، وصولا إلى ساحة باب العامود، حيث سيقوم المشاركون فيها بحلقات رقص، وبعدها ستتجه المسيرة إلى ميدان تساهَل عن طريق باب الخليل باتجاه حائط البراق.
ويأتي قرار السماح للمسيرة بالرغم من الغضب الفلسطيني وتحذيرات العديد من السياسيين الإسرائيليين، منهم وزير الدفاع بيني غانتس، من أن تنظيم هذه المسيرة ليس خطوة مناسبة نظرا للظروف الأمنية الحالية.
ويتزامن هذا القرار مع اندلاع احتجاجات ومواجهات جديدة بين قوات الاحتلال والفلسطينيين في مناطق متفرقة من الضفة الغربية اليوم.