شهدت جلسة المجلس الثوري لحركة فتح، التي عقدها مساء أمس الاثنين، بحضور الرئيس محمود عباس إقصاء عدد من أعضائه المشاركين في قائمة "الحرية" الانتخابية المنبثقة عن تحالف القياديين الفتحاويين ناصر القدوة والأسير مروان البرغوثي، وسط انتقادات حادة من الكادر الفتحاوي الذي استبق الاجتماع بمطالبات علنية بضرورة عقد المؤتمر الثامن للحركة.
وأقصى المجلس من اجتماعه كلاً من فدوى البرغوثي، زوجة عضو اللجنة المركزية للحركة الأسير مروان البرغوثي، وجمال حويل المقرب من البرغوثي، وفخري البرغوثي الأسير المحرر الذي أمضى 34 عاماً في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي، وجميعهم أعضاء منتخبون في المجلس الثوري.
وقال عضو المجلس الثوري جمال حويل، في تصريحات صحفية: "لا أعلم سبب عدم دعوتي لاجتماع المجلس الثوري لحركة "فتح"، وهذا سؤال يجب أن يوجه لأمانة سر المجلس الثوري ورئيس المجلس".
وتابع حويل، الذي يشغل منصب مقرر لجنة الأسرى والشهداء والجرحى في المجلس الثوري: "لا يوجد أي قرار تنظيمي في حركة "فتح" يمنع دعوتي لحضور اجتماع المجلس الثوري الذي أنا عضو منتخب فيه منذ ديسمبر/ كانون الأول 2016".
بدوره، قال عضو المجلس الثوري لـ"فتح" والأسير المحرر فخري البرغوثي،: "إن إقصائي وغيري من الذين شاركوا في قائمة (الحرية) الانتخابية ربما يعود لأن الرئيس محمود عباس كان قد منع أي قيادي فتحاوي من الترشح لانتخابات المجلس التشريعي خارج إطار قائمة الحركة الرسمية، لكنه هو نفسه من تراجع عن قراره وقام بإدخال خمسة من أعضاء مركزية "فتح" وخمسة محافظين إلى القائمة الانتخابية في الساعات الأخيرة"، فيما تساءل البرغوثي: "إما أن يشمل التراجع عن قرار الرئيس عباس (أبو مازن) الجميع أو لا".
وتابع البرغوثي: "كان من الواجب أن تقوم "فتح" بلملمة نفسها في هذه المرحلة الخطيرة، لا أن تقوم بإقصاء قياداتها وتعميق خلافاتها". وأضاف: "منذ عام 2016 وقيادة الحركة تقوم باستخدام المجلس الثوري مثل السجادة، تقوم بفرشها لخدمة مصلحتها، وطيها متى كان الأمر عكس مصالحها، أنا أنتمي لحركة "فتح" منذ عام 1968، وسأبقى في الحركة، والذين يكرسون الإقصاء هم خارجها الآن".
وطالب البرغوثي بـ"حوار فتحاوي داخلي قبل أي حوارات أخرى مع الفصائل الفلسطينية، وعلى رأسها "حماس""، وقال: "منذ عام 1995 ونحن في حوارات مستمرة مع الاحتلال، لماذا لا يوجد حوار فتحاوي داخلي بيننا في هذه المرحلة الحرجة؟".
ووجه البرغوثي عتاباً إلى أعضاء المجلس الثوري، قائلاً: "هذا الإقصاء سيضعفكم، وكلنا تحت طاحونة الاحتلال وغيره إذا لم نتوحد".
وفي السياق ذاته، وجه العديد من كوادر حركة "فتح" رسالة إلى المجلس الثوري ضمت انتقادات حادة لسلوك الحركة في "معركة القدس" الأخيرة، ومطالبات بعقد الانتخابات الداخلية للحركة عبر المؤتمر الثامن.
وقال نعيم الكعك، أحد كوادر "فتح" الذين وجهوا الرسالة للمجلس الثوري، في حديثه: "الهدف من توجيه هذه الرسالة للمجلس الثوري حتى يقوم بواجبه المتمثل بعقد المؤتمر الحركي العام، وإحداث التغيير التنظيمي من داخل الأطر الحركية، بهدف استنهاض الحركة وإعادة ريادتها".
وتابع الكعك، الذي أمضى 16 عاماً في سجون الاحتلال الإسرائيلي: "لقد تم توجيه هذه الرسالة من كوادر "فتح" في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس"، مؤكداً "أن إرادة التغيير حاضرة عند كادر الحركة، وأن الرسالة تم تسليمها لأعضاء في المجلس الثوري وأمانة سره اليوم، قبيل بدئه بأولى جلساته".
وجاء في الرسالة،: "لقد فتحت الملحمة على آفاق جديدة أصبح من غير الممكن الاستمرار بنفس السلوك والأداء لكافة مستويات العمل التنظيمي– الحركي، لقد شهدنا جميعاً تراجع وتخلف أداء قيادة الحركة، وبدا الوضع الحركي كأنه خارج السياق، وخارج الزمن، وعاجزاً عن قراءة المشهد ومواكبة نبض الشارع الفلسطيني، والتعامل مع المتغيرات المستجدة، وأخفق في تلبية طموحات أبناء وكوادر الحركة".
وتابعت الرسالة: "هذا ما يفرض علينا جميعاً التحرك والمبادرة في طرح فكر جديد قادر على مواجهة التحديات وإنقاذ حركتنا العظيمة، وإعادة دورها التاريخي والطليعي في قيادة المشروع الوطني وريادة الشعب الفلسطيني في نضاله وتحقيق أهدافه في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الفلسطينية".
وطالب الكادر الحركي لـ"فتح" بـ"عقد المؤتمر الثامن للحركة، الذي أصبح استحقاقاً نظامياً وتفرضه الضرورة ويجمع عليه أبناء الحركة، على أسس ومعايير تنظيمية تكفل مشاركة الكادر الفتحاوي وتمثيل كافة قطاعات ومجالات العمل التنظيمي، وتشكيل لجنة تحضيرية قادرة على إنجاز عقد مؤتمر يرقى إلى تضحيات شهدائنا ومعاناة أسرانا وعذابات جرحانا وتطلعات شعبنا العظيم"، وفق الرسالة.
في القانون والعرف لدى الدول أي خلل يمس بالصحة العامة يقود مرتكبيه إلى نهاية حياتهم السياسية، مهما كانت تلك الشخصيات أو مكانتها مرموقة داخل المجتمع أو رفيعة بأروقة الحكم.
هذا ما يجب تحقيقه بعد كشف فضيحة صفقة اللقاحات التي أبرمتها وزارة الصحة التابعة للسلطة مع حكومة الاحتلال، والتي تبين أنها منتهية الصلاحية.
وما إن كشفت وسائل إعلام عبرية النقاب عن تفاصيل تلك الصفقة حتى شهدت حالة من الغليان لدى الشارع الذي أجبر وزارة الصحة بالتراجع عن هذه الصفقة، والاكتفاء بذلك دون الإعلان عن الجهة المنفذة لتلك الصفقة، ولا النية بفتح تحقيق بهذا الشأن.
الحقيقة أن السلطة الفلسطينية التي تصر على إدارة ملف الاعمار في قطاع غزة، وفشلت في إدارة ملفات عديدة لن يكون آخرها ملف جائحة كورونا وفضيحة صفقة تبادل اللقاحات مع الاحتلال الإسرائيلي، غير مؤهلة لإدارة الشان العام واعادة الاعمار في القطاع.
وهي مجرد إدارة مدنية لا تستطيع قيادة موارد اقتصادية، ولا تصلح أن تقود بلدية، واقتصرت مهمتها على ادارة المال العام بفشل يتبعه فشل من أشخاص متهمين بالفساد، ويلهثون خلف مصالحهم على حساب المصلحة العامة وقضايا الناس.
توهّمنا بعد العدوان اننا قد نستطع التخلص من ركام وآثار الدمار الذي خلفه الانقسام، واعادة الاعمار بالاتفاق وطنيا، ورفض السلطة الفلسطينية شروط دولة الاحتلال وأن السلطة هي التي يجب ان تدير ملف الاعمار وزعمها ان ذلك لتقوية التيار المعتدل في صفوف الفلسطينيين، وكأن السلطة وقيادتها كانوا ينتظرون من يمنحهم الفرصة للعودة للمشهد السياسي بعد تخليها عن مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين اثناء هبة القدس والعدوان على غزة، وفرض سيطرتها وشروطها من بوابة أوجاع وآلام غزة.
وجاءت صفقة اللقاحات لتؤكد عدم أهلية السلطة الفلسطينية وعدم قدرتها على إدارة الفلسطينيين سياسيا وحتى إداريا، وراحت تنفي عن نفسها عبء المسؤولية عن الصفقة الفاسدة بانتهاء صلاحية اللقاحات ومؤكدة مهارتها في التدليس، وهي ليست المرة الأولى التي تفوح منها شبهات الفساد وغياب الشفافية في موضوع القاحات عندما وزعتها في شهر آذار الماضي على الحبايب والمقربين، ولولا اندلاع موجة الغضب في فلسطين والشعور بالعار والخزي، لأنَّ السلطة لم يستطع تقدير خطورة هذه الصفقة وغياب الاجابات ومن المسؤول عن هذه الكارثة؟؟
وحسب مصادر مطلعة أن قضية تبادل اللقاحات بين الحكومة الفلسطينية ووزارة الصحة من جهة ودولة الاحتلال من جهة أخرى مطروحة على طاولة البحث منذ شهر مارس/ اذار الماضي. وأن وزارة الصحة أجرت اتصالات وبذلت جهود مع شركة فايزر التي تنتج اللقاحات للحصول على اللقاحات المتوفرة لدى دولة الاحتلال، من خلال الشركة مقابل الحصول على اللقاحات التي ستحصل عليها السلطة التي كانت على علم بان صلاحيات اللقاحات لدى الاحتلال الاسرائيلي تنتهي خلال شهري يونيو/حزيران الجاري وتموز/ يوليو القادم. علما أن شركات انتاج اللقاحات التي بدات بانتاجه شركة فايزر كانت الاولى وصنعته للاستخدام الطارئ، يعني لمدة قد لا تتجاوز الاربعة اشهر، ولم تحدد مدة صلاحية طويلة قد تصل لسنة او اكثر، وعليه فان اللقاحات التي تم التفاوض عليها مع دولة الاحتلال قد تكون انتجت خلال شهر ١٢ من العام الماضي وتم استيرادها مباشرة، وقد تكون صلاحيتها قد انتهت قبل التاريخ الذي اعلن عنه.
وعلى ضوء ذلك وفي حال تم اجراء عملية تبادل اللقاحات في شهر اذار/مارس الماضي، فإن هذه معضلة أيضاً في ظل احجام المواطنين الفلسطينيين عن اخذ اللقاح، وهل تسطيع السلطة الزامهم على تطعيم 90 الف مواطن خلال فترة قصيرة؟ وكيف كانت تسطيع لو كان التبادل في حينه لما اثار هذا الجدل.واستلام اللقاحات بنفس شهر تاريخ انتهاء صلاحيتها.
وهناك تصريحات بعودة السلطة للتفاوض على لقاحات جديدة اكدتها تصريحات وزير الأمن إلامن الإسرائيلي بيني غانتس، الذي قال: انه سعيد أن السلطة الفلسطينية ستعود لاتفاق اللقاحات.
كل ذلك يثير الشك والتساؤلات والتأكيد والنفي والتخبط في ادارة الملف سياسيا واعلامياً، والاخطر هو مدى إمكان قيام السلطة بعملية التطعيم للمواطنين؟ إضافة إلى اداء السلطة الاعلامي ومن كشف الاتفاق وسائل الاعلام الإسرائيلية عن تاريخ انتهاء صلاحيتها، فالتخبط الاعلامي الذي جرى واعلان عن وزيرة الصحة، ومن ثم تصريح وزارة الخارجية بتكذيب دولة الاحتلال وصولا لقرار الغاء الصفقة.
الازمة ليست سياسية، اضافة الى انها ازمة فساد وغياب الشفافية هي أزمة اخلاقية وإعلامية. وهي دراسة حالة تدرس في الاعلام والتواصل وطريقة التعامل مع المواطنين باحتقار وغطرسة، تعبر عن عقلية ديكتاتوورية وحكم استبدادي في التعامل مع الناس.
لم يعتاد الفلسطينيين على هذا الحال من الانكسار الذي اوصلتهم اليه قيادتهم والذل الممارس بحقهم الى هذا الحد، واستمرار الفاسدين واصحاب المصالح في افقار المواطنين، وفشلت دولة الاحتلال بإذلالهم.
وفي ظل فقدان الثقة بالنظام السياسي وغياب المصداقية والشفافية، وان فضيحة صفقة اللقاحات الفاشلة الحقت اضرار فادحة بالفلسطينيين.
ومع ذلك أن تشكيل لجنة تحقيق مهم، الغرض منها إظهار الحقيقة، على ان تتوفر فيها ضمانات الاستقلالية والنزاهة والكفاءة.