طلبت أسرة المعارض الفلسطيني نزار بنات مساندة المؤسسات الحقوقية والإنسانية المحلية والدولية، لإعداد مذكرة قضائية ترفعها إلى المحكمة الجنائية الدولية، وتطالب بإقالة المسؤولين عن "اغتيال" أبنهم، ومحاسبتهم، حتى لا تلجأ إلى ما أسمته "الدم والنار والبارود".
ولكن، هل تستطيع الأسرة اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية لملاحقة ومحاسبة من تتهمهم بقتل ابنها؟
أستاذ القانون الدولي في جامعة الخليل وممثل نقابة المحامين أمام المحكمة الجنائية الدولية معتز قفيشة ، يقول إن ذلك ممكن، ولكن له إجراءاته وشروطه".
وحسب قفيشة الذي تحدث للجزيرة، يمكن نقل القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا كانت ذات طابع خطير، ولها تأثيرات كبيرة في نشر الخوف بالمجتمع، وهنا يشير قفيشة إلى وثيقة "أركان الجرائم" المعروفة في القانون الجنائي الدولي، التي تبنّتها الدول الأطراف في المحكمة الجنائية عام 2002.
وتسمح هذه الوثيقة للمحكمة بالنظر في مثل هذه القضايا، مستندة إلى أبرز معاييرها في "أن يكون هناك أثر كبير وواسع النطاق للجريمة في الناس والمجتمع عامة حتى لو كان المتضرر شخصا واحدا، وهي بهذا تصبح جريمة بحق الإنسانية من ناحية أثرها المحلي والدولي".
وأحدثت "وفاة" المعارض المعروف نزار بنات بعد اعتقاله صدمة في الشارع الفلسطيني، واندلعت إثرها مواجهات واسعة بين مئات المحتجين وقوى الأمن الفلسطينية أو عناصر مؤيدة للسلطة في مدينتي رام الله وبيت لحم بخاصة.
ولم يسبق أن رُفعت قضايا على السلطة الفلسطينية بهذا المستوى، ولكن، حسب قفيشة "قد تكون الأولى من نوعها دوليا ضد السلطة، إذا لم يجر تحقيق جدّي من قبل الحكومة الفلسطينية في قضية وفاة نزار بنات، بخاصة بعد اعتقاله واعتداء عناصر الأمن عليه".
ويقول قفيشة "يبدو أن الحكومة تحاول تضييع الوقت لكي تُنسى الجريمة، لا سيّما أن لجنة التحقيق التي شكّلت تابعة لها، وأعضاؤها لن يدينوا الحكومة".
نظام التكامل
ويمكن للمحكمة الدولية استقبال شكوى في "اغتيال" نزار بنات وفق "نظام التكامل" الذي يعدّ، حسب الخبير القانوني قفيشة، تحقيق المحكمة الدولية مكمّلا لعمل القضاء المحلي، أي إن المحكمة الجنائية الدولية تتدخل في حال عدم وجود تحقيق محلي مستقل.
وفي حالة "اغتيال" نزار بنات، حسب وصف أسرته، يتيح هذا النظام للمحكمة الجنائية الدولية التدخل لأن القضية تتصل برئيس الحكومة الفلسطينية بصفته وزير الداخلية ومسؤولا عن جهاز الأمن الذي نفذ عملية الاعتقال و"القتل".
وهذا لا يعني بالضرورة إدانة رئيس الحكومة، ولكن يمكن استدعاؤه مع آخرين للتحقيق من أجل تحديد هوية المسؤول عن القرار الذي أدى إلى وفاة الناشط المعارض، سواء أكان محافظ منطقة الخليل حيث يسكن بنات، أم مدير جهاز الأمن المسؤول عن الفرقة التي اعتقلته، أم مدير الجهاز الأمني في المحافظة عامة، أم حتى عناصر الأمن الذين اعتقلوه.
وحسب قفيشة "في النهاية يجب أن يتحمل المسؤولية ويُدان من اتخذ القرار في ما حدث ومحاكمته، وتعويض أسرة بنات وتوفير دخل لهم مدى الحياة".
فلسطينيون يطالبون بمعاقبة المسؤولين عن "اغتيال" نزار بنات بعد اعتقاله من الأمن الفلسطيني (الجزيرة)
شروط موضوعية
من جهته، عبّر مدير مؤسسة "الحق" الفلسطينية شعوان جبارين عن استعداد مؤسسته للتعاون مع المحكمة الدولية إذا طُلب منها ذلك، ولكنه قال "في ما يخص قضية نزار بنات، فالأمر لا يجب أن يخضع لعاطفة الناس لأن المحكمة الجنائية الدولية تأخذ دورها فقط في حال عدم قدرة القضاء المحلي على التحقيق، أو أنه غير معني بتحقيق العدالة والإنصاف للضحايا، "فالمحكمة الجنائية دورها تكميلي فقط".
وحسب جبارين، عند الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية يجب التفريق بين المعلومات والقضايا، فالمحكمة تستقبل أي معلومات وتخزّنها ولكنها لا تتابعها إلا إذا كانت تتعلق بقضية أو حالة ضمن اختصاصها.
"وتقع جريمة التعذيب ضمن اختصاص المحكمة، وكي تصبح موضوعا للاهتمام والمتابعة من قبلها يجب أن تتوفر شروط موضوعية وإجرائية، كأن يُمارس التعذيب على نطاق واسع ويعبّر عن سياسة تنتهجها الأجهزة الأمنية الفلسطينية".
ويقول جبارين إنه يمكن النظر إلى التحقيق الفلسطيني في قضية نزار بنات بعين أخرى، إذا كان خارج الجهاز التنفيذي الرسمي ومن جهات مستقلة ومحايدة ومهنية وذات صلاحيات، بخاصة أن الحقائق في قضية بنات واضحة وصريحة ولا يمكن تغطيتها، وتسطيع أي لجنة تحقيق، إذا كانت مستقلة، كشفها وإدانة المتهمين فيها.