غريب امر الانظمة العربية الرسمية التي تتسابق للتطبيع والتحالف مع «اسرائيل» في نفس الوقت الذي ترفع فيه «اسرائيل» صراحة ودون مواربة شعار «الموت للعرب» والذي هتف به الاسرائيليون في ميدان باب العامود في القدس المحتلة خلال تنظيمهم لما تسمى بمسيرة الاعلام التي تأتي لتؤكد على توحيد القدس عاصمة «اسرائيل» الابدية كما يقولون, الامر لم يتوقف عند هذا الحد بل تعداه لأكثر من ذلك بكثير ليطال العالم الاسلامي برمته, وذلك عندما هاجم المشاركون في مسيرة الأعلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في اعلان واضح لمعاداتهم للامة الاسلامية, وصمت اكثر من اثنين مليار مسلم على اساءة هؤلاء المستوطنين المجرمين لرسول الله صلى الله عليه وسلم, وتغاضى الاعلام العربي والاسلامي عن تناول ذلك الامر, خوفا من ردة الفعل الشعبية على جريمة الهجوم على الرسول الكريم, لكن اهل القدس خرجوا بصدورهم العارية دفاعا عن الرسول صلى الله عليه وسلم ليدفعوا وحدهم فاتورة الانتماء لإسلامهم وعروبتهم, وكأنه مكتوب عليهم دائما ان يصرخوا ويقولوا «آه يا وحدنا», لعلهم يسمعون ردا على صدى صوتهم يؤنس وحدتهم ويشاركهم معركة الدفاع عن المسرى وعن النبي صلى الله عليه وسلم, وذلك بعد ان تعاظم دور الحاخامات في ادارة المعركة مع الفلسطينيين, وبات غلاة المستوطنين هم من يتحكمون في دوائر صنع القرار في «اسرائيل» ويصرون على شن حرب دينية للقضاء على الاسلام والمسلمين.
حالة الاشتباك اليومية التي تشتعل في القدس تدل على طبيعة المعركة مع هذا الاحتلال, فاليوم باتت القدس عنوان المعركة الرئيسي مع الاحتلال, فهناك واقع جديد يريد ان يثبته الاحتلال الصهيوني في القدس المحتلة, بينما يصارع المقدسيون لمنع تثبيت هذا الواقع, فالاحتلال يسعى للتهويد, والتهجير, والتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الاقصى, والمقدسيون يسعون للحفاظ على ملامح القدس العربية والاسلامية والتي تدل على هويتها وانتمائها لجذورها العربية الاصيلة, كما يسعون للانغراس اكثر والثبات في مدينتهم المقدسة رغم كل هذا القمع الصهيوني المميت, ويسعى المقدسيون للرباط داخل المسجد الاقصى المبارك وحمايته من محاولات الاحتلال الصهيوني بتقسيمه زمانيا ومكانيا, وممارسة طقوسه الدينية داخل باحات الاقصى, وهذا الرباط للمقدسيين يحتاج الى دعم عربي واسلامي كبير, ليس دعما ماليا كما يتصور البعض, انما الدعم من خلال الالتفاف حول القدس ومسجدها المبارك, وشد الرحال اليها من اهلنا الفلسطينيين في الضفة الغربية والاراضي المحتلة عام 1948م, لذلك اوصى بالأقصى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال « عن ميْمونة، موْلاة النبيِّ صلى الله عليْه وَسلمَ قالت: يَا نبِيَّ الله، أفتنا في بَيْت المقدسِ، فقال: «أرْضُ المنشر، وَالمحشر، ائتوه فصلوا فيه، فإنَّ صلاة فيه كألف صلاة فيما سواه، قالت: أرَأيْت من لمْ يُطق أن يَتحمَّل إليْه، أوْ يَأتيَه قال: فليُهد إِليْهِ زيْتا يُسرجُ فيه، فإنَّ منْ أهدى له كانَ كمن صلى فِيه», وهذا يعني حث رسول الله للمسلمين لنصرة اقصاهم ومسجدهم المبارك والوقوف مع اهله ضد الغزاة المحتلين, فإن لم يحاربوا من اجله فليسرجوا اليه زيتا , وبالقياس يسرج اليه سلاحا للدفاع عنه ودعم اهله ضد الغزاة المحتلين, كيف لا وهو مسرى رسول الله ومعراجه الى السماء.
«اسرائيل» شعارها الدائم الموت للعرب, وطريقها للوصول لأهدافها هو طريق الدم والاشلاء والضحايا, واطماعها التوسعية ليس لها حدود, ولا تؤمن بالسلام والتعايش المشترك, وهي تعادي البشرية جمعاء, وترى في اليهود شعب الله المختار, وان البشرية كلها مجموعة من العبيد مسخرة لخدمة «اسرائيل» وهي لا تعتمد على ذاتها وقدراتها لأجل الوصول لأهدافها, لأنها تعلم انها غير قادرة على تحقيق انتصارات على الامة العربية والاسلامية, ولو تحالف العرب واتخذوا قرارا بمواجهتها, لاستطاعوا هزيمة «اسرائيل» بسهولة, لكن تلك الانظمة لا تحمل الا ثقافة الهزيمة وهي متأصلة في دواخلها, وتتملكها حالة من الضعف وعدم الثقة بقدرة شعوبها على النصر, لذلك تجبن تلك الانظمة الرسمية عن المغامرة بمواجهة اسرائيل, فلعل نكبة ال 48م ونكسة ال 67م كان لها اثر كبير في تحطيم ثقافة النصر في اذهان القادة والزعماء العرب, نعم «اسرائيل» لا تعتمد في ذاتها على تحقيق النصر, انما تتحالف مع كل قوى الشر في العالم, وعلى رأسهم الادارة الامريكية, وقد توافقت على الدفاع عن مصالح امريكا والدول الغربية والبقاء في المنطقة العربية لمنع انبعاث الامة من جديد, لأن انبعاثها يمثل خطورة كبيرة على مصالح «اسرائيل» وقوى الشر العالمية, وربما يبعث الامة من جديد, والرسميون العرب تورطوا بتبعيتهم العمياء في قمع الامة ومنع انبعاثها من جديد, وبات من مصلحة الحكومات الدكتاتورية العربية ان تبقى في صف اعداء الامة لتحافظ على وجودها في السلطة, حتى وان كان هذا على حساب مصلحة الامة ومصلحة الجماهير, فالغاية لديهم تبرر الوسيلة مهما كانت درجة قذارتها ومنافاتها لأبسط القيم الانسانية, فاذا كانت مصلحة الحاكم مرهونة بخيانته فكل شيء مباح حتى المتاجرة بالأوطان.