وفق القاعدة المتعارف عليها والتي تقول ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة, غادر المستوطنين الصهاينة مستوطنتهم في بؤرة "افيتار" التي اقاموها قسرا على قمة جبل صبيح في قرية بيتا جنوبي نابلس وذلك بـعد 66 يوماً من المقاومة الشعبية والارباك الليلي ، وهو الامر الذي دفع المستوطنين للمغادرة وسط اصرار من الاهالي على استمرار الفعاليات الشعبية المقاومة للاحتلال الصهيوني حتى يتم تطهير المنطقة بالكامل من المستوطنين, ورغم ان المستوطنة لا زالت قائمة ولم يتم حتى الان ازالة البيوت وتفكيك ما بداخلها الا ان فعاليات الارباك الليلي الذي يقيمها شبان القرية كل ليلة امام المستوطنة دفع الاحتلال الصهيوني لسحب المستوطنين خوفا من اقتداء مناطق اخرى بما يحدث في قرية بيتا وتمدد الاحداث وتناميها بمشاركة اعداد اكبر من المشاركين في الفعاليات الشعبية, وبالتالي يعجز الاحتلال الصهيوني عن السيطرة على تلك الاحداث, ورغم ان الارباك الليلي لم يتوقف ولن يتوقف, الا بزوال البؤرة الاستيطانية "افيتار" الا ان سلطات الاحتلال الصهيوني ارادت ان تجرب سياسة العصا والجزرة مع الشبان الفلسطينيين, لعلها تستطيع ان تقنعهم بوقف هذه الفعالية الليلية التي تزعج الاحتلال وتقض مضاجع مستوطنيه وتمنعهم من التنقل بحرية في المنطقة, فتقديرات الاحتلال تشير الى امكانية اندلاع انتفاضة ثالثة في وجهه مع تزايد الاستيطان في الضفة والقدس وهى تحاول ايقاف هذه الفعاليات الليلية باي وسيلة كانت, بعد ان اثارت قلق المستوطنين وزادت من مخاوفهم.
بؤرة افيتار الاسرائيلية كان قد اقامها المستوطنون الصهاينة قبل نحو عام بجبل العُرمة فوق أراضي بيتا, لكن مقاومة اهل القرية اجبرت الاحتلال على ازالة البؤرة الاستيطانية لتقام على قمة جبل صبيح ولكن اهالي القرية رفضوا ايضا ان تقام البؤرة الاستيطانية فوق اراضيهم وانتفضوا في وجه الاحتلال, وسقط منهم الشهداء والجرحى, واعتقل المئات منهم وقد قابل الاحتلال احتجاجاتهم بعنف شديد وكان يقمعها بقوة مفرطة، كي لا يتكرر مشهد جبل العُرمة حيث أفشلت مقاومة أبناء بيتا محاولات الاستيطان فوقه. فعلى مدار الاشهر الماضية، استخدم الجنود الصهاينة الرصاص الحي فقتلوا الشاب عيسى برهم وكان أول شهيد قضى دفاعا عن الجبل في مايو الماضي، إضافة إلى مئات الجرحى. فهذه معركة اشعلها اهل بيتا مع العدو ويديرونها بشكل ممنهج، إذ يُقسِّمون أنفسهم إلى وحدات ومجموعات منظمة، ويتناوبون على ذلك ليل نهار، مستلهمين تجربتهم من المقاومة على حدود غزة وفعاليات مسيرات العودة, فهناك وحدة الكاوتشوك التي يبدأ عملها نهارا للتعمية على تحرك الشبان تجاه البؤرة الاستيطانية, وهناك وحدة المقلاع التي ترشق الاحتلال بالحجار من مسافات بعيدة بأداة المقلاع, كما ان هناك وحدة مراقبة تسمى وحدة "الاعلام" مهمتها تسهيل وصول الصحفيين للمنطقة ورصد الاحداث, وايصال الاخبار الى منابر الاعلام المختلفة ووحدة الرصد والمتابعة لمراقبة تحركات الجيش وإمداد المقاومين بأحدث المعلومات عنهم خوفا من تسلل الجيش من خلف المتظاهرين واصطيادهم.
هذه الاحداث وتسارع وتيرتها وتمددها دفع الإعلام العبري للبحث عن دوافع هذا التطور الميداني المخيف ونقل الاعلام العبري عن مصدر محلي في بيتا أنه "يتعين على إسرائيل أن تعد 14 ألف رصاصة لقتل جميع سكان بيتا إذا كانت تعتزم السيطرة على الجبل" وهذا يعني ان المقاومة ضد بؤرة افيتار مستمرة وهى خيار مجمع عليه من سكان القرية رغم كل ما يستخدمه الاحتلال من عنف وارهاب, لقد أصبحت قرية بيتا نموذجا للنضال في الضفة الغربية، واقترن اسمها بأحداث الشيخ جراح وسلوان بالقدس وغزة، فأضحت بؤرة حدث لا تقل أهمية عن غيرها, وهى المحرك الاساسي لمواجهة الاستيطان في الضفة, بعد ان ضربت نموذجا يحتذى في النضال السلمي المقاوم ضد الاحتلال, فزوال بؤرة افيتار وتنقلها من قمة جبل الى قمة جبل اخرى يعني ان الاحتلال عاجز عن مواجهة ظاهرة الارباك الليلي التي تتنامى في القرية, وتاريخيا كانت بيتا عصية على الاحتلال، فمنذ حاول الاحتلال عام 1988 تشييد أول مستوطنة في جبل العُرمة شرقي البلدة، انتفض الأهالي واستشهد ثلاثة منهم وقُتل مستوطنان، وعندما أعيدت الكرة قبل نحو عام ونصف تصدى له أيضا سكان القرية واستشهد شابان فلسطينيان, لكن هذا لم ينه الفعاليات, ولم يؤثر سلبا في نفوس سكان القرية, انما زاد من اصرارهم على ضرورة مواصلة فعالياتهم النضالية وتطويرها حتى تطهير القرية من البؤر الاستيطانية كلها ورحيل كل المستوطنين عنها واقصر الطرق لذلك هو الاشتباك الدائم مع الاحتلال وقطعان مستوطنيه.